رغم أنّ السائد أنّ "الغرب" هو السبّاق فيما يخصّ أي شيء تقريباً، من ناحية التكنولوجيا ومن ناحية حقوق الإنسان، وكذلك من ناحية وضع المرأة في المجتمع، إلا أنّ هذا الأمر ليس صحيحاً بهذا الشكل. هناك مجالات سبق فيها الغرب ولكن هناك أشياء أخرى كان فيها متأخراً.
فمثلاً، قد يكون من المتوقّع أنّ أوّل رئيسة وزراء في العالم كانت في العالم الغربي، لكنّ الحقيقة أنّ أوّل رئيسة وزراء في العالم كانت في سريلانكا، وثاني رئيسة وزراء في العالم كانت في الهند، بينما كانت أول رئيسة وزراء في أوروبا في المرتبة الخامسة. ويمكنك قراءة قائمة أوّل 9 رئيسات للوزراء في العالم من (هنا).
وينطبق هذا الأمر أيضاً على أوّل امرأة طيّارة مُقاتلة، فقد كانت أوّل امرأة طيّارة مقاتلة في أمريكا عام 1993، بينما حظي الاتحاد السوفييتي بطيّارات مقاتلات في الحرب العالمية الثانية، أي قبل أمريكا بقرابة 40 عاماً، كما تذكر مجلّة The National Interest الأمريكية.
الاتحاد السوفييتي والحرب العالمية الثانية.. كل الجهد مطلوب
في حين أنَّ الولايات المتحدة لم تحظّ بأول طيارة مقاتلة إلا في عام 1993، كان لدى الاتحاد السوفييتي العديد من النساء المشاركات في مهام قتالية أثناء الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية) ضد ألمانيا النازية. على عكس طياري خدمة القوات الجوية النسائية الأمريكية، اللاتي كانت وظيفتهن قيادة الطائرات، وكن في الأصل مدربات لكن أصبحن لاحقاً قائدات مقاتلات وقاذفات وطائرات نقل من المصانع إلى القواعد في الولايات المتحدة، شاركت الطيارات السوفييتيات في العمليات القتالية.
لم يكن الاتحاد السوفييتي منخرطاً في الحرب العالمية الثانية التي بدت وكأنها حرب أوروبية فقط، فألمانيا بقيادة هتلر تحاول فقط أن تستردّ ما سُلب منها في الحرب العالمية الأولى.
لكنّ هتلر كان له رأيٌ آخر، فقد كان الاتحاد السوفيتي هو مورّد المواد الخام الأوّل لألمانيا في ذلك الوقت. وهنا فكّر هتلر: بدل أن نشتري تلك المواد الخام، لنسيطر على الاتحاد السوفييتي ونستخرج المواد الخام دون تكلفة، وهكذا بدأت عملية اجتياح الاتحاد السوفييتي التي كلفت ألمانيا كلّ شيء تقريباً.
كانت المعركة بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا معركة تكسير عظام، وقد فشلت خطّة هتلر في النهاية بالسيطرة على الاتحاد السوفييتي.
ولكن على الجهة المقابلة، كان الاتحاد السوفييتي يعاني أيضاً من ويلات الحرب، بل إنّ وقوفه في وجه الألمان كانت تكلفته هائلة على كلّ المستويات. وكما احتاجت ألمانيا لإعادة إعمار بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، احتاج الاتحاد السوفييتي كذلك إعادة إعمار.
وبما أنّ الاتحاد السوفييتي كان يقاتل من أجل حياته حرفياً، فقد ساعد كل مواطن تقريباً في المجهود الحربي أثناء الحرب العالمية، وخدمت 800 ألف امرأة في الجيش السوفييتي.
وشهدت الحرب العالمية الثانية أوّل نساء طيّارات مقاتلات قبل حدوث هذا في أمريكا بأربعين عاماً.
بدأ دخول النساء مجال الطيران الحربي مبكراً في الحرب العالمية الثانية، وبنهاية الحرب كانت هناك ثلاثة أفواج جويّة نسائية نفَّذت أكثر من 30 ألف طلعة جوية وأنتجت ما لا يقل عن 30 من أبطال الاتحاد السوفييتي.
نساء وطيّارات ومقاتلات
كانت أشهر هذه الطيّارات هي مارينا راسكوفا، أوّل ملّاحة في القوات الجوية السوفييتية. فقد قدّمت التماساً شخصياً للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين للسماح لها بتشكيل سربٍ مُقاتل من النساء. ونظّمت هذه الوحدة بسرعة في أعقاب الغزو الألماني في صيف عام 1941 وسرعان ما حصلت 400 امرأة على التدريب وشكَّلن ثلاث وحدات قتال.
شاركت الوحدة الأولى في القتال في 16 أبريل/نيسان عام 1942، أي بعد أقل من ستة أشهر من تشكيلها.
وكانت عبارة عن فوج الطيران المقاتل رقم 586. جُهِّزَ الفوج بمجموعةٍ متنوعةٍ من الطائرات المقاتلات. ونفّذ الفوج أكثر من 4400 طلعة جوية ودمرت 38 طائرة ألمانية معادية.
اثنتان من هذا الفوج انضمّتا لاحقاً إلى فوج المقاتلين التاسع المسمّى "أوديسا"، وهو ما جعلهما المرأتين الوحيدتين اللتين تخدمان في "فوج الأبطال". وكلتاهما حازتا لقب "طيار بطل".
ومن بين الوحدات البارزة الأخرى، فوج طيران القاذفات الليلي 588. وقاد هذا الفوج طائرات "بوليكاربوف بو -2" ثنائية السطح، كانت هذه الطائرات تصلح للتدريب ورشّ المحاصيل الزراعية، لكنهن قدنها بنجاحٍ كبير.
كان التكتيك الشائع لفوج القاذفات الليلية هو إيقاف المحرك بالقرب من الهدف بحيث لا يمكن إلا سماع صوت الرياح. وقارن الجنود الألمان الصوت بعصا المكنسة، وهكذا أصبحت الوحدة تُعرَف باسم "ساحرات الليل".وكان الفوج يتألف بشكل أساسي من متطوِّعاتٍ كن في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات. وظل الفوج الوحيد الذي يضم نساءً فقط، من بين الأفواج الثلاثة التي تشكَّلت في 1941، طوال فترة الحرب.