يتابع كثيرون باهتمامٍ أو قلق، مسار الصاروخ الصيني الخارج عن السيطرة؛ خشية أن يسقط في منطقة مأهولة بالسكان، بعدما فقدت الصين السيطرة على الصاروخ، إذ لا يجد وجهته للسقوط، لكنه نجح في مهمته الأساسية بإيصاله الوحدة الأساسية لمحطة الفضاء التي تبنيها بكين في مدار حول الأرض، كي تصبح هذه المحطة الصينية هي الثانية بعد محطة الفضاء الدولية، الصالح تشغيلها حتى نهاية 2024. (Space.com)
سقوط جسم يبلغ وزنه 21 طناً، ويسير حول الأرض كل 90 دقيقة بسرعة تبلغ نحو 27 ألفاً و600 كيلومتر، وعلى ارتفاع يزيد على 300 كيلومتر، يثير قلقاً منطقياً، لكنه رغم ذلك لا يعد حدثاً نادراً في عالم المركبات والصواريخ الفضائية، كما أنه ليس أسوأها.
إذ يدور حول كوكب الأرض أكثر من نصف مليون قطعة صغيرة من حطام المركبات الفضائية، بينها 27 ألف قطعة أكبر من 10 سم، وجميعها يسير بسرعة تتجاوز 28 كيلومتراً في الساعة، يتبع أغلبها لوكالة ناسا ووزارة الدفاع الأمريكية، فضلاً عن ملايين القطع الأصغر التي خلفتها بعثات الفضاء ولم يتم تتبُّعها رغم أنها قادرة على إحداث ضررٍ بالأقمار الصناعية، أو المركبات الفضائية، مع احتمالية سقوطها على الأرض. (تقرير موقع The Space 2017)
أيضاً، لم يكن الصاروخ الصيني الخارج عن السيطرة أسوأ حوادث المركبات الفضائية، فقبل 40 عاماً، سقطت محطة Skylab الفضائية التابعة لـ"ناسا" على الأرض، وتناثرت قطعها المنفجرة في مناطق مأهولة بالسكان، ولحِق بها صاروخ روسي حجمه ضعف الصاروخ الصيني بـ15 مرة، ثم تلاه صاروخ لوكالة ناسا، وجميعها سبب خسائر مادية فور سقوطها.
سقوط محطة Skylab: أول محطة فضاء أمريكية
في 11 يوليو/تموز 1979، فوجئ سكان بلدة اسبرانس الأسترالية (غرب) بسقوط أجزاء من السماء كانت تعود لمحطة Skylab الفضائية، كما سقطت أجزاء أخرى من بقايا أول محطة فضاء أمريكية، في المحيط الهندي.
بدأت حكاية هذه المحطة في بداية السبعينيات، وقتها كانت المنافسة محتدمة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، فقد أطلق الروس لتوِّهم أول محطة فضائية في العالم وهي Salyut 1، لكنها لم تنجح في السباحة حول الأرض، وخلال العامين اللاحقين كان الأمريكان مستعدين لينالوا اللقب الذي لم يحققه الاتحاد السوفييتي، ويطلقوا أول محطة فضائية ناجحة في العالم.
وبالفعل، نجح الأمريكان في إطلاق محطة Skylab الفضائية في عام 1973، والتي استضافت بأمانٍ ثلاثة أطقم منفصلة من ثلاثة رجال لفترات طويلة من الزمن، وخلال ما يزيد على 5 سنوات قضى طاقم Skylab أكثر من 700 ساعة في مراقبة الشمس، وجلبوا معهم أكثر من 175000 صورة شمسية، من مهمة لم تكن سهلة، في ظل مواجهة الطاقم العديد من المشاكل التقنية التي حاولوا تجاوزها، وقع ما لم تحسب ناسا حسابه.
كانت المحطة الفضائية الأسطوانية في المرحلة الثالثة المستنفدة من صاروخ ساتيرن 5 القمري، المحطة يبلغ ارتفاعها 34 متراً، ووزنها 77 طناً، وحملت المجموعة الأكثر تنوعاً من المعدات التجريبية التي تم تجميعها في مركبة فضائية واحدة حتى ذلك التاريخ، لكنها بعد 5 سنوات بدأت في التدهور بوقت أبكر مما توقع العلماء، وذلك بسبب نشاط البقع الشمسية المرتفع، فقدت "سكاى لاب" ارتفاعها ودخلت إلى غلاف الأرض وسقطت.
وعندها شهد مواطنو البلدة الأسترالية قِطع المحطة المتناثرة في الغلاف الجوي، وأطلقت المحطة دخان الحطام المحترق فوق المحيط الهندي. ورغم ذلك لم يصب أحد بأذى، لكن سكان المدينة طالبوا بتعويض 400 دولار وحصلوا عليه وقتها، وفق موقع Space.com، وموقع History.
محطة Mir الروسية
في 23 مارس/آذار 2001، شهدت أستراليا حادثاً آخر مع المركبات الفضائية، لكن من طرف المحيط الهادئ هذه المرة. إذ شهد هذا التاريخ إنهاء محطة الفضاء الروسية Mir مهمتها، عندما خرجت عن مدارها ودخلت الغلاف الجوي للأرض ودُمرت.
كان عُمر مكونات هذه المحطة يتراوح بين 5 و15 عاماً، قامت خلالها بعشرات الأبحاث عن الفضاء بدعمٍ من برنامج محطة الفضاء الدولية، التي ما إن انتهت من التزاماتها تجاه تمويل المحطة، في وقت عجزت وكالة الفضاء الروسية عن تحمُّلها وحدها، حتى قررت إنهاء عمل المحطة.
كانت الخطة هي تشغيل المحطة التي يبلغ وزنها 130 طناً حتى تدخل الغلاف الجوي هبوطاً على ثلاث مراحل عبر محركات صاروخية مُثبَّتة على متنها، لكن في المرحلة الثالثة والأخيرة كانت المحطة بدأت في فقدان الضغط داخلها، ثم في التفكك والاحتراق بالغلاف الجوي من ارتفاع 100 كيلومتر، وسقطت أجزاؤها متناثرةً على نحو 1500 كيلومتر. (National Geographic)
مكوك كولومبيا: سقوط الطاقم بالكامل في منطقة مأهولة
كانت كارثة المكوك كولومبيا حادثة مميتة لا ينساها برنامج الفضاء الأمريكي. ففي 1 فبراير/شباط 2003، تفكك مكوك الفضاء كولومبيا (OV-102) عندما عاد إلى الغلاف الجوي، مما أسفر عن مقتل جميع أفراد الطاقم السبعة، ليسقط المكوك المحترق أو ما تبقى منه على مناطق مأهولة بالسكان في ولاياتي تكساس ولويزيانا. (كانت هذه الكارثة ثاني حادث مميت في برنامج مكوك الفضاء، بعد تفكك مكوك تشالنجر عام 1986 بعد الإقلاع بوقت قصير).
كان "كولومبيا" أول مكوك فضائي يطير في الفضاء، أتم أول رحلة له في عام 1981، وأكمل بنجاحٍ 27 مهمة قبل الكارثة، لكن في الرحلة الثامنة والعشرين، غادر كولومبيا الأرض للمرة الأخيرة وعاد إليها بعد أسبوعين كتلة محترقة ومهشمة.
في حقيقة الأمر بدأ الحادث بعد 28 ثانية من الإطلاق، عندما حدث خلل في العازل الحراري للمكوك، الذي يحافظ عليه من درجات الحرارة المرتفعة التي يواجهها في طريق العودة إلى الأرض، وعند رحلة الرجوع إلى الأرض، بينما كان يسير المكوك بسرعة 18 مرةً ضعف سرعة الصوت، تسربت غازات ساخنة عبر العازل الحراري التالف، ما تسبب في انفجاره وسقوطه بمناطق مأهولة في أمريكا، حتى إن سكان تكساس هم من أبلغوا عن سقوط جسم غريب بعد سماع دوي انفجار ورؤية دخان، وقد أقحم هذا السقوط للمكوك ناسا في تحقيق طويل بالكونغرس استمر عامين.