في الثامن والعشرين من شهر أبريل/نيسان عام 1945، تم إطلاق النار على الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني وعشيقته كلارا بيتاتشي من قبل الثوار الإيطاليين الذين أسروا الزوجين أثناء محاولتهما الفرار إلى سويسرا، بعدما انهار حُكمه وتداعت سلطة حكومته نتيجة الخسارة في الحرب العالمية الثانية.
العنف منذ نعومة أظافره
ولد موسوليني في 29 يوليو/تموز من عام 1883، في مدينة فيرانو دي كوستا بإيطاليا. وكان ابناً لحداد اشتراكي متحمّس يُدعى أليساندرو موسوليني، وأم كاثوليكية متدينة تُدعى روزا مالتوني.
ووفقاً لموسوعة britannica المعرفية، فقد عاشت عائلة موسوليني في أحياء بسيطة وصغيرة، وتم طرده من مدرسته الداخلية الأولى في سن مبكرة لم تتجاوز العاشرة بسبب طعنه زميلاً له في الفصل.
كذلك في سن الـ14 قام موسوليني المراهق بطعن صديقته المقربة في ذراعها، ولكن جرى حينها تعليقه عن الدراسة فقط من دون طرد.
كان اشتراكياً ثورياً
قضى موسوليني جزءاً كبيراً من فترة بلوغه المبكرة في السفر في جميع أنحاء سويسرا. وقام بالانخراط في الحزب الاشتراكي النمساوي، وتورط في اشتباكات مع الشرطة في عدد من المواجهات لشدة حماسه للحزب.
وفي عام 1909، انتقل موسوليني إلى النمسا والمجر ليصبح محرراً في صحيفة اشتراكية، ولكن تم ترحيله إلى إيطاليا ثانية بتهمة انتهاك قوانين تنظيم حرية الصحافة في ذلك الوقت.
عمل موسوليني الصحفي
في عام 1910، أصبح موسوليني رئيس تحرير صحيفة اشتراكية أخرى، لكنه سرعان ما أمضى ستة أشهر في السجن بتهمة التحريض على العنف بسبب لغة التحريض الحادة في الصحيفة.
وأثناء سجنه، بدأ موسوليني في كتابة سيرته الذاتية بينما كان لا يزال في العشرينات من عمره. وكتب فيها بالتفصيل عن سنوات دراسته المضطربة، ومغامراته الرومانسية العديدة.
ورغم حماسه الشديد، فقد انفصل موسوليني عن الحزب الاشتراكي في عام 1914. ثم أنشأ جريدته الخاصة التي "شجع فيها أنصاره على العنف" وفقاً لموسوعة History التاريخية. وقد تزامن ذلك مع انتشار الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وفي عام 1915، انضم موسوليني إلى الجيش الإيطالي في الحرب العالمية الأولى. وقاتل على الخطوط الأمامية إلى أن حصل على رتبة عريف قبل أن يتم تسريحه بسبب إصابة ألمّت به.
وقد واصل موسوليني عمله السياسي على الأرض حتى عام 1918 من خلال صحيفته أو عبر إنشاء منظمة فاشية وطنية شبه مسلحة، تُسمى Fasci Italiani di Combattimento، أو "حزب القتال الإيطالي الفاشي".
وبحلول نهاية العام، خاض موسوليني الانتخابات العامة كمرشح فاشي لكنه خسر أمام اكتساح المرشح الاشتراكي.
وبعد يومين تم القبض على موسوليني بتهمة جمع الأسلحة للإطاحة بالحكومة. وقد أُطلق سراحه في اليوم التالي لنقص الأدلة.
وفي عام 1921، حل الملك الإيطالي فيكتور إيمانويل الثالث البرلمان وسط تصاعد العنف والفوضى في البلاد. ما دفع بالانتخابات إلى الدفع بفوز الفاشيين، وشغل موسوليني الذي ترأسهم، مقعد نائب في البرلمان.
وبعدها تم تغيير اسم حزبه إلى Partito Nazionale Fascista، أو الحزب الوطني الفاشي.
سيطرة الحزب الفاشي على السلطة بالقوة
في عام 1922 أُمر الفاشيون بارتداء زي رسمي، فلبسوا القمصان السوداء زياً رسمياً لهم، وتواصل عملهم بشكل ثابت في فرض سلطة موسوليني وتقويض أي قوة أخرى.
وبعد فترة وجيزة، استولت الفرق الفاشية على العديد من المدن الإيطالية وأحرقت المكاتب الشيوعية والاشتراكية وبدأوا تدريجياً في السيطرة على منافذ القوة والسلطة الحقيقية في البلاد.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1922، هدد موسوليني وأتباعه بالتوجّه إلى روما للسيطرة على الحكومة بالقوة إذا لم يتم تسليمها له، وفق موسوعة History التاريخية.
وبما أن الحكومة كانت بطيئة في التحرك وأرسلت قواتها بعد ساعات من التهديد، كان الفاشيون قد سيطروا بالفعل على بعض الحكومات المحلية.
وقد رفض الملك فيكتور إيمانويل الثالث إصدار الأحكام العرفية، وشاهد مُرغماً الآلاف من الفاشيين المسلحين يدخلون روما ويفرضون سيطرتهم.
وانصياعاً للوضع مع تراجع سلطة الملك حينها، قام فيكتور إيمانويل الثالث بحلِّ الحكومة وطلب من موسوليني تشكيل حكومة جديدة. حينئذ عيّن موسوليني نفسه رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية والخارجية.
بداية حكم الرجل الواحد
للحظة وجيزة من الزمن، كان بينيتو موسوليني رمزاً يشيد به الملايين من الإيطاليين في ذلك الوقت؛ إذ لم يصبح ديكتاتوراً بين عشية وضحاها.
لكن الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان الإيطالي في 3 يناير/كانون الثاني 1925 الذي أكد فيه حقه في السلطة العليا للبلاد بشكل كامل، يُنظر إليه على أنه التاريخ الفعلي لبدء عهد ديكتاتوريته، وفقاً لموسوعة History التاريخية.
وقد أُطلق على موسوليني اسم "الدوتشي" أو الزعيم، بسبب سيطه وسيطرته في بداية عهده. وكان أول عمل له كرئيس للوزراء هو المطالبة بصلاحيات طوارئ خاصة تسمح له بالتحكُّم في الانتخابات لصالح حزبه.
كما قرر البرلمان في عهده أن جريمة معاداة الفاشية عقوبتها السجن المشدد من دون محاكمة.
وفي العام التالي، اعتقلت السلطات الإيطالية جميع قادة ونشطاء الحزب الاشتراكي، وقيدت الحكومة أنشطة النشر الخاصة بهم.
وقد تآمر نائب برلماني اشتراكي لاغتيال موسوليني قبل أن يتم ضبطه واعتقاله. وتبع ذلك عدة محاولات اغتيال أخرى سعى في مقابلها بشكل واسع في تقويض أي سلطة سوى سلطته في البلاد.
وفي عام 1926، تم اعتقال جميع أعضاء البرلمان الشيوعيين وطرد جميع الأعضاء الاشتراكيين في عملية هدم واسعة لكل ما هو غير فاشي في السلطة.
واشتهر في عهد موسوليني قيام الصحف والسينما في ذلك الوقت ببث نشرات دعائية للحكومة. وكان ذلك في الوقت الذي امتلك فيه الفاشيون 66% من الصحف وامتدت سلطتهم لمراقبة أي محتوى منشور في أي وسيلة إعلامية، وكانوا يصدرون إرشادات التحرير اليومية ويهددون المحررين بالاعتقال.
موسوليني وعلاقة غريبة مع هتلر
في البداية، لم يكن موسوليني مؤيداً لحُكم أدولف هتلر في ألمانيا، لكن مع مرور الوقت نمت شراكتهما، واتخذ موسوليني إجراءات معادية للسامية مماثلة للتي اتخذها هتلر، بحسب موسوعة britannica المعرفية.
وبعد غزو إيطاليا لإثيوبيا عام 1935، كانت ألمانيا ثاني دولة تعترف بشرعية إيطاليا. وقد وقف كل من هتلر وموسوليني إلى جانب فرانسيسكو فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936، حيث قدم موسوليني 50 ألف جندي لدعمه.
وفي عام 1937، انسحبت إيطاليا من عصبة الأمم -التي تأسست في عام 1919 بانتهاء الحرب العالمية الأولى للحفاظ على السلام في أوروبا.
وكان الانسحاب بمثابة تضامن فعلي مع الحليفة المقرّبة في ذلك الوقت، ألمانيا.
وفي مارس/آذار 1938، غزا هتلر النمسا بدعم كبير من موسوليني.
معاداة السامية ودعم ألمانيا في الحرب
كتب موسوليني مقالاً في عام 1938 لترويج المفهوم الألماني للعرق الآري في إيطاليا. وقد بدأت القوانين المعادية لليهود في الظهور في إيطاليا، ودعا موسوليني في ذلك العام إلى طرد اليهود الأجانب من البلاد.
وتسبب غزو هتلر لبولندا عام 1939 على الفور بقيام بريطانيا وفرنسا بإعلان الحرب ضد ألمانيا، لكن موسوليني ظل -مؤقتاً- على الحياد.
وقد اقتنع موسوليني برجاحة كفة هتلر في الحرب خاصة بعد الغزو الألماني للدنمارك والنرويج. ثم سرعان ما سقطت هولندا وبلجيكا في يد هتلر فتأكدت رؤيته وعقد عزمه على المشاركة.
وفي 22 مايو/أيار 1939، وقّعت إيطاليا وألمانيا على "ميثاق الصلب" الذي أنشأ رسمياً قوى المحور. قبل أن تنضم اليابان في سبتمبر/أيلول 1940 بتوقيع الاتفاق الثلاثي مع القوتين البارزتين في ذلك الوقت.
وعندما اجتاز الألمان فرنسا في يونيو/حزيران 1940، أعلن موسوليني دخول إيطاليا في الحرب.
نهاية مدوية للزعيم الفاشي
وبعد سنوات من القتال في الحرب العالمية الثانية، كان الاستياء الشعبي ضد موسوليني في أوجه؛ إذ نظروا له على أنه السبب في خسارة آلاف الأرواح في حرب كان من الممكن تجنّب الانخراط فيها.
وفي 25 يوليو/تموز 1943، صوّت مجلسه ورجال حزبه على عزل موسوليني من السلطة، وجرى عزله في جزيرة لا مادالينا.
عندما قبلت إيطاليا شروط محادثات السلام السرية مع الحلفاء، أمر هتلر القوات الألمانية بدخول إيطاليا، ما أدى إلى قيام دولتين إيطاليتين، إحداهما تحت سيطرة الألمان.
وقد قامت قوات هتلر بتحرير موسوليني ونقله إلى شمال إيطاليا المحتلة من قبل ألمانيا، حيث جرى تنصيبه كزعيم ومساعد لهتلر، ما أدى إلى إنشاء الجمهورية الاجتماعية الإيطالية التي أدى قيامها إلى إبادة الآلاف من اليهود الإيطاليين.
ومع ذلك توغلت قوات الحلفاء عبر إيطاليا في يونيو/حزيران 1945. وقد حاول موسوليني الفرار إلى إسبانيا مع عشيقته كلاريتا بيتاتشي، ولكن تم ضبطهما من قبل الثوار الإيطاليين.
كيف مات موسوليني؟
هناك روايات متضاربة حول كيفية وفاة موسوليني، لكن تقارير تشريح الجثة تشير إلى أن الديكتاتور أُعدم رمياً بالرصاص في 28 أبريل/نيسان من عام 1945، برصاص جنود أطلقوا عدة رصاصات -أربعة منها بالقرب من القلب- ما تسبب في وفاته على الفور، وفقاً لموسوعة "History".
وقد تم تعليق جثتي موسوليني وبيتاتشي في ساحة لوريتو في مدينة ميلانو.
وبعد يوم واحد من تلك المستجدات، انتحر هتلر ثم ما لبثت ألمانيا أن أعلنت الاستسلام في الأسبوع التالي.
وقد تم دفن موسوليني في قبر غير مميز تم اكتشافه عام 1946 من قبل أنصار الفاشية في أيطاليا، ثم جرى نقل جثته إلى دير في لومباردي. قبل أن تستعيده الحكومة وتدفنه في دير بالقرب من مدينة ميلانو.
وقد قدمت زوجة موسوليني التماساً لنقل الجثة من قبر في ميلانو إلى ضريح عائلي في بريدابيو في عام 1957.