قبل 100 عام من الآن، وبينما كانت الإمبراطورية العثمانية على وشك الانهيار والسقوط، وقّع ممثلو السلطان محمد الخامس معاهدة سيفر عام 1920 مع قوى الحلفاء، المتمثلة في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، لتتنازل السلطنة عن الكثير مع خسارتها للحرب العالمية الأولى.
وفي هذه المعاهدة المجحفة، وقّع العثمانيون على العديد من البنود المهينة، التي لم تكن ستنهي التواجد العثماني في المناطق التي كانت تُسيطر عليها خارج حدود تركيا الحاليّة فقط، بل كانت تهدد بقاء الأتراك أنفسهم على أراضي تركيا الحالية.
الأمر الذي دفع قائد حروب الاستقلال التركية، مصطفى كمال أتاتورك، إلى سحب الجنسية من موقّعي معاهدة سيفر، وإلى إعلان الحرب على حكومة إسطنبول التابعة للسلطان.
وأعلن الحرب أيضاً على كل من اليونان وأرمينيا وبريطانيا وفرنسا، وأجبرهم لاحقاً بسبب انتصاراته في معارك حرب الاستقلال التركية على الجلوس معهم مجدداً، والتوقيع على اتفاقية لوزان التاريخية، التي أبقت تركيا على النحو الذي نعرفه اليوم، تحت اسم "جمهورية تركيا".
لنفهم القصة.. لنعد معاً إلى الوراء قليلاً
دخلت الدولة العثمانية التي كانت تُلقَّب حينها بـ"رجل أوروبا المريض" إلى الحرب العالمية الأولى عندما قامت سفينتان عثمانيتان تم شراؤهما مؤخراً ولا يزال يديرهما طاقم وقائد ألماني بتنفيذ غارة في البحر الأسود، في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1914، وهو هجومٌ مفاجئ ضدَّ الموانئ الروسية.
أجابت روسيا سريعاً بإعلان الحرب، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1914، ثمَّ أعلن حلفاء روسيا: بريطانيا وفرنسا الحرب على الإمبراطورية العثمانية، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1914، واستمرت في الحرب طيلة أعوامها الأربعة، إلى أن هُزمت ووقعت اتفاقية هدنة "موندروس" في 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1918.
ومع معاهدة موندروس، الذي تنص المادة "7" فيه على أن الدول المنتصرة لها صلاحية احتلال أي إقليم عثماني تريده في حال أحست بالخطر، كانت الأناضول وتراقيا (أجزاء من اليونان وتركيا وبلغاريا) مفتوحة أمام الجميع، وبالفعل وبعد عدة أيام من توقيع الاتفاق سيطر البريطانيون على المضائق التركية، كما احتلوا تشانكالي في شمال غربي تركيا، وعنتاب وسامسون والعديد من المدن التركية، وكذلك مدينة الموصل العراقية.
فيما سيطر الفرنسيون على المحطّات الهامة للسكك الحديدية في تراقيا وأضنة ومرسين وأفيون قرة حصار، وفي بعض مناطق الجنوب الشرقي بمساومة مع الإنجليز، ونالت إيطاليا نصيبها أيضاً من أنطاليا وبودروم وفتحية ومارماريس وكوساداسي، كما أرسلوا قواتهم إلى مدينتي قونية وإسكي شهير.
وقد أخذ الأرمن في الانتشار على شكل عصابات في مناطق شرق الأناضول، وفي عدة مناطق من التي سيطر عليها الفرنسيون.
وتحت حماية سفن دول الحلفاء الغربية، جاءت اليونان لاحتلال إزمير، في 15 مايو/أيار 1919، والكثير من الجزر الواقعة في بحر إيجة والبحر المتوسط، و اجتاحوا أجزاءً واسعةً من الأناضول، وسيطروا على مدنٍ كبرى مثل مانيسا وبورصا وإسكي شهير.
كان الدخول اليوناني، قبل أيام فقط من وصول مصطفى كمال إلى بلدة سامسون الساحلية على البحر الأسود (شمال الأناضول)، الذي بدأ حرب الاستقلال التركية، في 19 مايو/أيار 1919، واستمرت حتى 24 يوليو/تموز 1923، بعد أن استقال من الجيش العثماني المهزوم الذي أصبح يخضع لسيطرة دول الحلفاء (فرنسا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا وأمريكا واليابان)، ونظَّم قوات التحرير التي قاتلت اليونانيين والبريطانيين والفرنسيين والإيطاليين وحكومة إسطنبول تحت قيادته.
ولم تتخذ حكومة إسطنبول العثمانية أيَّ اجراء ضدّ هذه الغزوات والتقسيمات في الأراضي العثمانية، ولكنها كانت تأمل في البحث عن طريقةٍ لتخفيف شروط معاهدة موندروس القاسية جداً، حتى وصلت إلى توقيع "معاهدة سيفر" في 10 أغسطس/آب عام 1920 مع قوات الحلفاء، لكنها لم تبرم على الإطلاق.
معاهدة سيفر.. المعاهدة التي ركّعت الدولة العثمانية
وقّعت جميع دول المركز المهزومة وعلى رأسها الدولة العثمانية، على معاهدة سيفر التي وضعتها دول الحلفاء المنتصرة أثناء انعقاد مؤتمر سان ريمو في إيطاليا. وقد كانت هذه المعاهدة التي تتألف من 433 مادة وكل واحدة أقسى من الأخرى، بمثابة المسمار الأخير في نعش الدولة العثمانية، إذ وافقت حكومة إسطنبول على التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، إضافة إلى استيلاء الحلفاء على أراضٍ تقع داخل حدود تركيا الحالية.
ومن أبرز ما جاء في المعاهدة:
- منح تراقيا وغربي الأناضول لليونان، وتُمنح الجزر التركية الواقعة في بحر إيجة أيضاً لليونان وإيطاليا.
- الاعتراف باستقلال أرمينيا، ومنحها دولة في شرقي الأناضول.
- حصول كردستان على الاستقلال، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان.
- الاعتراف بكلٍّ من سوريا والعراق وفلسطين مناطق خاضعة للانتداب.
- الاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية.
- اعتبار مضائق البسفور والدردنيل مناطق مجرّدة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم.
- تظل إسطنبول عاصمةً للعثمانيين، وتبقى بعض المناطق المحيطة بها، وفي حال عدم امتثال العثمانيين للشروط سيتم أخذ إسطنبول منهم.
وقد لاقت هذه الاتفاقية رفض شعبي تركي عارم، خصوصاً أنّ الشعب التركي التفّ حول حرب التحرير وحركة التغيير التي كان يقوم بها مصطفى كمال باشا، الذي كان يقوم بتنفيذ خطواتٍ عملية، ففي حين كانت قواته تحارب، كان أتاتورك يعمل على إقامة المؤتمرات التي تحدد خريطة سير حرب التحرير ومطالب الأتراك.
وفي 23 أبريل/نيسان عام 1920، أسّس مصطفى كمال المجلس الوطني العظيم في أنقرة، التي اتخذها عاصمةً له، من ممثلي القوى الشعبية المشاركة في حرب التحرير ليتحوَّل إلى حكومةٍ موازية لسلطة الخليفة العثماني في إسطنبول، وفي عام 1921 أصدر المجلس ما سماه القانون الأساسي الذي تزامن صدوره مع إعلان النصر وتحرير الأراضي التركية في صيف عام 1922، وأعلن فيه مصطفى كمال إلغاء السلطنة والخلافة العثمانية.
مصطفى كمال أتاتورك وحرب الاستقلال التركية
خاض مصطفى كمال أتاتورك ومن معه سلسلة معارك ضد القوات المحتلّة للأراضي العثمانية في الأناضول (تركيا الحالية)، سميت باسم "حرب الاستقلال التركية".
حقق فيها أتاتورك انتصاراتٍ كبيرة على دول الحلفاء، وتمكَّن من إرغامهم على الجلوس مجدداً والتوقيع على اتفاقية لوزان التي أعادت للدولة الكثير من أراضيها المحتلة، ومن أبرز هذه المعارك، المعارك التي دارت في الجبهة الشرقية مع الأرمن.
في البداية عينت حكومة مصطفى كمال قائد الفيلق الخامس عشر، كاظم كارابيكير، في قيادة الجبهة الشرقية الذي توجَّه بقواته نحو شرق الأناضول لتحرير مناطق غومرو وإغدير وأراساي وآراس، وقام بمحاصرة القوات الأرمنية في جميع هذه المناطق، ومنع عنها الإمدادات منذ 28 سبتمبر/أيلول 1920، إلى أن استسلم الأرمن بعد توقيعهم لمعاهدة "غومرو"، في 2 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
وعلى إثرها تم جلاء الأرمن وترسيم الحدود معهم، وعادت محافظة قارص والمناطق المحيطة بها إلى تركيا، بعد أن أخذها الروس عام 1878، وكان لهذه المعركة أثرها الكبير على ثقة الشعب والتفافه نحو أتاتورك وجيشه وبرلمانه، باعتبار أنه حقق بهذه المعركة انتصاراً عسكرياً وسياسياً كبيراً.
أما في الجبهة الجنوبية للأناضول، فقد خاض العثمانيون معارك في أوائل شتاء عام 1920، في منطقة مرعش "كهرمان مرعش" جنوب تركيا حالياً، بين القوات الوطنية التركية والقوات الفرنسية والأرمنية، واستمرت الاشتباكات 3 أسابيع متواصلة، إلى أن انسحب الفرنسيون من المنطقة تماماً.
وفي جنوب شرق تركيا، خاض الأتراك معارك ضد الفرنسيين في أورفه، تحت قيادة علي سايب، وعلى إثرها أخلت الجيوش الفرنسية المدينة في 11 أبريل/نيسان 1920، أما في عنتاب فقد قاوم أهالي المنطقة هناك القوات الفرنسية مقاومة شرسة، واستشهد فيها أكثر من 6 آلاف شخص، واضطر الفرنسيون إلى الانسحاب من المدينة في 9 فبراير/شباط 1921، ولذلك سميت المدينة فيما بعد بـ"غازي"، كناية عن مقاومة شعبها.
وفي 6 يناير/كانون الثاني 1921، خاضوا معركة إينونو الأولى قرب مدينة إسكي شهير، تحت قيادة عصمت إينونو ضد الجيش اليوناني، وقد بدأت المعركة بالهجوم اليوناني على مواقع قوات عصمت إينونو بالقرب من محطة للسكك الحديدية في إينونو، واستمر القتال حتى حلول الظلام، ومن ثم رجع اليونانيون إلى مراكزهم، وعندما علموا بوصول الإمدادات للقوات التركية انسحب اليونانيون من مواقعهم.
وفي مارس/آذار 1921، وقعت معركة إينونو الثانية بالقرب من القرية التركية إينونو، وقد كانت هذه المعركة بمثابة نقطة تحوُّل في حرب الاستقلال التركية ككل، فقد كانت الغلبة فيها للأتراك بعدما كانت الغلبة للقوات اليونانية في أغلب الاشتباكات السابقة، حيث أثبت الأتراك فيها مدى قوتهم ومقاومتهم.
وتعتبر معركة سكاريا "معركة الميدان"، التي كانت بين 23 أغسطس/آب و 13 سبتمبر/أيلول 1921، من أهم المعارك التي خاضها الأتراك وأطولها في تلك الفترة، تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك ضد اليونانيين الذين كان هدفهم السيطرة على عاصمته أنقرة.
استمرت معركة ساكاريا، التي أطلقت عليها أيضاً اسم "معركة الضبّاط"، لمدة 21 يوماً، وانتهت في 13 سبتمبر/أيلول، بعدما بدأ أتاتورك عملية الزحف على المناطق التي احتلها الجيش اليوناني، وسيطر على المواقع الدفاعية اليونانية وسقطت أفيون قرة حصار.
وفي يوم 30 أغسطس/آب خسر الجيش اليوناني تماماً في معركة دملوبينار، وتم أسر القادة اليونانيون، وبدأت المدن تسقط واحدة تلو الأخرى، حتى وصل الأتراك إزمير وسيطروا عليها وطردوا اليونانيين من أغلب المدن التركية.
كما قاد مصطفى كمال جيشه في معركة أخيرة "معركة دوملوبونار" مع اليونانيين بقيادة جورجيوس هاتزيانسيتيس من 26 إلى 30 أغسطس/آب 1922 قرب كوتاهيا، وانتهت بانتصارٍ حاسم للأتراك وانسحاب الجيش اليونانى من كافة الأراضى العثمانية في آسيا الصغرى.
وفي عام 1922، تمكن "أتاتورك" من خلع السلطان العثماني محمد السادس، وإلغاء السلطنة، وبعدها بعام أصبح أول رئيس لجمهورية تركيا الحديثة، وأصبح يُشكل ضغطاً على قوات التحالف في تركيا، الذي أجبرها بعد سلسلة انتصاراته على الجلوس لتوقيع معاهدة "لوزان" وإلغاء معاهدة "سيفر" تماماً.
التحالف يضطر إلى معاهدة لوزان
بعدما حقق أتاتورك انتصاراتٍ كبيرة في حرب الاستقلال التركية، استطاع أن يحصل على اتفاقية جديدة في فندق "بوريفاج بلاس" بمدينة لوزان في جنوب سويسرا، في يوم 24 يوليو/تموز عام 1923، بين كلٍّ من تركيا وبريطانيا وفرنسا، التي أنهت رسمياً الدولة العثمانية، وشهدت مولد الجمهورية التركية المعاصرة باعتراف دولي.
تضمنت معاهدة لوزان 143 مادة موزعة على 17 وثيقة ما بين "اتفاقية" و"ميثاق" و"تصريح" و"ملحق"، وتناولت هذه المواد ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها "وفقاً للمبادئ العامة للقانون الدولي".
أبرز مواد معاهدة لوزان
ـ الحدود السورية التركية: قبول الحدود التي تم رسمها في اتفاقية أنقرة المُبرمة بين تركيا وفرنسا، وإبقاء تركيا لمدن كانت تقع في سوريا، مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش.
ـ الحدود العراقية التركية: لم يتم تحقيق تفاهم نهائي حول الحدود العراقية التركية، لذا تتشاور تركيا وبريطانيا حول مسألة الموصل.
ـ الحدود التركية اليونانية: تُقبل الحدود التركية اليونانية وفقاً لاتفاقية "مودانيا"، لوقف إطلاق النار. تدفع اليونان تعويضات مقابل التخريبات التي قامت بها خلال هجومها على مناطق في الأناضول الغربي، وحافظت تركيا على ضم إسطنبول وتراقيا الغربية.
ـ الجزر المائية: إعلان الاستقلال الإداري لجزيرتي جوكتشا و أدا وبوزجا أدا. "لم تطبِّق تركيا هذه المادة". وتسليم تركيا جزر إيجه لإيطاليا، واتجاه إيطاليا نحو نزع السلاح في الجزر القريبة من الحدود التركية، والتخلِّي عن جزيرة قبرص.
ـ الحدود التركية الإيرانية: تُعرف الحدود التركية الإيرانية وفقاً لاتفاقية "قصر الشيرين" المبرمة بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية، في 17 مايو/ أيار 1639.
ـ الامتيازات: تُرفع جميع الامتيازات الأجنبية في تركيا.
ـ الأقليات: عرفت معاهدة لوزان الأقليات في تركيا على أنها "أقليات دينية". وعلى قبول جميع الأقليات على أنها من أصل تركي، وعدم منح أي أقلية امتيازات على حساب الأقليات الأخرى.
ـ تعويضات الحرب: تتنازل دول الائتلاف عن التعويضات التي طلبتها مسبقاً من الدولة العثمانية نتيجة الحرب العالمية الأولى.
ـ ديون الدولة العثمانية: تقسم ديون الدولة العثمانية بين الدول المنفصلة عنها. وبموجبه تدفع تركيا القسم الواقع عليها بالفرنك الفرنسي.
ـ المضائق التركية: المضائق هي أكثر المواضيع التي اتسمت بالتعقيد. في النهاية تم إقرار عبور السفن غير العسكرية في أوقات السلم. يُمنع وجود سلاح على ضفتي المضائق التركية، ويتم تأسيس لجنة دولية تقوم بحمايتها، ويتم متابعة عمل اللجنة المذكورة من قبل عصبة الأمم. وبذلك لم تحظَ تركيا بسيادتها الكاملة على المضائق مثل قبل هزيمتها.
تم تعديل هذه المواد عام 1936 بواسطة اتفاقية "مونترو"، واستعادت تركيا من خلال هذه الاتفاقية سيادتها الكاملة على المضائق البحرية.
ـ المدارس الأجنبية: تعمل المدارس الأجنبية وفقاً للقوانين التركية.
ـ البطريركية: يُسمح ببقاء قيادة البطريركية الدينية الأرثوذكسية العالمية في إسطنبول، شريطة عدم ممارسة الأنشطة السياسية.
معاهدة لوزان بين الواقع والخيال
يتم التداول إعلامياً، خصوصاً في الفترة الأخيرة، معلومات كثيرة حول وجود معاهدة سرية منبثقة عن معاهدة لوزان المعلنة، تصل إلى حد الأساطير، مثل مدة انتهاء الاتفاقية بعد 100 عام، أي بحلول عام 2023، وأنه يوجد بند يفرض علمانية الدولة التركية بين أطراف الاتفاق، أو أنه يوجد بند يتحدث عن مصادرة جميع أموال الدولة العثمانية، وكذلك منع تركيا من التنقيب عن النفط.
وفي حقيقة الأمر، فإن هذه النقاط مجرد فرضيات أو شائعات لا أساس لها، فمعاهدة لوزان هي واحدة من معاهدات السلام العلنية سهلة الوصول لمعرفة تفاصيلها، وغير مؤقتة ولا مرتبطة بزمنٍ معين، فلا يوجد أي بند من بنودها يتحدث عن مدة صلاحية معينة، ولم يتم حتى يومنا هذه الإفصاح عما إذا كانت هناك بنود ملحقة بمعاهدة لوزان.
ومما يؤكد ذلك، أن تركيا حصلت على سيادتها الكاملة عام 1936، حينما تم توقيع اتفاقية مونترو في سويسرا بمشاركة دول من بينها الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا، التي حلت محل مادة المضائق التركية في مُعاهدة لوزان، وعلى إثرها تم تنظيم حركة المرور عبر مضايق البحر الأسود للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب.
أعلنت اتفاقية مونترو حرية المرور عبر مضايق البحر الأسود للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب، وسمحت بمرور السفن الحربية لدول حوض البحر الأسود بدون أي تحديد.
أما السفن الحربية التابعة لدول من خارج حوض البحر الأسود، فسمحت بأن تكون سفناً سطحية وخفيفة ومساعدة، بحيث لا يزيد عدد المجموعة عن 9 سفن مارة عبر مضيق في آن واحد وبحمولة إجمالية لا تتجاوز 15 ألف طن.
وتحدد اتفاقية مونترو الحمولة الإجمالية للسفن البحرية لدولة من خارج حوض البحر الأسود بمقدار 20ألف طن، أما الحمولة الإجمالية لكافة السفن التابعة للدول الواقعة خارج حوض البحر الأسود فتحدد بـ30ألف طن، وقد تزيد حتى 45 ألفاً. كما تحدد الفترة القصوى لوجود هذه السفن الأجنبية في حوض البحر الأسود بثلاثة أسابيع.
أما عن مسألة مصادرة أموال الدولة العثمانية، فالدولة العثمانية كانت قبل الحرب العالمية الأولى غارقة في ديونها، وهذا كان أحد أهم أسباب ضعفها وقربها من الهاوية، لذلك يوجد بند في المعاهدة يتحدث عن تقسيط هذه الديون، إضافة إلى تنازل تركيا عن كافة حقوق الدولة العثمانية السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان، اعتباراً من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1914.
كما أنه يلا يوجد بند يتحدث عن ضرورة علمانية الدولة، إنما تم الحديث عن الأقليات الدينية ووفقاً للمادة 40 من المعاهدة، فإنّ "الأقليات التركية غير المسلمة ستتمتع بذات الحقوق والضمانات الممنوحة للمواطنين الأتراك المسلمين. ويُسمح لهم تأسيس وإدارة المؤسسات التعليمية والاجتماعية والدينية والخيرية بكافة أنواعها. ويُسمح للأقليات باستخدام لغتهم، والقيام بطقوسهم الدينية بكل حرية. ويتم استبدال الأتراك المقيمين في غرب تركيا الواقعة داخل الحدود اليونانية، بالروم المقيمين في إسطنبول".
كما يتم التداول مراراً وتكراراً أنه لا يحق لتركيا التنقيب عن النفط والغاز، سوى عام 2023، ولكن في الواقع، بدأت تركيا باستخراج النفط لأول مرة من جبل رامان الموجود في مدينة "باتي رامان" جنوب شرقي البلاد عام 1940م، أي بعد حوالي 17 عاماً من توقيع المعاهدة.
وبحسب التقارير الحكومية التركية عام 2015، فإن عدد آبار الحفر التي فتحتها شركة البترول التركية في السنوات العشر الماضية هو 1594 بئراً، كما تعمل تركيا منذ مدة في التنقيب عن الغاز في البحرين، المتوسط وإيجة.