ترتبط جملة "الأردنيون من شتى الأصول والمنابت" بالعقل الجمعي للشعب الأردني، وهي العبارة التي كانت دائماً ما تأتي في خطاب العاهل الراحل الملك الحسين بن طلال، إذ لم يكد يخلو أي خطاب أو حديث له من هذه الجملة، في تأكيد على الوحدة، والحقوق التي تعطيها الأردن لأبنائها.
وعلى الرغم من التداخل الجغرافي والديموغرافي والعادات والتقاليد التي تربط الشعبين الأردني والفلسطيني بعضهما البعض، وتشارك الأرض والحقوق والواجبات بعد احتلال فلسطين، وبالتالي حصول الفلسطينيين على الجنسية الأردنية وامتيازاتها، فإن هذا الأمر لا يرتبط بهم فحسب، بل إن هناك الكثير من العائلات التي يعتقد العديد من الناس أنهم أردنيو الأصل، ولكن بعد البحث يثبت أنهم جاؤوا من الخارج وباتوا من العائلات الأردنية المعروفة والتي لها وزن بلا شك.
ربما يكون واحد من هذه النماذج عائلة الطباع، وهي عائلة صغيرة الحجم، لكنها في الوقت ذاته من العائلات المعروفة والتي لها تقدير كبير، عملت ما بين السياسة والتجارة، وأول مَن أتى منهم إلى الأردن هو الحاج محمد المصري، أحد الوطنيين السوريين الذين شاركوا في معركة ميسلون، المعركة التي استشهد فيها يوسف العظمة عام 1920.
المصري صديق المؤسس
محمد المصري الأردني سوري الأصل وكان صديقاً للأمير عبدالله بن الحسين، مؤسس المملكة الأردنية، منذ عام 1925، عندما جاء إلى العاصمة الأردنية عمّان، بعد الزحف الفرنسي إلى دمشق وإحراق البيوت والمحال التجارية ومن بينها بيت ومحل المصري، ومنذ وصل إلى المملكة بدأ العمل في التجارة وتعرّف على الأمير الذي كان يستقبل الجميع للتعرف عليهم أو مَن يحتاج إلى يد العون.
في عام 1936 رزق محمد المصري بابنه حمدي الذي عُرف لاحقاً بالحاج حمدي الطباع، والذي صار صديقاً للملك الراحل الحسين بن طلال، حفيد الملك عبدالله المؤسس، وأصبح حمدي ممثلاً لمجموعة من العائلات الأردنية التي باتت تعرف بـ"شوام الأردن"، الذين جاءوا من بلاد الشام (الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان)، إذ جاء الكثير من سوريا إلى الأردن قبل وصول الأمير عبدالله المؤسس.
التقى"عربي بوست" بالحاج حمدي الطباع، الذي أكد أن جميع مَن أتوا إلى الأردن أتوا بإرادتهم، باستثناء ما حدث في دمشق من حريق تباعاً لمعركة ميسلون، "كان التركيز في الطفيلة جنوب الأردن، وإربد في الشمال، والسلط في الوسط، وبعض العائلات في العاصمة عمّان".
ويشير الطباع إلى أن علاقة العائلة كانت قوية منذ القدم مع العائلة الملكية في الأردن، ويذكر قصة أنه عندما قرر الملك عبدالله المؤسس سن قانون الضرائب على التجار في حينها، أقنعه والده محمد المصري بتأجيل الفكرة لأن سرية الحسابات والأرقام لا يمكن التفريط بها من قبل التجار، فقبل الملك عبدالله المؤسس بتلك الفكرة مقابل ضمان الحصول على الضرائب، وكما هو متوقع أن تكون 50 ألف جنيه فلسطيني في وقتها، وهو ما حدث فعلاً ولقي استحسان التجار وتم دعم الخزينة بالإيرادات.
نشأ حمدي الطباع في الأردن، وتلقى تعليمه الأساسي في المدارس الأمريكية العليا في لبنان، وفي عام 1956 انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وفي هذه الأثناء جاءه قبول في جامعة أمريكية في فلوريدا، إلا أن هذا القبول رُفض من قبل أسرته خصوصاً بعد وفاة والده عام 1955 ما جعله لا يكمل دراسته في بيروت.
تزوج الحاج حمدي من ابنة خالته ورُزق منها بأبنائه الثلاثة، حسن وطارق وزينة، وهو يشغل حالياً رئيس جميعة رجال الأعمال الأردنيين منذ تأسيسها عام 1994، انتخب الطباع أكثر من مرة لعضوية الغرفة التجارية منذ عام 1982، وانتخب رئيساً لاتحاد الغرف التجارية الأردنية عام 1988، ثم تولى منصب وزارة الصناعة والتجارة والتموين، ودعا إلى تعديل التشريعات الاقتصادية والاهتمام بالقطاع الخاص اهتماماً كبيراً، وكان أول مَن أسس مسوّدة مشروع قانون لتشجيع الاستثمار.
بعد ذلك تولى عدداً من مناصب إدارة الشركات بينها عضوية مجلس إدارة البنك المركزي ورئاسة مجلس أمناء جامعة جرش الخاصة، ورئاسة مجلس إدارة شركة مصانع الإسمنت، إلى أن اختير لعضوية مجلس الأعيان عام 1997، حصل على وسام الكوكب من الدرجة الأولى ووسام الاستقلال من الدرجة الأولى والثالثة، ووسام من رتبة فارس من الحكومة الفرنسية عام 1998 وحصل على الوسام الإيطالي.
عشيرة العبيدات
العائلة الأخرى التي قد لا يخطر ببال أحدهم أنها ليست من أصول أردنية تماماً، هي عشيرة العبيدات المنتشرة في أنحاء عديدة من شمال الأردن، وتتركز أكبر تجمعاتها في منطقة بني كنانة (الكفارات).
وتشير رواية إلى أن عشيرة العبيدات تنحدر من قبيلة بني إبراهيم التي تتخذ من ينبع على البحر الأحمر موطناً لها، وأن جد العبيدات الأول واسمه عبيد، وشقيقه حمد، انتقلا من ينبع، ثم التحق بهما ثلاثة من أشقائهم هم: حمدان ومحمد ومصطفى، واختار عبيد الانتقال إلى الطفيلة، لكنه توفي في الطريق، فانتقل ولده أحمد مع عمّه حمد إلى شمال الأردن واستقرا في كفرسوم لتتشكل من أعقابهما عشيرة العبيدات.
وانتقل شقيق عبيد "مصطفى" إلى محافظة الطفيلة جنوب الأردن، لتتشكل من أعقابه عشيرة العبيديين التي ترتبط بعلاقة أبناء العمومة مع عشيرة العبيدات، فيما رحل محمد إلى طرابلس الغرب في ليبيا لتتشكَّل من أعقابه عشيرة تعرف باسم الجعافرة.
وتعتز عشيرة العبيدات بأنَّ أوَّلَ شهيدٍ من شرقي الأردن روى أرضَ فلسطين بدمه الطاهر ينتمي إليها وهو الشهيد كايد المفلح عبيدات الذي استشهد في معركة الثعالب بالقرب من مدينة سمخ في 20/4/1920 مع مجموعة من المجاهدين من أقربائه من عشيرة العبيدات.
ويؤكد الباحث محمود سعد عبيدات أن عشيرة العبيدات تتوزع في الأردن، وأيضاً في فلسطين وسوريا والعراق ومصر وموريتانيا والجزائر والمغرب وليبيا، فيما يشير كتاب "عشائر شمالي الأردن" لمؤلفه الباحث محمود محسن فالح مهيدات إلى أن عشيرة العبيدات تنحدر من عشيرة الطيايرة وهم نسل الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، وتنتمي عشيرة الطيايرة إلى عشيرة المشادقة من أبناء مغرج من ولد علي من بني وهب من أبناء مسلم من عنزة.
ويُعزِّز الباحث الدكتور سليمان عبيدات في كتابه "التطور الحضاري لقضاء بني كنانة" الرواية التي تربط بعلاقة القربى بين عشيرة العبيدات في بني كنانة شمال الأردن مع عشيرة العبيديين في منطقة الطفيلة في الجنوب، ومع عشيرة الجزَّازية في منطقة السلط في الوسط، ومع عائلات العبيدات في بلدة برزة القريبة من ذيبان، ومع عشيرة العبيدات في محافظة الجزيرة بسوريا، ومع عائلة العبيدات في جبل المكبر في القدس الشريف.
ويذكر الدكتور سليمان عبيدات في كتابه أن الجدَّ المؤسس لعشيرة العبيدات في شمال الأردن واسمه إبراهيم أنجب 9 أولاد وبنتاً واحدة، واستقر مصطفى وصالح في كفرسوم، واستقر عبداللطيف في بلدة الشجرة بسوريا، وعبدالمحسن ومحمد أبوالحاج في حرثا، وسكن أبوضاني في يبلا، وسعد الدين في حبراص والرفيد، وارتحل خليل إلى كفر قدوم في فلسطين، ولم يرزق محمود بأولاد.
ويشير الدكتور عبيدات إلى أن موزة الابنة الوحيدة لجد العبيدات في شمال الأردن كانت متزوجة من الأمير الونِّي الذي اصطحبها لأداء فريضة الحج وكان أميراً للحج في ذلك العام، لكنه توفي قبيل وصول قافلة الحجيج إلى دمشق، واصطحبها أشقاؤها إلى كفر سوم للإقامة بينهم، ولم يلبث أن خطبها من إخوانها زعيم ناحية الكورة، الشريدة بن ربّاع، بعد ما سمع عن ذكائها وجمالها، وأنجبت له يوسف الذي خلفه ولده كليب (حفيد موزة) على زعامة ناحية الكورة.
البلتاجي قريب أم كلثوم
عائلة أخرى ليست كبيرة، لكنها معروفة على مستوى الأردن، وحصل عميدها عقل بلتاجي على مجموعة من المناصب الهامة في الدولة الأردنية، وهي عائلة متحدرة من قرية بلتاج المصرية، ثم انتقلت إلى غزة، واليوم عقل بلتاجي أردني من أصول فلسطينية، وهو قريب لكوكب الشرق أم كلثوم وهي ابنة عم والده.
عقل عيد بلتاجي سياسي أردني، من مواليد غزة عام 1941، شغل منصب أمين مدينة عمّان، ورئيس مجلس المفوضين أو سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة في مدينة العقبة جنوب الأردن، ومستشار الملك الأردني في الديوان الملكي الهاشمي، وهو عضو في مجلس الأعيان الأردني أكثر من دورة، ووزير للسياحة والآثار.