ربما يبهرك النظام السياسي في أمريكا، والحقوق المدنية التي ينالها المواطن الأمريكي من حقوق وحريات مكتسبة عبر قرون ونضالات متراكمة. وهو بالفعل نظام مُبهر بشكل عام، لكنّ المظاهرات الأخيرة التي جاءت تنديداً بمقتل جورج فلويد على يد أفراد شرطة سلطت الضوء على العنف والعنصرية التي يتميّز بهما جهاز الشرطة في أمريكا.
تعتبر المؤسسات المنوط بها حفظ النظام نتاج سلسلة طويلة من الخيارات والسياسات. وخلف تلك الخيارات والسياسات، هناك طرق معينة للتفكير بشأن من يستحقّ العدالة، ومن هو مذنب، وما الغرض من القوانين؟ جميعها مستمد من الماضي الأمريكي.
وإذا كنت تريد فهم التاريخ الذي أدى إلى رؤية ما نراه اليوم من وحشية الشرطة وعدم التكافؤ في العقاب ونظام العدالة والسكون المعيب والتحامل العنصري الواضح، هذا التقرير من موقع Vox الأمريكي يطلعنا على عدّة أفلام ومسلسلات تشرح لنا هذا التاريخ.
ومن خلال القصص الواقعية والخيالية، تساعد تلك الأعمال في عرض مقدار تعقيد المشكلات المتداخلة وتشير إلى حيث يمكن أن يبدأ التغيير الحقيقي.
13th.. الإنكار الأمريكي للعنصرية
فيلم 13th هو فيلم وثائقي مُحزن للغاية وجذاب جداً، وضروري. يعتبر تمهيداً للسياق التاريخي والدافع الأخلاقي وراء الكثير من القضايا العامة البارزة اليوم في أمريكا: من الحبس الجماعي والحرب على المخدرات إلى وحشية الشرطة والسجون الخاصة. كما يستكشف بدقة الدوافع المتشابكة وراء حركة "#BlackLivesMatter".
يأخذنا هذا الفيلم الوثائقي في جولة قوية عبر التاريخ الأمريكي الطويل من العنصرية، والأهم، التاريخ الأمريكي الطويل في إنكار هذه العنصرية، والطرق التي أثّر بها هذا الإنكار على نظام العدالة في البلاد.
الفيلم من إخراج آفا دوفيرني، وهي مخرجة أمريكية سوداء. يُبثّ فيلم 13th الآن على شبكة Netflix وعلى YouTube.
Clemency.. الحياة من منظور مأمورة سجن سوداء البشرة
شغلت برنادين ويليامز منصب مأمور السجن لسنوات في أحد السجون شديدة الحراسة، وكان لذلك آثاره السلبية الواضحة على صحتها، وزواجها، وروحها. كانت دوماً ترى أن أهم جزء من عملها هو تقديم الدعم ورعاية النزلاء بهدوء مع اقتراب موعد إعدامهم.
ولكن مرة تلو الأخرى، ومع اقتراب موعد الإعدام التالي، تجد نفسها تصل إلى نقطة الانهيار. في فيلم Clemency، تقدم المخرجة تشينوني تشوكو فيلم ثقيل وبطيء الإيقاع، وغني باللقطات الواسعة الثرية والألوان الداكنة التي تُبرز الخسائر العاطفية التي تمر بها ويليامز وزملائها وعائلاتهم والسجناء وأحبائهم.
تقدم ألفري وودارد أداءً متميزاً في دور مأمور السجن؟ ويعتبر الفيلم ككل وسيلة غير اعتيادية للكشف عن المظالم المحيطة بنظام عقوبات الإعدام دون نسيان الأفراد العالقين في تروس هذا النظام.
Crime + Punishment.. نظام الشرطة غير القانوني في نيويورك
حُظرت الممارسة الشرطية بنظام الحِصَص في نيويورك عام 2010، والتي كانت تتطلب من الضباط إلقاء القبض على عددٍ معين على الأقل من الأشخاص خلال فترة زمنية معينة. ويرى المعارضون لنظام الحِصَص أن تلك المتطلبات حوّلت ضباط الشرطة بعيداً عن مهمتها في خدمة المجتمع وإيجاد سبل لتبديد أسباب العنف قبل حدوثه.
بدلاً من ذلك، أصبح الشغل الشاغل لضباط الشرطة هو تحقيق أرقام الاعتقالات المطلوبة. وكثيراً ما كانت تأتي تلك الاعتقالات في غير صالح مجتمعات الأقليات الأقل دخلاً. ولكن حظر نظام الحصص لم يحل الأزمة.
يستخدم المخرج ستيفين مينغ المقابلات والمحادثات المسجّلة سراً ولقطاتٍ أخرى في الفترة من 2014 إلى 2017 لكي يكشف في الفيلم الوثائقي Crime + Punishment أن شرطة نيويورك لا تزال تستخدم نظام الحصص بشكلٍ مخفي، وغير قانوني. ومدى تأثير ذلك على مواطني نيويورك، وعلى ضباط الشرطة أيضاً.
هذا العمل مهم جداً لكل مهتم بأنظمة الشرطة في أمريكا، خاصة أن نظام نيويورك يعتبر مثالاً ونموذجاً لقوات الشرطة في جميع أنحاء البلاد.
The Force.. الشرطة والمخالفات العامة
في فيلم The Force، يقضي مخرج الأفلام الوثائقية، بيتر نيكس، عامين في متابعة إدارة شرطة مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا، التي وُضعت تحت الإشراف الفيدرالي عام 2003 بعد موجة من سوء الإدارة والمخالفات العامة.
يبدأ الفيلم مفعماً بالآمال، ولكن يصبح من الواضح سريعاً أن موقف إدارة شرطة أوكلاند معقّد للغاية وأن أي حلول ممكنة سوف تزيد من تعقيد الأمور. ويقدم الفيلم رؤية واضحة لعدم إمكانية إصلاح المؤسسات الفاسدة من الداخل، وأن إصلاحها يتطلب تحولاً ثقافياً صعباً لموازنة الكفة من الخارج.
يحدد فيلم The Force بعض الإصلاحات الممكنة لجهاز الشرطة التي من شأنها إعادة السلطة إلى المجتمعات. و يُبث فيلم The Force على Netflix.
The Innocence Files
https://youtu.be/Cdvy14fdjj8
تأسست مؤسسة "مشروع البراءة" (The Innocence Project) عام 1992 على يد أساتاذي قانون، وكرست جهودها من أجل تبرئة المدانين بالخطأ عن طريق استخدام أدلة الحمض النووي، مع الدعوة أيضاً إلى إصلاح نظام العدالة الجنائية.
يحكي مسلسل The Innocence Files قصص بعض الأشخاص الذين ساعدتهم المؤسسة على نيل براءتهم وإخراجهم من السجن. ويعرض مسلسل The Innocence Files في تسع حلقات وثائقية، بعضها بطول الأفلام الروائية، بعض القضايا المثيرة للجدل مع تسليط الضوء على انهيار الأنظمة التي يفترض بها العدل وعدم مصداقية الأدلة التي تزعم تلك الأنظمة أنها غير قابلة للدحض. هذا العمل من أقوى المسلسلات الوثائقية عن منظومة العدالة الجنائية في أمريكا.
يُبث مسلسل The Innocence Files على Netflix.
Just Mercy
هناك ارتباط وثيق بين الممارسة الأمريكية لعقوبة الإعدام والكثير من الأخطاء في نظام العدالة؛ إذ تركز على الإجراءات العقابية بدلاً من الإجراءات الإصلاحية، وتتحيز بشكل واضح ضد الفقراء والمرضى العقليين والمهمشين؛ إلى جانب تحيزها العنصري.
هذا ما ينقله فيلم Just Mercy بمنتهى الدقة. يعرض الفيلم قصة حقيقية تجعل المشاهدين يشعرون بالظلم وغياب العدالة، بهدف إحداث تغيير. الفيلم مقتبس عن مذكرات بريان ستيفنسون، الأكثر مبيعاً عام 2014، والتي تحمل نفس اسم الفيلم، ويحكي قصة ستيفنسون في بداية مسيرته المهنية عندما كان محامياً يعمل على إبطال الإدانات الخاطئة في ولاية ألاباما وتفاصيل تأسيس مؤسسته، مبادرة العدالة المتساوية (Equal Justice Initiative).
فيلم Just Mercy ليس عن عقوبة الإعدام فحسب؛ بل يتعلق أيضاً بكيفية تكوين وتشكيل تلك السلوكيات القديمة تجاه الفقراء والأمريكيين من أصول إفريقية في نظام العدالة الأمريكية.
The Prison in 12 Landscapes
فيلم وثائقي للمخرجة بريت ستوري عن الطريقة التي تعيد بها السجون تشكيل المناظر الطبيعية المحيطة بها بطريقة رائعة لعدة أسباب، ولكن أحدها ببساطة هو أننا لا نرى سجناً حتى نهاية الفيلم.
يعرض فيلم The Prison in 12 Landscapes مجموعة من القصص الموجزة في المجتمعات التي تشكلت بطريقة ما عن طريق أحد السجون القريبة، من محادثات مع أشخاص داخل المجتمعات التاريخية إلى سرد بعض السجناء الذين يكافحون الحرائق والنيران من أجل بضعة دولارات يومياً.
رسالة الفيلم ببساطة: "ما لم يُقال بعد له نفس أهمية ما يُقال بصوتٍ عالٍ". ويتساءل عمّا إذا كان نظام السجون يفعل ما يقول إنه يريد فعله أم أن له هدفاً مختلفاً تماماً.
When They See Us
إلى جانب الإخراج، ساهمت آفا دوفيرناي في كتابة الحلقات الأربع لهذا المسلسل القصير الذي يتناول قضية سنترال بارك الشهيرة، التي أُجبر فيها خمسة مراهقين من أصول إفريقية، أعمارهم بين الـ 14 و16 عاماً، على الاعتراف باغتصاب تريشا ميليا أثناء ركضها في المتنزه عام 1989، ثم أُدينوا بالجريمة عام 1990.
تعرض حلقات المسلسل جرائم حقيقية متداخلة؛ جزء منها يهتم بمعرفة ما حدث فعلاً للضحية ميليا، ولكن بقية الأجزاء تركز على الجريمة المرتكبة ضد المراهقين الخمسة. في مسلسل When They See Us، يظهر نظام العدالة الجنائية أكثر التزاماً أمام المواقف السياسية عن الحقيقة، مدفوعاً بالعنصرية الأمريكية التقليدية الواضحة. يُبث مسلسل When They See Us على Netflix.
Whose Streets
اشترك كل من ديمون ديفيس وصباح فولايان في إخراج فيلم Whose Streets، واللذين كانا في قلب الاحتجاجات التي أعقبت مقتل مايك براون، 18 عاماً، عام 2014 وميلاد حركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter).
إنه فيلم قوي يجمع بين لقطات من الاحتجاجات ومقابلات مع الأفراد، ولا يخجل من الكشف عن وجهة نظره بصراحة وارتباطه بالمتظاهرين. عُرض الفيلم في دور العرض عام 2017 بالتزامن مع المسيرات المؤيدة لسيادة البيض في شارلوتسفيل، فيرجينيا، كما يعتبر الفيلم وثيق الصلة بما نشهده اليوم. يعتبر هذا الفيلم جزءاً مهماً من التوثيق التاريخي الذي يجب رؤيته والاستماع إليه.