ليس شرطاً أن تكون جميع الآثار الرائعة التي يزورها السياح من كل صوب وحدب ذات تاريخ لا يقل روعة عن مظهرها. فهناك عدد من المعالم الشهيرة في العالم، تخبِّئ وراءها تاريخاً أسود مظلماً، وهذا ما سنوضحه في هذا التقرير.
– جسر التنهدات في فينيسيا.. كان ممراً للسجناء
يعد جسر التنهدات في مدينة البندقية الإيطالية أحد أبرز معالم المدينة التي يحرص السياح على زيارتها. يُعرف الجسر في الوقت الحالي بجسر الحب، لاشتهاره بتبادل وعود الحب والعشق، ولكن تلك الطبيعة الرومانسية الحالية تخفي وراءها تاريخاً مظلماً بعيداً كل البعد عن الحب.
ربما لو عرفت سبب اكتساب الجسر اسمه جسر التنهدات، فحينها ستعرف ماذا نعني بتاريخه المظلم؟ أُطلِق هذا الاسم على الجسر، بسبب التنهدات التي كان يطلقها السجناء المارون على الجسر.
من القرن السابع إلى الثامن عشر تقريباً، لم تكن البندقية جزءاً من إيطاليا، فلم تكن هناك إيطاليا موحدة. بدلاً من ذلك، كانت البندقية دولة مستقلة؛ جمهورية البندقية.
كان زعيم هذه الجمهورية مسؤولاً يُعرف باسم دوجي، أو كما ندعوه بالعربية الدوق. وفي القرن التاسع، كان قصر الدوق قصراً ضخماً، يُعرف باسم قصر دوجي. احترق هذا القصر عدة مرات، ولكن تم بناؤه في النهاية بإطلالته الرائعة على ميدان سانت مارك، الساحة المركزية في البندقية.
كان قصر دوجي مكان إقامة الدوق، ولكن أيضاً المركز الإداري الرئيس وقاعة المحكمة الرئيسة بالمدينة. بحلول القرن السادس عشر، كان القصر ممتلئاً بزنازين السجناء الذين أدانتهم محاكم الجمهورية.
اشتُهر المكان باسم السجن القديم، وكان مكتظاً بالسجناء ويحتاج عديداً من الإصلاحات. لذلك، كانت هناك حاجة إلى أماكن أخرى جديدة للسجناء. كان المبنى الذي وقع عليه الاختيار موجوداً بجوار قصر دوجي، تفصل بينهما فقط قناة ريو دي بالازو Rio di Palazzo.
في أواخر القرن السادس عشر، انتهى بناء السجون الجديدة، وبقِي فقط وسيلة للوصول إلى هناك. تم بناء جسر التنهدات نحو عام 1600، وربط قصر دوجي بالسجون الجديدة.
يتكون الجسر بشكل أساسي من الرخام الأبيض، وبُني بالكامل تقريباً على طراز عصر النهضة الإيطالية للعمارة الهندسية. يبلغ طول الجسر 11 متراً، وصممه المهندس المعماري أنطونيو كونتين، ابن شقيق المهندس المعماري أنطونيو دي بونتي، صاحب تصميم جسر ريالتو الشهير في البندقية أيضاً.
– سور الصين العظيم.. مقبرة لنحو 400 ألف شخص
مجموعة من التحصينات والجدران القديمة يبلغ طولها 13 ألف ميل، ويقع في شمال الصين. السور من تصميم الإمبراطور تشين شي هوانغ من القرن الثالث قبل الميلاد، من أجل منع توغُّل البدو البربريين من ناحية الشمال.
ولكنَّ الجزء الأكبر من السور بُني بالقرنين الرابع عشر والسابع عشر الميلادي في عهد أسرة مينغ، ويعد رمزاً للحضارة الصينية.
على قاعدةٍ ارتفاعها ما بين 15 و50 قدماً، بُني السور بارتفاع ما بين 15 و30 قدماً، ووُزِّعت أعلاه مجموعة من أبراج الحراسة.
كان هناك جيش ضخم من الجنود والمساجين والمدنيين يعملون في بناء السور، فعندما أمر الإمبراطور تشين شي هوانغ ببناء السور في عام 221 قبل الميلاد، شاركت أعداد هائلة في أعمال البناء. وقيل إن ما يصل إلى 400 ألف شخص قد لقوا حتفهم خلال تلك الأعمال، ودُفن عديد منهم داخل الجدار نفسه.
مع وفاة تشين شي هوانغ وسقوط أسرة تشين، وقع السور العظيم في حالة سيئة. بعد سقوط أسرة هان في وقت لاحق، سيطرت القبائل الحدودية على شمال الصين، وبدأت إصلاح السور، وتوالت عديد من الأسر الأخرى التي أصلحته ووسَّعته عدة مرات.
كانت أسرة يوان القوية (1206-1368)، التي أسسها جنكيز خان، تسيطر في نهاية المطاف، على كل الصين وأجزاء من آسيا وأجزاء من أوروبا.
ورغم أن السور العظيم لم تكن له أهمية كبيرة بالنسبة إلى المغول كحصن عسكري، فقد تم تكليف الجنود إدارة الجدار، من أجل حماية التجار والقوافل الذين يسافرون على طول طريق الحرير المربح، والذي تم إنشاؤه خلال هذه الفترة.
بدأ بناء السور العظيم كما هو معروف اليوم، نحو عام 1474. بعد مرحلة أولية من التوسُّع الإقليمي، اتخذ حكام أسرة مينغ موقفاً دفاعياً إلى حد كبير، وكان إصلاحهم وتمديد سور الصين العظيم مفتاح هذه الاستراتيجية.
– برج إيفل.. الأكثر شعبية للانتحار في فرنسا
يقع برج إيفل في باريس، فرنسا، وتم بناؤه في عام 1889 ويبلغ ارتفاعه 1063 قدماً. سُمي برج إيفل على اسم ألكسندر غوستاف إيفل، المهندس المعماري الشهير صاحب التصميم. تم بناء البرج لمعرض باريس الدولي في ذكرى مرور 100 عام على الثورة الفرنسية.
وللبرج قدرة كبيرة على جذب السياح سواء المحليين أو الأجانب، كما أنه رمز للرومانسية ليس في فرنسا فقط، بل العالم بأَسره.
على الرغم من ذلك، فإنه المكان الأكثر شعبية للانتحار في فرنسا. فبحلول الستينيات من القرن الماضي، كان هناك 350 شخصاً قد انتحروا بالفعل. ونظراً إلى أن الحكومة الفرنسية لا تريد لفت الانتباه إلى برج إيفل كوجهة انتحارية، من الصعب العثور على أرقام دقيقة.
وليس القفز من أعلى البرج هو الطريقة الوحيدة للانتحار هناك، وإنما يربط البعض حبلاً في رقبته، ومن الناحية الأخرى في العوارض الحديدية للبرج، ومن ثم يتدلى ليشنق نفسه.
وسُجِّلت أول حالة انتحار في برج إيفل عام 1898، لرجل يبلغ من العمر 23 عاماً، حينما شنق نفسه على إحدى الدعامات.
– جبل راشمور.. نصب تذكاري كرَّم اثنين من مالكي العبيد
الوجه الجنوبي الشرقي لجبل راشمور بغابة بلاك هيلز الوطنية في ساوث داكوتا هو موقع لأربع منحوتات عملاقة منحوتة، تُصوِّر وجوه رؤساء الولايات المتحدة: جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وأبراهام لينكولن، وثيودور روزفلت، ليكون مزاراً للديمقراطية.
بقيادة النحَّات غوتزون بورغلوم، بدأ العمل بالمشروع في عام 1927 وانتهى في عام 1941. وخلال تلك الفترة الزمنية، أقام نحو 400 عامل التمثال في ظل ظروف خطرة، وأزالوا ما مجموعه 450 ألف طن من الصخور، من أجل خلق الرؤوس المنحوتة، التي يصل ارتفاع كل منها إلى 18 متراً.
هناك إحدى وجهات النظر التي تقول إن هذا النصب التذكاري ما هو إلا تجسيد للإمبريالية (سعي الدولة إلى توسيع سلطاتها وتأثيرها بالاستعمار العسكري والسياسي والثقافي). كما أن هذا النصب الذي نُحِت في التلال السوداء المقدسة يعد تكريماً لاثنين من الرؤساء كانا يمتلكان عبيداً.
فقد كان لدى الرئيس جورج واشنطن نحو 300 من العبيد في مزرعة جبل فيرنون، كما أن توماس جيفرسون كان لديه نحو 175 من العبيد، في حين وصف العبودية ذات مرة بأنها تجمع للأهوال.
– برج بيزا المائل.. قد يكون بُني بأموال مسروقة!
هو برج الجرس لكاتدرائية بيزا، ويطلق عليه برج بيزا المائل، وبدأ بناؤه بالقرن الثاني عشر في عام 1173 تحديداً. وحالما وصل البناء إلى الطابق الثاني، بدأ البناء بالغوص في التربة، فقد بُني على تربة رخوة وناعمة. توقَّف البناء قرناً، ثم استُؤنف العمل، وتوقف مرة أخرى، لينتهي في عام 1372.
كان الارتفاع المقدَّر لبرج بيزا المائل 60 متراً، ومع ذلك، عند القياس اتضح أنه 56.67 متر كأعلى و55.86 كأدنى. عانى البرج ميلاً مقداره 5.5 درجة، وهو ما يكفي لهبوطه. ولكن سرعان ما بدأت أعمال الترميم والتصحيح وخفض الميل إلى 3.97 درجة.
من غير المعلوم، الجهة التي موَّلت بناء البرج، ولكن تعدّدت الأقاويل، فقيل إن أرملة محلية تدعى دونا بيرتا دي بيرناندو قد تبرعت بستّين قطعة فضية، لتمويل شراء جزء من الحجارة المستخدمة في البناء.
وذهب آخرون إلى أن البرج باعتباره جزءاً من الكاتدرائية القريبة منه، فقد موَّلته الكنيسة الكاثوليكية التي امتلكت جميع المباني في الميدان كالكاتدرائية والمقبرة الأثرية.
أما عن سبب البناء، فالرأي الغالب أنه بُني كبرج جرس للكنيسة، في حين هناك وجهة نظر أخرى تقول إنه نظراً إلى تزايد أهمية المدينة التجارية والعسكرية والسياسية في القرن الثاني عشر، احتاجت الحكومة مكاناً يمكن استخدامه كرمز لكل ما أنجزوه، ومكاناً لحفظ الكنوز المنهوبة من صقلية، لذا يثبت أن برج بيزا المائل تم بناؤه من أجل المال والكنوز المسروقة.