منذ زمن ليس ببعيد، كان هناك قائد عسكري وصل إلى رئاسة دولته بانقلاب عسكري كبير، وبعد أن هدأت الأوضاع، تخلى عن السلطة واعتزل العمل السياسي بالكامل، وفضَّل الاتجاه إلى العمل التطوي.
قد تظنون في البداية أنها قصة أحد أفلام الخيال العلمي، أو أنها أسطورة رواها لنا أجدادنا، لكن في الحقيقة فإن هذه القصة حصلت بالفعل، وبطلها المشير السوداني عبدالرحمن سوار الذهب.
عبدالرحمن سوار الذهب وتخلّيه عن كرسيٍّ التصق به الجميع
عقب انتفاضة أبريل/نيسان 1985 أو كما سميت بثورة الإنقاذ الوطني التي أطاحت بحكم جعفر نميري بعد 16 عاماً من الحكم، تولى عبدالرحمن سوار الذهب رئاسة المجلس العسكري الانتقالي ورُقِي إلى رتبة "المشير".
بعد تسلُّمه للسلطة تعهّد سوار الذهب بأن يتخلى عنها خلال عام واحد لحكومة منتخبة. وبالفعل بعد عام، سلَّم السلطة إلى الحكومة الجديدة المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء الصادق المهدي.
وعقب تسليمه السلطة، قرر سوار الذهب اعتزال العمل السياسي، ليرأس بعد ذلك منظمة الدعوة الإسلامية التطوعية التي اتخذت من السودان مقراً لها.
ومن إنجازات تلك المؤسسة بناء عديد من المدارس والمستشفيات والعيادات وملاجئ الأيتام.
من هو سوار الذهب؟
عبدالرحمن سوار الذهب هو ابن مدينة الأبيض الواقعة وسط ولاية شمال كردفان، وُلد في عام 1934، وتلقى تعليمه العسكري بالكلية الحربية السودانية وتخرَّج فيها عام 1955.
تقلد عدّة مناصب في الجيش السوداني حتى وصل به المطاف إلى وزارة الدفاع كوزير معيَّن.
أُبعِد عن الخدمة تعسفياً في عام 1972، وأرسل إلى دولة قطر.
عمل سوار الذهب في قطر وعودته إلى السودان
بعدما أُبعد عن الخدمة تعسفياً في عام 1972، أُرسل إلى دولة قطر وعمِل بها مستشاراً للشؤون العسكرية عند الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، حاكم قطر آنذاك.
وكان بمنزلة قائد للجيش والشرطة، وهو أول مَن فرز الأرقام العسكرية وحدَّد أرقاماً منفصلة للشرطة وأرقاماً أخرى للجيش.
ومن ثم، قام باستبدال الزي العسكري والبزات العسكرية ببزات جديدة، وتحديد كل سلاح على حدة، بفصل الجيش عن الشرطة، وتأسيس كيانين مستقلين: شرطة قطر والقوات المسلحة القطرية.
عاد بعد رضا المايويين عنه إلى السودان، وبسبب قدراته العسكرية العالية وتحصيله عدداً من الدورات العسكرية بالخارج، ترقّى للعمل في أماكن مؤثرة داخل الأجهزة الأمنية.
حتى بلغ أحد أرفع المناصب داخل الجيش، والمتمثِّل في منصب رئيس هيئة أركان الجيش السوداني، ثم ما لبث أن اختير وزيراً للدفاع في عهد الرئيس جعفر النميري عام 1985، والذي أعقبه قرارٌ باختياره قائداً عاماً للقوات المسلحة السودانية.
وعند اندلاع انتفاضة أبريل/نيسان 1985، تسلَّم سوار الذهب مقاليد الحكم في البلاد، للخروج بها من أزمة سياسية، متعهداً بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة خلال سنة واحدة. وفي الموعد المحدد، سلَّم سوار الذهب مقاليد السلطة إلى الحكومة الجديدة المنتخبة.
بيان الانقلاب في السودان في 1985
صنعت إطلالة المشير عبدالرحمن سوار الذهب، صباح السادس من أبريل/نيسان 1985، على شاشة التلفزيون السوداني، بزيّه العسكري كاملاً، مشهداً خالداً في ذاكرة المواطنين.
وقال لجموع الشعب السوداني في بيانه الأول:
"لقد ظلت القوات المسلحة خلال الأيام الماضية، تراقب الموقف الأمني المتردي في أنحاء الوطن وما وصل إليه من أزمة سياسية بالغة التعقيد. إن قوات الشعب المسلحة، حقناً للدماء وحفاظاً على استقلال الوطن ووحدة أراضيه، قد قرّرت بالإجماع أن تقف إلى جانب الشعب واختياره، وأن تستجيب إلى رغبته في الاستيلاء على السلطة ونقلها للشعب عبر فترة انتقالية محددة، وعليه فإن القيادة العامة تطلب من كل المواطنين الشرفاء الأحرار أن يتحلّوا باليقظة والوعي، وأن يفوّتوا الفرصة على كل من تسوّل له نفسه اللعب بمقدّرات هذه الأمة وقوتها وأمنها".
سوار الذهب أيقونة السودانيين
تحوَّل مشهد سوار الذهب وهو يعلن دعم تظاهرات شعبه إلى أيقونة تُستدعى دوماً لإقناع جنرالات الجيوش العربية بترك السلطة، كما يحدث في السودان بالوقت الحالي.
وفاة سوار الذهب
تُوفي سوار الذهب في المستشفى العسكري بالرياض في المملكة العربية السعودية، الخميس 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018، عن عمر ناهز 84 عاماً.
ونُقل جثمانه بطائرة خاصة إلى المدينة المنورة، ليُوارى الثرى هناك؛ تنفيذاً لوصيته.