تشير التقديرات إلى اختفاء واحدة من لغات العالم السبعة آلاف كل أسبوعين، هذه قصة لغة أخرى مهددة. المهرية لغة قديمة غير مكتوبة، يُتحدَّث بها بشكل رئيسي في اليمن الذي مزَّقته الحرب، حيث الوجود العسكري السعودي هو واحد من التهديدات العديدة لبقائها.
لغة سامية للعرب الأصليين
يُقدَّر أن إجمالي المتحدثين بالمهرية يتراوح ما بين 100 ألف إلى 200 ألف شخص. يعيش هؤلاء العرب الأصليون، المعروفون باسم المَهرة، بشكل رئيسي في الربع الجنوبي من شبه الجزيرة العربية في محافظة المهرة اليمنية.
وفي محافظة ظفار بغربي عمان، وبأعداد أقل في جنوبي المملكة العربية السعودية، ودول الخليج الأخرى، بحسب التقرير الذي نشره موقع
المهرية هي واحدة من ست لغات عربية جنوبية متبقية، تراجعت إلى جيوبٍ في الجبال والصحاري، وإلى جزر مثل سقطرى في بحر العرب، في مواجهة مهابة لغة القرآن، اللغة العربية، في القرون الأولى من ظهور الإسلام.
على الرغم من أن كلتيهما تنتميان إلى عائلة اللغات السامية، لا يمكن فهم المهرية والعربية بشكل متبادل.
مُسَلَّم المهري، وهو متحدثٌ بالمهرية يعيش في سلطنة عمان متنقلاً بين الصحراء والمدينة، كما عاش أسلافه، قال لموقع BBC Monitoring:
"نتعلم المهرية من آبائنا، ونتحدثها في حياتنا اليومية، لنحكي القصص ونحل المشكلات ونصدر الأحكام".
وقال مُسَلَّم إن أجيالاً من المتحدثين بالمهرية، المشهورة بتقاليدها الشفهية في رواية القصص والشعر، ينقلون لأطفالهم القصص القديمة والشعر التقليدي.
لماذا أصبحت المهرية لغة مهددة بالانقراض؟
تصنف اليونسكو المهرية على أنها "لغة مهددة بالانقراض بالتأكيد"، ما يعني أنها لم تعد تُعلَّم للأطفال كلغة أم في أوطانهم.
وتعرضت لغة وثقافة المهرة للخطر في المقام الأول، بسبب التغير الاجتماعي الناجم عن التحضر، وفقاً لدراسة أجرتها جانيت واتسون، رئيسة قسم اللغة في جامعة ليدز البريطانية، والباحث العماني عبدالله المهري.
وتخلُص هذه الدراسة الخاصة بمتحدثي المهرية في محافظة ظفار، إلى أن تآكل اللغة في هذه المنطقة، كما هو الحال في أجزاءٍ كثيرة من العالم، قد نتج عن "التغير الاجتماعي، وانهيار الأنشطة الثقافية التقليدية، وانقطاع العلاقة التي كانت تربط الناس ببيئتهم الطبيعية".
عاش العديد من المتحدثين بالمهرية في الكهوف والغابات حتى سبعينات القرن العشرين، وتقليدياً هم من رعاة الجمال والماعز.
وظلوا يرعون هذه الحيوانات حتى وهم يمارسون الصيد والتجارة. وقالت الدراسة إن معظمهم يعيشون الآن بين مظاهر الحداثة مثل المدارس والمستشفيات.
المتحدثون بالمهرية الأصغر سناً ما عادوا يعيشون حياةً تقليدية، ولم تعد المفردات المستخدمة في العيش -بهذه الطريقة القريبة من الطبيعة.
وفي الممارسات الخاصة بتلك البيئة- ضرورية، فالمصطلحات الأكثر عمومية للغة العربية كافية لاحتياجات اليوم.
تلاحظ الدراسة أن الجيل الأكبر من المتحدثين بالمهرية في ظفار "لا يزالون قادرين على العد باللغات المحلية.
لكن الأطفال والعديد من سكان المدن في العشرينيات من عمرهم يعدون الأرقام بعد 10، مستخدمين الأرقام العربية"، وتقول الدراسة إن متحدثي المهرية في شرقي اليمن والمملكة العربية السعودية "نادراً ما يتجاوزون 10 في اللغة المحلية".
وبما أن المهرية تفتقر إلى أي نوع من النصوص المكتوبة، فإن التعليم الحديث يجري كله باللغة العربية. أدى محو الأمية في الكتابة العربية واستخدام اللغة العربية باعتبارها اللغة المشتركة في المنطقة إلى تآكل مكانة المهرية.
الوجود السعودي في اليمن "يهدد المهرية"
تضخَّمت هذه المخاطر بشكل كبير بسبب الحرب في اليمن، تدخَّل الائتلاف العسكري بقيادة السعودية في اليمن عام 2015، بعد أن حقَّق المتمردون الحوثيون مكاسب كبيرة على الأرض، وأجبروا حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على الهرب.
محافظة المهرة في الزاوية الجنوبية الشرقية لليمن هي موطن أكبر مجتمع يتكلم اللغة المهرية، ومع أنها لم تكن مركزاً للنزاع المسلح الدائر.
فقد شهدت المهرة شهوراً من الاحتجاجات ضد الوجود العسكري المتنامي للسعودية والإمارات هناك، وضد تشكيل وحدات مسلحة متحالفة مع الدولتين الخليجيتين.
تنال المحافظة اهتماماً إعلامياً أقل بكثير مما تستحقه الأزمة المستعصية هناك.
علي الحريزي، وكيل سابق لمحافظة المهرة، هو أحد منظمي الاحتجاجات ضد السعوديين.
قال لموقع BBC Monitoring إن السعودية "تجاوزت الأهداف (الأولية) للتحالف، وأصبحت الآن دولة احتلال"، وأضاف:
"لهذا السبب نعتبر أن السعودية والجيش السعودي قد غزا المهرة، ولا يستطيع الرئيس اليمني فعل أي شيء حيال ذلك".
وتابع: "نحن في المهرة لدينا ثقافة خاصة ولغة قديمة… يذهب الأطفال إلى المدرسة، حيث يتعلمون اللغة العربية ولا يتكلمون المهرية، نحن نطالب بمنطقة مستقلة".
وقال الحريزي:
"هناك تهديد سعودي إماراتي للهوية الثقافية في المجتمع المهري-السقطري، هناك جهد منهجي مستمر في سقطرى والمهرة لمحو هذه الثقافة وهذه الهوية"، مختتماً بأن هذا "استعمار حقيقي".
على الرغم من ذلك، نقلت وسائل الإعلام السعودية في أغسطس/آب الماضي، أن الرياض أطلقت برنامجاً لتطوير المهرية بقيمة 133 مليون دولار أمريكي، يتضمن مشاريع بنية تحتية، وتحديث مطار الغيضة، وميناء نشطون.
المتحدثون بالمهرية يتبنون الهوية العربية
إن تصور المملكة العربية السعودية كقوة استعمارية وتهديد للهوية الثقافية قد يكون الشعور الذي يميل إليه البعض في المهرة، لكن العديد من المتحدثين بالمهرية كذلك يعلنون هويتهم العربية.
ولا يرون اللغة العربية لغةً أجنبيةً أو استعمارية. تمثِّل اللغة العربية بالنسبة لهم جانباً أساسياً لإحساسٍ عميق بالانتماء إلى شبه الجزيرة العربية، بجانب المهرية.
يتفق الباحث العماني سعيد المهري مع هذا الرأي، فقد قال لموقع BBC Monitoring إن المتحدثين بالمهرية "ينظرون إلى العربية كجسرٍ يربطهم بأشقائهم العرب، ولغة القرآن الكريم".