محدقة بالخطوط الزرقاء والبيضاء الباهتة الخاصة بزي النساء في معسكر الاعتقال، تساءلت عن عدد نساء عائلتي اللاتي توفين وهن يرتدين هذا الزي. إنني أعرف فقط أسماء أولئك اللاتي بقين على قيد الحياة. وصلت إلى معرض بعنوان يحمل اسم "النساء في الحرب العالمية الثانية".
في المتحف الدولي للحرب العالمية الثانية في مدينة ناتيك بولاية ماساتشوستس، توقعت أن أرى الزي الرسمي الخاص باللواتي خدمن في القوات المسلحة أثناء الحرب.
وكوني ضابطة استخبارات سابقة في القوات البحرية الأميركية، فقد كنت متلهفة لأن أقف وجهاً لوجه أمام قصص النساء اللاتي مهدن الطريق لنا: فاكَّات الشفرات، ومشغلات الأجهزة اللاسلكية، والجاسوسات، والمخربات. ولم أتوقع أن أجد ما يُذكرني بمدى ضآلة احتمال أن ينجو ما يكفي من أقاربي بحيث أولد أنا -بعد ذلك بعشرات السنين- في مدينة نيويورك.
النساء.. أساس السلطة
وهناك توصلت إلى نتيجة حتمية، لا يمكن للنظم المتسلطة تولي السلطة بدون دعم النساء، يتضمن واجب التذكر أيضاً فهم كيف أن الأشياء العادية والتافهة تصبح وحشية.
في ألمانيا، ربما كانت إحدى الأمهات تستخدم لمبة ذات إضاءة ليلية خفيفة، مزينة بصليب معقوف كي تجعل طفلها يشعر بالأمان ليلاً. وفي اليابان، شاركت النساء في "التعبئة الروحية"، وطرَّزن أحزمة مميزة للطيارين الحربيين.
يقول مدير المتحف كينيث رينديل:"إذا كان للمتحف للمتحف عنوان فرعي، فسيدور حول أن الحرب أمر شخصي، وأنها أمر معقد".
إن عرض دور المرأة يروي قصة الحرب ذاتها لقد شارك الجميع، وغالباً في وظائف كانت مجهولة للنساء سابقاً إذ يصاب معظم الزائرين بالدهشة حينما يعلمون أن أدوار النساء في فترة الحرب كانت تفوق نمط "روزي المبرشمة" الخاص بالعمل في الصناعة، وذلك بحسب ما قالته سو ويلكنز، المديرة التعليمية للمتحف.
عمل شاق.. معقد
فقد عملت النساء كقائدات للطائرات وقناصات وجامعات للقمامة ومنظفات للزجاج، وحارسات في معسكرات الاعتقال وممرضات.
وفي خمسينيات القرن العشرين، حجب الاندفاع نحو تمجيد الحرب والعودة للقيم التقليدية المدى الواسع لإسهامات المرأة فلم تترك الأدوات الموجودة في المعرض مجالاً للشك: جهاز راديو مخبأ تحت جزء سفلي مزيف من عربة طفل، استخدمته المقاومة في فرنسا المحتلة؛ وهو وسام الطيران المميز الذي تحمله أليس برغر الكابتن بالجيش الأميركي، والمعلق على بذلتها الرسمية.
خدمت أكثر من 350,000 امرأة في القوات المسلحة الأميركية، وجُندت النساء البريطانيات ليقمن بوظائف في مجال الدفاع المدني فيما يسمى بـ"الخدمة الإقليمية الاحتياطية" (الذي تطوعت للعمل به الملكة إليزابيث حينما كانت أميرة في سن الـ18 عاماً).
وفي الجيش الأحمر السوفييتي، شغلت النساء وظائف في القتال على الخطوط الأمامية. كانت وظائف النساء أحياناً متناقضة: كانت آلة الموت النازية مهووسة بالحياة في الوقت ذاته، وللدعاية للفكرة المعروفة بـ"العرق المتفوق" قلدت الحكومة النساء وساماً يسمى "وسام شرف الأمهات الألمانيات" لمن تنجب أربعة أطفال أو أكثر.
صنع برنامج Lebensborn أو "ينبوع الحياة" مراكز ولادة للأمهات "آريات" الأصل، اللاتي تم تشجيعهن على الإنجاب -بعيداً عن رابطة الزواج- من ضباط منظمة شوتزشتافل (وحدات إس إس).
عضوات منتظمات في الخدمة العسكرية
وفي الولايات المتحدة، نُسيت مساهمات النساء أثناء الحرب بشكل كبير بعد انتهائها، ولكن مع وجود قدر معين من الجدال المسالم. فقد كان الهدف أن تكون خدمتهم العسكرية مؤقتة. وفي عام 1948، وهو العام الذي قُبلت النساء فيه لأول مرة كعضوات منتظمات في القوات المسلحة.
شهد الجنرال دوايت دي أيزنهاور أمام لجنة الخدمات العسكرية بمجلس النواب بأنه أصيب أولاً بـ"الرعب" بسبب فكرة وجود النساء في الجيش، ولكنه غير رأيه عندما رآهن أثناء العمل. وأثناء الحرب، وجه الجنرال جورج سي. مارشال بإجراء دراسة لقياس فعالية الوحدات القتالية المكونة من الرجال والنساء معاً.
أفضل من أداء الرجال
وقد اندهش هو وفريقه عندما وجد أن هذه الوحدات كان أداؤها أفضل من الوحدات التي تضم رجالاً فقط. وبحسب ما اكتشف المؤرخ دان كامبيل في عام 1993، فقد أُخفيت الدراسة لأن فريق عمل الجنرال كان قلقاً بشأن معارضة الجماهير الأميركية والكونغرس لتوسيع أدوار النساء داخل القوات المسلحة.
ليس لهذا الجدال علاقة بما تستطيع النساء فعله، فضلاً عما تردنه. وقد لاحظ رنيديل أن الأمر يتعلق بالرجال وبانزعاجهم من تغيير الأدوار. وقال:"عندما بدأت النساء في القيام بالوظائف التي كان يقوم الرجال بها عادة، واجه الرجال مشكلة كبيرة. فقد أثر هذا في إحساسهم الخاص بما تعنيه الرجولة".
قال رينديل إن المتحف لا يتخذ مواقف إزاء النقاشات الحالي، وحتى لو كان الأمر كذلك، فمن المستحيل ألا ترى أوجه شبه مع القضايا المعاصرة.
عندما التحقت بالجيش في عام 2009، كانت إدارة سياسة الدفاع لا تزال تغلق وظائف القتال على الأرض أمام النساء. ولكن الصراعات الممتدة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم تتمتع بخطوط أمامية محددة، ولم يكن لها نهاية واضحة،
أدين أدوارهن دون مسميات وظيفية..
فقد قادت وقائع العمليات القادةَ إلى استغلال كل ثغرة ممكنة لتوزيع النساء في أدوار قتالية، حتى لو لم ينعكس ذلك على المسميات الوظيفية الرسمية الخاصة بهن.
لقد قضيت ثلاث سنوات في وحدة عمليات خاصة كانت مهمتها الأساسية هي نشر جنودها جنباً إلى جنب مع قوة العمليات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية، والقوات الخاصة الأميركية، وبدا وجود النساء عائقاً لا مفر منه
احتاجت هذه الوحدات إلى الاستخبارات والدعم الطبي واللوجستي، وغالباً ما كان أفضل من يقوم بهذه الوظائف من النساء.
لكنه و في بعض الحالات، كان يتم تجنيد النساء بشكل خاص كي تعمل مع السكان المحليين. ومن ضمن مجهودات الولايات المتحدة في فترة الحرب أن تم دمج النساء في العمليات الخاصة منذ بدايتها تحت رئاسة المكتب السري للخدمات الاستراتيجية أثناء الحرب العالمية الثانية.
اعتراف رسمي.. مُتأخر
وعندما فُتحت جميع الوظائف بشكل رسمي أمام النساء في عام 2016، كان من الواجب الاعتراف بشكل رسمي بما تمت ممارسته لعقود. نشر قائد قيادة العمليات الخاصة في ذلك التوقيت، الجنرال جوزيف فوتيل، رسالة فيديو تدعم تلك السياسة، وذكر فيها دور النساء في الحرب العالمية الثانية.
في واحدة من صناديق العرض الزجاجية الأخيرة، عُرضت ورقة لعب تصور ضابطة من القوات البحرية. ترتدي الضابطة قبعة من نوع bucket cover المخصصة للسيدات والتي تم تطويرها لتناسب الضابطات في وحدة WAVES العسكرية، وهي وحدة (السيدات المقبولات في خدمة الطوارئ التطوعية) وما زالت تعمل حتى اليوم.
وتحب الضابطات هذه الورقة كثيراً بشكل دقيق بسبب دلالتها التاريخية. وبعكس الأجزاء الأخرى من الزي النظامي، والتي غالباً ما تسمى "مستخدَمة للجنسين" ولكنها صممت حقاً من أجل الرجال فإن قبعة غطاء الدلو أو bucket cover صُممت خصيصاً للسيدات.
سيكون على السيدات بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول أن يتوقفن عن ارتداء هذا الجزء من الزي والتحول إلى ارتداء البديل الخاص بالرجال. تعتقد ضابطات كثيرات -وأنا من بينهن- أن التخلص من واحد من التقاليد القليلة التي تتفرد بها النساء، يبلغ مبلغ محو تاريخنا وتراثنا. فهو يمحو الرابط بين العمل الذي قامت به النساء أثناء الحرب العالمية الثانية ومدى مشقة كفاحهن من أجل القيام بها في المقام الأول.
عملن كقناصات قبل الاعتراف بهن بـ 70 عاماً..
في نهاية جولتي بالمتحف، تفكرت ملياً في الأدوات من حولي. الزي النظامي الخاص بالنساء من حارسات معسكر الاعتقال اللاتي قد يكن قتلن أقاربي. زي التمويه الصيفي الخاص بالنساء في الجيش الأحمر اللاتي عملن كقناصات قبل أن تتمكن النساء الأميركيات من العمل في هذا الدور بـ 70 عاماً. وثوب زفاف مصنوع من مظلة هبوط حريرية.
صور النساء اللاتي يؤدين المهام اليومية التي تُسَير بلادهم. يتعايش كل من الرعب والبطولة والحياة اليومية جنباً إلى جنب. قال رينديل: "من المهم للغاية الاحتفاظ بحقيقة الحرب، لأنه ما لم نفعل ذلك، يمكن الوصول إلى جيل كامل من السياسيين الذين لم يخوضوا حرباً على الإطلاق، وليس لديهم أبناء خدموا في الجيش، ويتخذون قرارات تعتمد على ما يبدو أنه حقيقة بسيطة".
تتكون المسيرة نحو الحرب من خطوة موجهة وخطوة عادية. لكل فرد دوره، سواءً من خلال الفعل أو عدم الفعل. وأنا أقود السيارة في طريقي للمنزل، اعتبرت أنه ربما يكون الالتزام "بعدم النسيان أبداً" مسؤولية يجب التفكير فيها كل يوم. اتصلت بوالدي، وسألته عن مكان احتفاظه بالمذكرات التي كتبتها جدتي لتسجيل تجاربها في بلد كانت تنزلق نحو الديكتاتورية، والإبادة الجماعية، والحرب. تحتوي التفاصيل التي يُحتمل بشدة أن تُنسى أو تُمحى على الدروس الأكثر أهمية التي يجب تعلمها.
أندريا إن. غولدستين هي جندية قديمة في الأسطول الأميركي والمدير التنفيذي لخدمة المدرسة Service to School. وهي حاصلة على منحة من مؤسسة Pat Tillman وتعيش في المنطقة الشمالية من مدينة نيويورك.
يستمر معرض "النساء في الحرب العالمية الثانية" الموجود في المتحف الدولي للحرب العالمية الثانية حتى يوم 29 ديسمبر/كانون الأول.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times .
اقرأ أيضاً..
قد يكشف تحليل دم مدى إصابتك بالاكتئاب ويحدد طرق علاجك (دراسة)