النبي إدريس بين الحقيقة والأسطورة

والحقيقة أننا نشكك في مسألة تأليه أوزوريس؛ إذ إنه لم ينسب إليه فعل الخلق، كما لم يتخلّ عن صورته الإنسانية، مما يجعله متفرداً إذا ما قورن بالآلهة المصرية القديمة، التي عادة ما تأخذ الأشكال الحيوانية، ويمكننا أن نراها في عائلة أوزوريس ذاته: فحورس يرمز له بالصقر، وإيزيس يرمز لها بالبقرة، أما أوزوريس فهو دائماً على صورة الرجل.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/02 الساعة 01:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/02 الساعة 01:48 بتوقيت غرينتش

حينما نتحدث عن النبي إدريس -عليه السلام- فنحن أمام معالم شخصية فريدة، يصعب معها الفصل بين الحقيقة والأسطورة؛ لندرة الثوابت فيها، وترك العنان للمؤرخين والمفسرين في سد ثغرات القصة قليلة المحتوى عبر تصورات وآراء ونظريات متنوعة.. وفي البداية نتوقف عند اسم هذا النبي، الذي يشهد تبايناً بين الأديان والحضارات المختلفة، إلا أن اتفاقاً حول طبيعة الدور المؤثر الذي لعبه عبر التاريخ الإنساني جعله مخلداً بصرف النظر عن الاسم الحقيقي لهذا النبي الحكيم، فهو هرمس الهرامسة وأوزوريس عند قدماء المصريين، وأخنوخ في الإنجيل والتوراة، وإدريس -عليه السلام- في القرآن الكريم، ويقول المؤرخون إنه ينتسب إلى أمة "السريان" أقدم الأمم، وملتهم هي ملة الصابئين، ويعتقد أنه دنانوخ الوارد ذكره في كتاب الصابئة المقدس، وهي ديانة الله الأولى التي أنزلت على نبيه ورسوله آدم، ولهم كتابهم المنزل الذي يسمى جنزاربا (أي الكنز العظيم)، ويعتبر النبي "دنانوخ إدريس" رابع أنبياء الصابئة، كما يذهب البعض إلى كونه إله الحكمة عند المصريين الذي يسمى بالإله "تحوت" أو "توت"، كما ينسب إليه مجموعة من النصوص تسمى متون هرمس، وهي تنطق بالوحدانية لله، وتنفي عنه صفة الألوهية، وتثبت أن المصريين القدماء عرفوا التوحيد في العصور الأولى.

ويقربنا الفيلسوف الإغريقي أفلاطون في محاورة كراتيليوس من الوصول إلى المعنى الحقيقي الذي يربط هذه الأسماء ببعضها البعض، فالاشتقاق اللفظي لكلمة هرمس أنه مخترع الكتابة والكلام، وفي اللغة الإغريقية هرمس مشتقة من كلمتين (أر، مس) وتعني أبا العلوم، وفي تاج العروس ولسان العرب فالهرمس الهِرْماسُ بالكَسْرِ من أسماء الأَسَد، وبالجمع بين المعنيين في الإغريقية والعربية، يمكن أن نشتق معنى الحكمة، واقترانها بجسد أسد (هو نفس الرمز الذي عليه تمثال أبو الهول)، كما تحدث المؤرخ ديودور الصقلي عن الدور الذي لعبه هرمس، فهو أول من حدد نطق كلمات اللغة العادية، وأعطى للأشياء التي لم يكن لها مسميات من قبل أسماء، وابتكر الحروف الهجائية، وعلم الناس عبادة الإله، وتقديم النذور والأضاحي، وقام بدراسة حركة النجوم، وهو أبو البيان.

وتحت اسم إدريس تحدث المفسرون الإسلاميون بأنه أول من خطّ بعد آدم -عليه السلام- وقطع الثياب وخاطها، وقد روى ابن حبان، في صحيحه، من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أبا ذر أربعة سُريانيون: آدم وشيثٌ وأخَنوخُ، وهو إدريس، وهو أول من خطّ بالقلم، ونوحٌ".

واختلف في نسبه، وأشهر ما قيل هو إدريس بن يرد بن مهلاييل، ويسمى أيضاً أخَنوخ، وينتهي نسبه -عليه السلام- إلى نبي الله شيث بن آدم -عليهم الصلاة والسلام- والسبب في تسمية إدريس بهذا الاسم؛ لأنه مشتق من الدراسة، وذلك لكثرة دراسته للصحف التي أنزلت على سيدنا آدم وابنه شيث عليهما الصلاة والسلام، كما ورد ذكره في القرآن الكريم، قال الله تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِياً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِياً" (مريم: 56)، وفي تفسير (ورفعناه مكاناً علياً)، ورد عن مجاهد قوله: إدريس رفع ولم يمت، كما رفع عيسى، وأنه رفع إلى السماء الرابعة، وإذا أضفنا مسألة الرفع إلى الدور الديني والتنويري والنهضوي لإدريس نستطيع أن نمسك بالأسانيد الكافية التي نستطيع أن نعول عليها عند الربط بينه وبين شخصية أوزوريس، صاحب الأسطورة الشهيرة الأقدم من عصر الأهرامات، فأوزوريس صار ملك العالم، وما أن صار ملكاً حتى رفع الشعب المصري من حالته البائسة، وجعلهم يعرفون ثمرات الأرض، ومنحهم القوانين، وعلمهم أن يحترموا الآلهة، وبعد ذلك زرع الأرض كلها؛ لينشر فيها الحضارة، مما أوغر صدر شقيقه الأصغر "ست" عليه، فدبر لقتله؛ إذ صنع تابوتاً على مقاس أوزوريس وأعلن على الملأ أن التابوت سيكون من نصيب الشخص الذي يناسب مقاس التابوت تماماً، عندما يرقد فيه، وشرع المتآمرون مع "ست" يجربون الرقود في التابوت، فلا يناسبهم حتى جاء دور أوزوريس، الذي ما إن رقد في التابوت حتى أسرع "ست" والمتآمرون معه بغلق التابوت بالمسامير والرصاص المنصهر، ثم حمل التابوت وألقاه في النيل، وتمضي الأسطورة مع رحلة زوجة "أوزوريس"، في البحث عن جثمانه، وعثور "إيزيس" على جثمانه وإخفائه عن أعين "ست" تمهيداً لإعداد طقوس الدفن، ولكن "ست" ينجح في العثور على الجثمان، ويمزقه إرباً وينثر أشلاءه على طول مصر وعرضها، وتعود "إيزيس" مرة أخرى إلى رحلة البحث لتجمع أشلاءه حتى نجحت في ذلك، وجلست تبكي وتستعطف الآلهة، فرقت لحالها، فقامت أمه "نوت" بإحياء رميم عظامه، فقام من بين الأموات، ثم حملت منه بوحيدها "حور"، ثم تتحدث الأسطورة عن المعنى الذي نريد أن نتوقف عنه، وهو الرفع، فقد رفعت الآلهة أزوريس من بين الموتى إلى السماء جسداً "حياً"؛ ليصبح إله مملكة الموت تعويضاً له عما لحقه في الدنيا من أذى.

والحقيقة أننا نشكك في مسألة تأليه أوزوريس؛ إذ إنه لم ينسب إليه فعل الخلق، كما لم يتخلّ عن صورته الإنسانية، مما يجعله متفرداً إذا ما قورن بالآلهة المصرية القديمة، التي عادة ما تأخذ الأشكال الحيوانية، ويمكننا أن نراها في عائلة أوزوريس ذاته: فحورس يرمز له بالصقر، وإيزيس يرمز لها بالبقرة، أما أوزوريس فهو دائماً على صورة الرجل.

ننتقل إلى تساؤل مهم: هل من المعقول أن رمزاً للحكمة والمعرفة كإدريس -عليه السلام- عاش في عصر الفراعنة ولا يخلد بأثر باقٍ؟ يذكر غير واحد من المؤرخين الإسلاميين، ومنهم جلال الدين السيوطي، في كتابه تحفة الكِرام في أخبار الأهرام، أن إدريس -عليه السلام- استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان، فأمر ببناء الأهرام، وإيداعها الأموال، وصحائف العلوم، وما يُخاف عليه من الذهاب والدثور، وهو ما ذهب إليه ابن النديم في الفهرست: "إنه كان أحد السبعة السدنة الذين رتبوا لحفظ البيوت السبعة، وإنه كان إليه بيت عطارد، وباسمه يسمى، فإن عطارد باللغة الكلدانية هرمس، وقيل إنه انتقل إلى أرض مصر بأسباب، وإنه ملكها، وكان له أولاد عدة، منهم طاطا وصا وأشمن وأثريب وقفط، وإنه كان حكيم زمانه، ولما توفي دفن في البناء الذي يعرف بمدينة مصر بأبي هرمس، ويعرفه العامة بالهرمين، فإن أحدهما قبره، والآخر قبر زوجته، وقيل قبر ابنه الذي خلفه بعد موته"، والصابئة تزعم أنّ أحد الهرمين قبر شيث، والآخر قبر هرمس، والملون قبر صاب بن هرمس، وإليه تنسب الصابئة، وهم يحجون إليها، ويذبحون عندها الديكة والعجول السود، ويبخرون بدخن، ومن مجمل هذه الأدلة يمكننا أن نربط شخصيتنا بالأهرام بشكل أو آخر.

نرى أن أبو الهول هو الأثر الخالد لإدريس عليه السلام، ويمكننا أن ننظر إلى أبو الهول بصورة مغايرة لوصفه كأسد برأس إنسان، وكأنها من المسلمات، مع أنها فرضية ضمن فرضيات عدة، فالصخرة الصماء خلت من أية نقوش أو كتابات تتحدث عن التمثال وطبيعة دوره، وتركت للنظر فقط تحديد ماهية التمثال، فلمَ لا ننظر إليه بصورته الطبيعية الواضحة كإنسان كامل، يداه تخطان على الرمال، وفي مشهور الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، وكان إدريس -عليه السلام- يخط على الرمال، وعلاقة أبو الهول بالرمال علاقة وطيدة ترافقت مع التمثال عبر تاريخه، بل الطريف أن النقش الوحيد على التمثال كان تتويجاً لهذه العلاقة، فلوحة الحلم، وهي لوحة تذكارية أمر بوضعها الفرعون تحتمس الرابع بين اليدين الممتدتين لتمثال أبو الهول، تخليداً لحلم حلم به هذا الفرعون قبل أن يعتلي عرش مصر في عام 1401 قبل الميلاد، عندما كان أميراً شاباً وكان يقوم ذات يوم بالصيد على هضبة الجيزة، وعندما أصابه التعب لجأ إلى أبو الهول الذي كانت قد غطته رمال الصحراء، ولا يظهر منه سوى رأسه، وغلب الأمير النوم، وراوده الحلم بأبو الهول في المنام واعداً إياه بتبوؤ عرش مصر، وطالباً منه أن يزيل ما تراكم عليه من رمال، وهو ما تحقق بعد عدة سنوات من اعتلاء الأمير عرش مصر ثم وفائه بوعده لأبو الهول وإزالة الرمال من حوله، ولا يمكننا أن نتجاهل البعد الدعائي في هذه القصة.

يعتقد الباحثون أن بناء أبو الهول تزامن مع بناء هرم خفرع، وأنه يرمز لخفرع نفسه، ولكن الباحثين تواجههم عقبتان تمنعانهم من تمرير هذه الفرضية واعتبارها حقيقة مسلماً بها؛ أولاً: عدم وجود كتابات نصية تشير إلى ذلك، ولا حتى معلومة واحدة تتحدث عن أسباب وظروف بنائه. ثانياً: علامات التآكل التي تظهر على سطح التمثال تختلف عن علامات هرم خفرع، فتلك على جسد أبو الهول تظهر كعلامات عوامل التعرية بسبب وجود مياه، والتي لا تظهر مثلها على الهرم، فمن غير المنطقي أن تكون هناك سحابة صغيرة فوقه تمطر عليه فقط، إضافة إلى ذلك عدم وجود شبه بين أبو الهول وتماثيل خفرع!

فهل يمكننا العودة إلى آثار خفرع لمحاولة الوصول إلى علاقة ما تربطه بأبو الهول؟
للأسف خفرع انتهى تماماً من الوجود، فلم يعد بإمكان جثمانه أو آثاره أن تبوح بأسرارها بعد غرق السفينة "بياتريس" عام 1838 أمام مدينة "قرطاجنة" التاريخية؛ حيث كانت السفينة تقل التابوت الخاص بالملك "خفرع"، وهو التابوت المصنوع من البازلت، بالإضافة إلى كنوز أثرية أخرى خاصة بالملك الراحل في رحلة من مصر إلى إنكلترا لإجراء بعض الدراسات العلمية عليه لتصبح ذكرى الملك أثراً بعد عين.

والحقيقة البارزة أن أبو الهول كان سابقاً على الأهرامات في منطقة الجيزة، وهو الرأي الذي يمكن استنتاجه من اللوحة الكبيرة من الحجر الجيري التي أنشأها أمنحتب الثاني، وهو ما ذهب إليه بليني عالم الطبيعيات الروماني، وكذلك رأي عالم الآثار الألماني هنري بروكش، الذي بناه على أن خوفو رأى أبو الهول، وبالتالي فلا بد أنه كان موجوداً قبل عهده، وهو رأي عالم الآثار الفرنسي جاستون ماسبيرو أيضاً، وفي ظننا أن وجود أبو الهول في هذه المنطقة كان السبب الذي حدا بملوك الدولة القديمة إلى بناء أهراماتهم حوله، أو أن صخرة التمثال كانت بمكان آخر، وتم جلبها إلى هذا المكان، ودليلنا أن أحداً من المؤرخين القدامى أمثال المؤرخ هيرودوت (المتوفى سنة 430 قبل الميلاد) وديودور الصقلي اللذين زارا هذه المنطقة لم يشيرا إلى أبو الهول مع إفاضتهما في الحديث عن بناء الأهرامات، وهو ما يضعنا أمام فرضيات ثلاث؛ الأولى: أن أبو الهول شيد في مرحلة لاحقة على بناء الأهرام، وهو أمر مستبعد تماماً، أو أنه أمر واقع وسابق بكثير على شهود بناء الأهرام، والتسجيل الكتابي، بحيث لا يمكن تتبعه أو الوقوف على شواهد حوله، وهي الفرضية التي يدعمها أن تاريخ أبو الهول كان مجهولاً حتى على ملوك الدولة الحديثة أنفسهم!! كما أن تعدد مسميات أبو الهول دون مسمى محدد فهو "روتي"، رمز الحماية والحراسة في عصر الدولة القديمة، وهو "شسب عنخ" تعني الصورة الحية نسبة للوحة الحلم السابق ذكرها في عهد الدولة الوسطى، وهو "حور إم أخت" بمعنى حورس (الصقر) في الأفق في عهد الدولة الحديثة، وهو "حورونا" نسبة إلى الإله الكنعاني "حورونا"، وهو إله الحماية الذي دخل مصر مع الأجانب الذين استوطنوا بجوار أبو الهول، وهو أيضاً بر حول أو بو حول، بمعنى مكان أو بيت أو ملاذ حورس، ثم انتهاء بأبو الهول (الفزع) عند العرب، يوضح أن ماهية التمثال كانت خافية على مدار التاريخ الفرعوني المدون، وما يمكن استخلاصه هو أن أبو الهول كان رمزاً لشخص كان نقطة الانطلاق نحو التدوين ذاته.

والدليل على أن أبو الهول كان رمزاً لشخص مؤثر في جميع العصور، وليس مجرد صورة لملك معين، سواء أكان خفرع أو خوفو، من أن الهكسوس المحتلين أنفسهم اتخذوا تماثيل لأبو الهول مع عدائهم مع مصر الفرعونية، فهل كانوا بذلك يخلدون ذكرى خفرع؟! كما أن تماثيل أبو الهول منتشرة في بابل وفينيقيا وآسيا وبلاد اليونان، وهو ما نراه على خط متوازٍ مع حركة التنوير التي قام بها النبي إدريس بدءاً من بابل مسقط رأسه، ومروراً بمصر، وأنه أسهم في تخطيط مئات المدن.

أما الفرضية الثالثة الزاعمة بأن أبو الهول كان مغطى بالرمال إلى الحد الذي لا يمكن رؤيته، مما جعل هيرودوت والصقلي يغفلان عنه هو زعم واهٍ لا يمكن قبوله، فمن غير المعقول أن يراه المؤرخون في العصر الحديث أمثال المقريزي، بل ويصفه المؤرخ التجيبي السبتي المتوفى سنة (730هـ) في كتابه (مستفاد الرحلة والاغتراب) تحت عنوان (أبو الهول) بصورة رأس الإنسان، غير أنه غاية في الكبر قد قام كالصومعة العظيمة.

كما وصفه ابن فضل العمري المتوفى سنة (749هـ) في كتابه (مسالك الأبصار) بصنم بقرب الهرم الكبير في وهدة منخفضة وعنقه أشبه برأس راهب حبشي، بينما لا يراه هيرودوت والصقلي الأقرب زمنياً من شهود الحدث والكهنة الباقين الذين لديهم الصورة الأقرب للحقيقة!

الكثير من أجزاء تمثال أبو الهول منفصلة عنه، مثل حية الكوبرا المقدسة التي آمن بها الفراعنة، والأنف الذي يُعتقد أن نابليون كان قد دمره، وهي الفرضية التي يسارع الجميع إلى إنكارها في سبيل تبرئة المحتل الفرنسي واعتباره قادماً في ثوب تنويري لا ينبغي أن يمسه الدنس، مع أن جحافل خيوله دخلت الجامع الأزهر غير عابئة بقدسية المكان ورمزه الديني! ثم يلصقونها في شخص الشيخ محمد صائم الدهر، وهو كما يذكر المقريزي من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية، سعيد السعداء قام نحو من سنة ثمانين وسبعمائة بحملة لإزالة المنكرات والتصاوير، وعلى رأسها تمثال أبو الهول، وظل يجاهد في تحطيمه، فلما صعب عليه الأمر اكتفى بتشويه فمه وأنفه، وإذا علمنا ما فعله الحاكم بمحمد صائم الدهر، لتأكدنا أن ما ساقه المقريزي عار تماماً من الصحة! فتتمة الرواية أنه مع علم الحاكم، بما فعله الشيخ المذكور قبض عليه وقطعه إرباً إرباً وأمر بدفنه بجوار أبو الهول، فهل كانت محاولة هدم الأهرام أو أبو الهول في هذه العصور بالجريمة التي تستوجب القصاص؟!

وقد سبقه إلى القصد نفسه الخليفة المأمون حينما أمر بهدم الأهرام وانصرف عن ذلك لارتفاع الكلفة، كما أن الكثير من الخلفاء الفاطميين، ومنهم العزيز بالله، استخدم أحجار الأهرامات في بناء المساجد.. وللحقيقة فنابليون هو الآخر بريء من هذه الفعلة، فالرسوم التي صنعها المستكشف الدنماركي فريدريك لويس نوردين لأبو الهول في عام 1737 ونشرت في عام 1755 في كتابه "الرحلة إلى مصر والنوبة"، تبين التمثال بلا أنف.

ومن الأجزاء المنفصلة الأخرى اللحية، وهي ترمز إلى أوزوريس أو إدريس كما أثبتنا، وهو صاحب التمثال الحقيقي، وتعرض اللحية حالياً في المتحف البريطاني؛ حيث أهداها إليه عالم المصريات الإيطالي جيوفاني كافيجليا، الذي عثر على جزء من اللحية خلال أعمال حفر وتنقيب قام بها عام 1817، وغالب الظن أن العوامل الطبيعية أسهمت بالدور الأكبر في تفتيت هذه الأجزاء من التمثال، من رياح ورطوبة وعوامل التعرية الأخرى، ولا يوجد أي دور للحضارات الإنسانية في تشويه النبي الحكيم، ورمز العلم والتوحيد عبر الحضارات قاطبة.

ومع نهاية رحلتنا عبر ربوع التاريخ نتمنى أن نكون قد سطرنا عبر أحاجي المنطق للمكانة العلية التي استحقها سيدنا إدريس -عليه السلام- أبو الهول العصور القديمة، ورمز العلم والحكمة في كل العصور.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد