تحتفظُ الذاكرة الإنسانية بالعديد من الصور التي تظل عالقةً في الأذهان، حيث تعبّر عن المآسي التي عاشتها الشعوب والأفراد عبر التاريخ.
من بين هذه الصور، تبرز صورة الطفلة أوميرا سانشيز كرمز قوي لمأساة إنسانية، حيثُ تعدّ القصة التي تحيط بأوميرا واحدةً من أكثر القصص التي أثرت في الوعي العالمي، وذلك لما لعبته من دور مهم في تسليط الضوء على الأزمات الإنسانية وتذكير العالم بضرورة تقديم الدعم والمساعدة في الأوقات الصعبة.
وقد التقطت الصورة المؤثرة لأوميرا سانشيز من قبل المصوّر الصحفي فرانك فورنييه وهي محاصرة تحت الحطام في مياه ملوثة بعد انهيار أرضي مدمر اجتاح مدينتها الكولومبية في غضون دقائق قليلة عقب ثوران بركان قريب عام 1985.
ثوران بركان نيفادو ديل رويز.. بداية الكارثة
في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1985، بدأ بركان نيفادو ديل رويز، الذي يبلغ ارتفاعه 5321 مترًا ويقع في وادٍ خصيب على بُعد حوالي 160 كيلومترًا غرب العاصمة بوغوتا بكولومبيا، يظهرُ علامات نشاط ملحوظ.
كان هذا البركان قد شهد ثورانًا سابقًا في عام 1595، والذي أسفر عن وفاة مئات الأشخاص. على الرغم من العلامات التحذيرية والنشاط البركاني المتزايد، طمأنت السلطات السكان قائلةً إنه لا يوجد ما يستدعي القلق.
في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1985 اندلع البركان بشكل عنيف، ما أدى إلى ذوبان الأنهار الجليدية المحيطة وخلق تدفقًا هائلًا من الطين والحطام.
سُرعان ما اجتاحت هذه الانهيارات الأرضية مدينة أرميرو، متسببة في مقتل أكثر من 25,000 شخص في غضون دقائق. وكما وصفت ألما لاندينيز، البالغة من العمر 56 عامًا، التي نجت من الكارثة لوكالة فرانس برس فقد "كانت الأرض تهتز بانتظام، وغطت الرماد كل شيء، وتلوثت المياه تماماً، لكن مجلس المدينة قال إنه يجب تغطية فوهة البركان فقط".
لحظات من الكارثة..
عندما وصل المصور الصحفي فرانك فورنييه إلى مكان الحادث، كان عليه أن يضع أكياس الأرز على الأرض، واحدةً تلو الأخرى، ليتسنى له التحرك عبر الطين الذي غمر المنطقة.
أثناء محاولاته للعبور، صادف مجموعةً من عمال الإنقاذ التابعين للصليب الأحمر الذين كانوا يواجهون صعوبةً في إنقاذ فتاة مراهقة محاصرة بين الأنقاض. كانت الفتاة، أوميرا سانشيز، مغمورة في المياه الفاسدة حتى ذقنها، وقد تم التعرف عليها أخيرًا بعد محاولات عديدة من قبل فرق الإنقاذ.
صورة أوميرا سانشيز.. تجسيد المأساة الإنسانية
قضت أوميرا سانشيز ثلاثة أيام محاصرة بين الأنقاض، بينما كانت فرق الإنقاذ تكافح عبثًا لتحريرها، حيثُ توفيت الفتاة بعد حوالي 60 ساعة من المعاناة.
وكانت الصورة التي التقطها فرانك فورنييه لأوميرا مؤثرة بشكل عميق، إذ نقلت إلى العالم بأسره معاناتها المروعة في اللحظات الأخيرة من حياتها. كان لأوميرا نظرة مليئة بالألم والكرامة، والتي أثرت بشدة على كل من شاهد الصورة.
ويتذكر فرانك فورنييه البالغ من العمر 67 عامًا، والذي يعمل اليوم كصحفي مستقل، وهو الذي التقط الصورة الشهيرة لأوميرا سانشيز والتي فازت بجائزة "وورلد برس فوتو" في العام التالي، أن الفتاة كانت "شخصيةً لا تصدق".
وروى فورنييه: "لقد تحدثت إلى الأشخاص الذين حاولوا إنقاذها بكل احترام، وطلبت منهم العودة إلى منازلهم للراحة ثم العودة". بالنسبة له، كانت الصورة هي الوسيلة التي نقلت معاناة أوميرا بشكل مؤثر، ويضيف: "كانت النظرة في عينيها بمثابة هدية، لم أفعل شيئًا سوى حمل الكاميرا".
وكما ذكر فرانك لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بعد عقدين من الزمان على الكارثة المروعة: "كان المئات من الناس محاصرين في كل مكان، وكان رجال الإنقاذ يواجهون صعوبة في الوصول إليهم. كان بإمكاني سماع الناس يصرخون طلبًا للمساعدة ثم الصمت، صمت مخيف، لقد كان الأمر مخيفًا للغاية".
وقد ساعدت الصورة التي التقطها فورنييه في جذب الانتباه العالمي إلى كارثة أرميرو، مما أدى إلى جمع الأموال وتوفير المساعدات للمتضررين. بالرغم من الانتقادات، فإن الصورة أثبتت أنها كانت أداة قوية لزيادة الوعي ولتسليط الضوء على الأزمة الإنسانية التي كانت تواجهها المدينة كما روى فورنيه ذلك في الذكرى السنوية الخمسين لمسابقة "وورلد برس فوتو".