يُصادفُ اليوم الـ 15 من أغسطس/آب 2024 ذكرى عملية إنزال بروفانس في عام 1944، التي جرت بسواحل جنوب فرنسا بمشاركة كبيرة من جنود المشاة المغاربة من شمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، حيثُ كانت 80 بالمئة تحت اسم "الجيش ب" من هذه القوات من أصول أفريقية، إلا أن إنزال النورماندي لم يُسعف حضورها في الذاكرة.
وعملية إنزال بروفانس التي تُعرف أيضاً بعملية دراغون (Operation Dragoon)، هي الهجوم البرمائي الذي قادته قوات الحلفاء، وخاصة القوات الأمريكية والفرنسية ضد قوات المحور في جنوب فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. تم تنفيذ العملية في 15 أغسطس/آب 1944، بعد حوالي شهرين من إنزال النورماندي في شمال فرنسا، وكانت هذه العملية تهدف إلى فتح جبهة جديدة في فرنسا وتحرير جنوب البلاد بسرعة.
فما هي عملية إنزال بروفانس؟ وما هو دور الجنود المغاربة في هذه العملية؟ وكيف تم التعامل معهم بعد انتهاءها؟
ما هي عملية إنزال بروفانس؟
بحسب ما ذكره لنا موقع chemins de memoire كانت عملية إنزال بروفانس، التي أُطلق عليها اسم "دراغون"، تهدف إلى تثبيت العدو في موقعه وضمان السيطرة على موانئ البحر الأبيض المتوسط في منطقة بروفانس الفرنسية. وكانت هذه العملية جزءاً من استراتيجية الحلفاء لتخفيف الضغط عن الجبهة الغربية وتعزيز موقفهم في أوروبا وذلك من خلال تثبيت العدو في موقعه وتأمين الموانئ في المياه العميقة قبل حماية الجناح الأيمن للجيش الأمريكي الذي كان قد أنزل في نورماندي. وقد تأثرت استراتيجية الإنزال بوجود المياه الضحلة وتوزيع بطاريات العدو، ما شكل قيوداً على اختيار شواطئ الإنزال.
مُخطّط عمليّة الإنزال
كان يوم النصر مقرراً في الخامس عشر من أغسطس/أب 1944. قاد الجنرال البريطاني ويلسون مسرح العمليات في البحر الأبيض المتوسط في ذلك الوقت، بينما شكّل الجيش السابع للولايات المتحدة، تحت قيادة الجنرال باتش، الفيلق الاستكشافي. شمل هذا الجيش الفيلق السادس بقيادة الجنرال تروسكوت، وفرقة محمولة جواً بقيادة الجنرال فريدريك، إضافة إلى الجيش الفرنسي "ب" بقيادة الجنرال دي لاتر دي تاسيجني، الذي كان يتألف من جنود من أصول إفريقية من المغرب والجزائر وتونس ومعروفًا بحيويته ونشاطه كما وصفه لنا موقع mediaclip.
وصلت هذه القوة البرية على متن 600 سفينة نقل و1270 مركبة إنزال، محمية بـ 250 سفينة حربية، منها 14 فرنسية، تحت قيادة الأدميرال هيويت، بدعم من 2000 طائرة من القوات الجوية المتحالفة في البحر الأبيض المتوسط بقيادة الجنرال إيكر.
في الجانب الألماني، كانت الفرق الثمانية للجيش التاسع عشر، بقيادة الجنرال فايز ومقره في أفينيون، في حالة تأهب منذ الأسبوع الثاني من أغسطس/ آب 1944. تم التجميع الاستراتيجي للأسطول المتحالف قبالة ساحل كورسيكا، وبدأت السفن في الانتقال إلى جنوة لتضليل العدو قبل أن تتجه إلى ساحل بروفانس.
تقدم الحلفاء وتأمين الشواطئ
بمساعدة مقاتلي المقاومة المحليين، تمكن الحلفاء من تأمين طرق الوصول إلى مناطق الإنزال. عند الفجر، دمّر قصف جوي وبحري مكثف المواقع الألمانية التي كانت تحت سيطرة فرقة المشاة 242 بقيادة الفريق أول باسلر.
في الساعة الثامنة صباحاً من يوم 15 أغسطس/آب 1944،، بدأت موجات الهجوم من فرق المشاة الأمريكية الثالثة والسادسة والثلاثين والخامسة والأربعين في النزول على الشواطئ، بينما تواجد الجنود الفرنسيون من القيادة القتالية الأولى للجنرال سودر.
وبحلول المساء، تم إنشاء رأسي جسر على جانبي فريجوس. من بين حوالي 100000 جندي من قوات الحلفاء الذين نزلوا، قُتل أو فُقد حوالي ألف منهم. في اليوم التالي، نزلت معظم قوات الجيش ب، بما في ذلك الفرقة الفرنسية الحرة الأولى في كافالير والفرقة الجزائرية الثالثة للمشاة في لا فوكس، وبحلول 17 أغسطس، أنشأ الجنرال دي لاتر مركز قيادته في كوجولين.
جيش "ب" الذي يضمّ جنوداً مغاربة وتحرير فرنسا
وبحسب تقرير لـ "فرانس 24" فقد مثّل جيش "ب" الفرنسي ثلثي القوات التي شاركت في إنزال بروفانس، وهو في الواقع جيش أفريقيا. ووفقًا للمؤرخ جوليان فارجيتاس، يعود المصطلح إلى القرن التاسع عشر، ويشير إلى مجموع الجنود المتمركزين في شمال أفريقيا.
تركيبة جيش أفريقيا
كان يتألف هذا الجيش من مجموعة متنوعة من العناصر البشرية، بما في ذلك معمّرون فرنسيون ولدوا في مستعمرات مثل تونس والجزائر والمغرب، والذين عُرفوا لاحقاً بالأقدام السوداء.
إلى جانب هؤلاء الجنود، شمل جيش أفريقيا أيضاً "الجنود المسلمين"، كما كان يُطلق عليهم في ذلك الوقت. كانوا من المحاربين المحليين في البلدان المستعمرة، ويمتلكون صفة المحاربين الأصليين، لكنهم لم يكونوا يتمتعون بالجنسية الفرنسية. كانت هذه التركيبة تعكس تنوع الجيش وقدرته على تنفيذ مهام حاسمة في العملية العسكرية، بما في ذلك تحرير جنوب شرق فرنسا خلال إنزال بروفانس.
قوات استعمارية وجنود من أفريقيا جنوب الصحراء
وبحسب ذات المصدر فقد ضمّ جيش أفريقيا أيضاً قوات استعمارية كانت تُعرف بـ"الرماة السنغاليين"، وهم جنود جاؤوا من مناطق مختلفة في أفريقيا جنوب الصحراء. هؤلاء الجنود كانوا تحت الاستعمار ويحملون صفة "مقاتلي إينديجان"، أي المحاربين المحليين في مستعمراتهم. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك شباب من البر الفرنسي الذين عبروا إلى شمال أفريقيا بشكل سري خلال فترة الاحتلال الألماني.
لولا الجنود الأفارقة لما تمّت عملية إنزال بروفانس
وبينما شارك 250 ألف جندي فرنسي في إنزال بروفانس، كان 80% منهم من أصول أفريقية، سواء من شمال أفريقيا أو من المناطق الأخرى في القارة. كما يشير المؤرخ جوليان فارجيتاس، لولا هؤلاء الجنود الأفارقة، بغض النظر عن خلفياتهم وأصولهم، لما كان الجيش الفرنسي قادراً على المشاركة بفعالية في عملية إنزال بروفانس.
سحب الجنود الأفارقة واستبدالهم بشبان فرنسيين
وكما ذكر لنا تقرير "فرانس 24" فإنه في خريف 1944، قررت رئاسة الأركان الفرنسية سحب الجنود المتحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء من جيش أفريقيا واستبدالهم بشبان فرنسيين، معظمهم كانوا ينتمون إلى صفوف المقاومة الداخلية الفرنسية. هذا الإجراء، الذي يُعرف بعملية "التبييض"، كان يهدف إلى تقليص عدد الجنود الأفارقة في صفوف الجيش الفرنسي.
وبعد فترة قصيرة من إنزال بروفانس، تم إبعاد الجنود الأفارقة المحررين إلى مخيمات في جنوب فرنسا. في هذه المخيمات، عاشوا في ظروف صعبة وانتظروا عدة أشهر قبل أن يتم إرسالهم إلى غرب أفريقيا، حيثُ "تم سحبهم من الجبهة دون أي شكل من أشكال التقدير أو الاحتفال"، كما يشير المؤرخ جوليان فارجيتاس، وكان "هذا التجاهل كان بمثابة خيبة أمل لهؤلاء الجنود الذين ساهموا في تحقيق النصر، إذ لم يتم تكريمهم بالشكل المناسب"، حيثُ تعكسُ هذه الأفعال عدم الاعتراف بتضحياتهم وإنجازاتهم وفق قوله.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة "le monde" الفرنسية سيتمّ هذا العام تكريم الجنود الذين شاركوا في عملية الإنزال القادمين من المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا وأغلبهم من شمال إفريقيا في الحفل الذي سيقام في بولوريس، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي سيقع خلاله منح وسام جوقة الشرف لستة من قدامى المحاربين، خمسة فرنسيين وأجنبي واحد، وسيتم تكريم جنود من المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا بشكل خاص لدورهم في تحرير فرنسا.