اقتحم مئات المستوطنين، الثلاثاء 13 أغسطس/آب 2024، بمشاركة وزيرين إسرائيليين، باحات المسجد الأقصى المبارك، ورفعوا الأعلام الإسرائيلية مرددين أناشيد الاحتلال.
جاء ذلك تزامُناً مع ما يُعرف بذكرى "خراب الهيكل" تلبية لدعوات الجمعيات الاستيطانية، حيثُ قام المستوطنون اليهود خلالها بأداء طقوس تلمودية، ورفعوا العلم الإسرائيلي في باحات المسجد الأقصى، بحماية شرطة الاحتلال في وقت يشهد قطاع غزة حرباً منذ أشهر طويلة
ويعتقدُ اليهود أنّ "خراب الهيكل" هو ذكرى خراب المعبد اليهودي الأول والثاني "تيشا بآف"، يعتبره الإسرائيليون "يوما لتجديد العهد مع إزالة الأقصى من الوجود، وتأسيس الهيكل الثالث" حسب زعمهم، وتقتحم فيه جماعات المعبد المتطرفة المسجد الأقصى سنوياً.
فما هي ذكرى خراب الهيكل في المعتقد اليهودي؟ وكيف يستغل بعض اليهود المتطرفون هذه الذكرى للقيام بأنشطة استفزازية تجاه المسلمين والمرابطين في المسجد الأقصى؟
ما هو الهيكل المزعوم ؟
يُعتبر الهيكل في العقيدة اليهودية بيت الإله ومكان العبادة المقدس، فطوال الفترة ما بين عهد النبي موسى عليه السلام إلى عهد النبي سليمان عليه السلام، لم يكن لليهود مكان ثابت للعبادة المقدسة، حيثُ كانت لوحات الوصايا العشر تُحفظ داخل تابوت يُعرف باسم "تابوت العهد"، وخصصت لهذا التابوت خيمة أُطلق عليها اسم "خيمة الاجتماع". كانت هذه الخيمة ترافق اليهود في ترحالهم أينما ذهبوا، لتكون مركزًا متنقلًا لعبادتهم وتجسد علاقتهم بالله، بحسب تقرير لموقع "الجزيرة نت"
ووفقاُ للمزاعم اليهودية ذُكر أنّ الهيكل الأول بُني في عهد سليمان بن داود واكتمل في عام 957 قبل الميلاد. كان يتألف من ثلاث غرف: دهليز، الغرفة الرئيسية للخدمات الدينية، وقدس الأقداس، ثمّ دُمر هذا الهيكل الأول خلال الغزو البابلي في عام 586 قبل الميلاد.
وبعد عودة اليهود من المنفى في عام 538 قبل الميلاد، بنوا الهيكل الثاني الذي اكتمل في عام 515 قبل الميلاد. تم تدنيس الهيكل من قبل أنطيوخس الرابع في عام 167 قبل الميلاد، مما أدى إلى ثورة المكابيين التي أعادت تطهيره وتكريسه. في عام 54 قبل الميلاد، نهب ماركوس ليسينيوس كراسوس الهيكل.
فيما بعد، أعاد هيرودس الكبير بناءه وتوسيعه، واستمر البناء لمدة 46 عاماً. ومع اندلاع التمرد اليهودي في عام 66 بعد الميلاد، دمرت الجيوش الرومانية الهيكل في عام 70 بعد الميلاد، وتزعمُ الروايات اليهودية أنّ موقعه الحالي يقع فوق هضبة الحرم القدسي، حيث مكان المسجدين الإسلاميين، الأقصى وقبة الصخرة.
مزاعم الصهيونية وإحياء قصة الهيكل
ولم يُثر اليهود موضوع البحث عن هيكل سليمان وإعادة بنائه إلا في القرن التاسع عشر في طيات البحث عن مزاعم تاريخية للحق اليهودي بفلسطين تمهيداً لإصدار وعد بلفور الشهير الصادر من قبل حكومة الحرب البريطانيّة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1917، في حين تم إصدار الوعد فعلياً في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام والبدء في إقامة دولة قومية لهم على الأراضي الفلسطينية، فظهرت كتابات يهودية في كبريات الصحف الغربية تدعو إلى إعادة بناء الهيكل في فلسطين. ثم كانت أولى الخطوات العملية في هذا الاتجاه يوم 20/3/1918 حينما وصلت بعثة يهودية بقيادة حاييم وايزمن إلى القدس وقدمت طلبا إلى الحاكم العسكري البريطاني آنذاك الجنرال "ستورز" تطالبه بإنشاء جامعة عبرية في القدس وتسلّم حائط البراق (المبكى) في الحرم القدسي، إضافة إلى مشروع لتملك أراض في المدينة المقدسة.
وقد اتفق العديد من الباحثين اليهود والغربيين على هذه النتيجة، ما دفع بعضهم إلى القول بأن الهيكل ليس سوى قصة خرافية ولا وجود له في الواقع، من بين هؤلاء العلماء، يعتبر إسرائيل فلنتشتاين من جامعة تل أبيب من أبرز الذين يؤكدون هذا الرأي كما جاء في كتاب سليمان عليه السلام – النبي الملك، منصور عبد الحكيم (ص142)
الانتهاكات الإسرائيلية للأقصى بتعلّة الهيكل المزعوم
ثورة البراق (1929)
في عام 1929، شهدت فلسطين ثورة شعبية عارمة بعد أن أصبحت الحركة الوطنية الفلسطينية على علم بالمطالب الصهيونية كما ذكرت لنا وكالة الأنباء الفلسطينية. في ذلك العام، اندلعت مظاهرات عنيفة عندما حاول مجموعة من الصهاينة اقتحام المسجد الأقصى وإقامة احتفالات دينية عند حائط البراق، وأسفرت هذه المظاهرات عن تأسيس جمعية "حراسة المسجد الأقصى"، التي أنشأت فروعًا لها في معظم المدن الفلسطينية.
تعاون المسيحيون مع قادة الحركة الوطنية الفلسطينية في الدفاع عن الأراضي الفلسطينية. خلال هذه الفترة، انتُخبت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي المسيحي، التي قامت بعدة زيارات إلى الدول العربية والعواصم الأوروبية، لتحذّر من الخطر الذي يهدد المسجد الأقصى ومحاولات اليهود لبناء هيكل لهم على أنقاضه.
تقرير عصبة الأمم حول ملكية الحائط
في أعقاب الاضطرابات والتحركات السياسية التي شهدتها فلسطين، شكلت عصبة الأمم لجنة دولية للتحقيق في ملكية الحائط. نُشر تقرير اللجنة عام 1930، وأوضح أن الحائط وحق التصرف فيه، بالإضافة إلى المناطق المجاورة التي تم بحثها، يعود ملكها إلى المسلمين. جاء في التقرير أن الحائط هو ملك للمسلمين كونه جزءاً من الحرم الشريف، وأن الرصيف المحاذي للحائط، حيث يؤدي اليهود صلواتهم، هو أيضاً ملك للمسلمين.
حريق المسجد الأقصى
في 21 أغسطس/ آب 1969، اندلع حريق في المسجد الأقصى في إطار المحاولات اليهودية لهدمه وبناء هيكل سليمان مكانه. قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بقطع المياه عن منطقة الحرم ومنعت المواطنين العرب من الاقتراب من ساحاته. في تلك الأثناء، حاول أحد المتطرفين اليهود إشعال النار في المسجد الأقصى.
اندلعت النيران وألحقت أضراراً كبيرةً بالمسجد، حيث كادت النيران تلتهم قبته لولا جهود المسلمين الذين استمروا في إطفاء الحريق رغم قيود السلطات الإسرائيلية. أسفر الحريق عن تدمير منبر صلاح الدين، كما اشتعلت النيران في سطح المسجد الجنوبي وسقف ثلاثة أروقة.
المنظمات المتطرفة وخطط هدم المسجد الأقصى
توجد أكثر من 15 منظمة وجماعة دينية متطرفة، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، تهدف جميعها إلى هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان على أنقاضه. وتختلف هذه المنظمات في الوسائل التي تتبعها لتحقيق هدفها، وتنقسم إلى أربعة أقسام:
الأعمدة العشر
تدعو هذه النظرية إلى بناء عشرة أعمدة قرب الحائط الغربي للمسجد الأقصى، على أن يكون ارتفاعها مساوياً لارتفاع ساحة المسجد الحالية، ثم بناء "الهيكل الثالث" فوقها، وربطه بعمود مقدس يُعتقد أنه موجود في ساحة قبة الصخرة.
الشكل العمودي
تُطالب هذه النظرية ببناء الهيكل الثالث بشكل عمودي بالقرب من الحائط الغربي، ليصبح أعلى من المسجد الأقصى ويرتبط تلقائياً مع ساحة المسجد من الداخل.
الترانسفير العمراني
تقترح هذه النظرية حفر مقطع التفافي عميق حول مسجد قبة الصخرة لنقله خارج القدس وإقامة الهيكل على موقعه.
الهدم الكامل
تدعو هذه النظرية إلى هدم المسجد الأقصى بالكامل وبناء الهيكل على أنقاضه.
جماعة أمناء الهيكل
من أبرز الجماعات المتطرفة التي تسعى لإعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى هي جماعة "أمناء جبل الهيكل". بدأت هذه الجماعة عملها منذ عام 1967 بالحفر تحت البيوت والمدارس والمساجد المحيطة بالحرم بحثاً عن هيكل سليمان، وامتدت أعمالها إلى عام 1968 تحت المسجد الأقصى نفسه، حيث حفرت نفقًا طويلًا وعميقًا وأقامت داخله كنيسًا يهوديًا.
تصمم الجماعة نماذج للهيكل المزعوم وتروج لها بين اليهود والمسيحيين الأصوليين، الذين يرون في قيام إسرائيل عام 1948 تأكيدًا لنبوءات التوراة حول نهاية العالم وبداية مملكة جديدة مع المجيء الثاني للمسيح. ويشكل المسيحيون الأصوليون في الولايات المتحدة، بما فيهم رؤساء ووزراء سابقون، مصدرًا هامًا للدعم السياسي والمالي لأنشطة هذه الجماعة، ومن أبرز مموليها المليونير الأمريكي المسيحي الأصولي تيري رازنهوفر.
كما أنشأت الجماعة مدرستين تلموديتين بالقرب من حائط البراق لتدريب الطلاب على شعائر العبادة القربانية الخاصة بالهيكل، ومن أبرزها "معهد جبل الهيكل" (يشيفات هبايت) الذي يهدف إلى تسريع بناء الهيكل.
طقوس دينية استفزازية في ذكرى خراب الهيكل
يصر المتطرفون على اقتحام المسجد الأقصى المبارك في هذه المناسبة ويرفضون إحياءها في كنسهم فقط، حيثُ يعمدُ العديد من المستوطنين في أي اقتحام للمسجد الأقصى إلى دخوله حفاة لاعتقادهم بقداسته وأنه مكان الهيكل المزعوم، وأن الشريعة اليهودية حرّمت ارتداء النعال الجلدية في ما يسمونه "جبل الهيكل" بحسب ما جاء في موقع "الجزيرة نت".
لفائف الرثاء
من بين الانتهاكات اللافتة التي تم تسجيلها في المسجد الأقصى، إدخال وقراءة لفائف "الرثاء" اليهودية وهي أناشيد و أشعار التي تعبر عن الحزن والندم على تدمير مدينة القدس والهيكل الأول المزعوم عام 586 قبل الميلاد، تُعتبر هذه الخطوة استفزازية للغاية حيث يقوم بعض اليهود المتطرفون بإدخال هذه اللفائف إلى داخل المسجد وقراءتها كجزء من طقوسهم الدينية
الصلوات الصامتة
يقوم بعض المتطرفين اليهود بالدخول إلى باحات المسجد الأقصى وأداء صلوات صامتة، حيث يتظاهرون بأنهم يقومون بزيارات عادية، ولكنهم في الواقع يؤدون شعائر دينية خفية دون إصدار أصوات، ما يؤدي إلى استياء كبير بين المسلمين.
السجود الملحمي
يسعى المتطرفون اليهود إلى تطبيق الطقوس التلمودية في المسجد الأقصى، بما في ذلك أداء طقس الانبطاح المعروف بـ"السجود الملحمي"، وهذا الطقس لا يُسمح به إلا في هذا المكان حسب المعتقدات الدينية اليهودية.
وقد شهد المسجد الأقصى في ذكرى "خراب الهيكل" قيام بعض اليهود وأدى المستوطنين المتطرفين ا يُسمّى بـ"السجود الملحمي" وسط رقصات وغناء استفزازي داخل باحات المسجد، جاء ذلك أثناء مرور بن غفير أمامهم ما يُعتبر تصعيداً كبيراً مقارنة بالسنوات السابقة و"أكثر علانية وتطرف" كما نقلت مواقع إخبارية فلسطينية.
يُشار إلى أن هذا الاقتحام للمسجد الأقصى هو السادس لوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير منذ توليه منصبه أواخر عام 2022، وما يسمى بوزير شؤون النقب والجليل بتسحاك فاسرلوف حيثُ نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، عن مصادر محلية، بأن بن غفير وفاسرلوف اقتحما المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة، وتجولا بالساحة الشرقية، وبرفقتهم عدد كبير من عناصر شرطة الاحتلال.
كما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر المستوطنين وهم يرددون النشيد القومي الإسرائيلي خلال اقتحامهم المسجد الأقصى.
وأثارت الاقتحامات وما تخللها من انتهاكات وأداء طقوس تلمودية غضب كافة المستويات الوطنية والدينية والسياسية في القدس التي أجمعت على أن سلطات الاحتلال تستغل العدوان المستمر على غزة منذ أكثر من 10 أشهر من أجل تحقيق مكاسب جديدة في أولى القبلتين.