طيلة وقوعها تحت حكم "رابطة عوامي" العلمانية عاشت بنغلاديش في ظروف صعبة، حيثُ تجددت الاحتجاجات في أنحاء بنغلاديش منذ الأحد 4 أغسطس/آب 2024 وذلك بعد حظر الحكومة حزب الجماعة الإسلامية المعارض وجناحه الطلابي.
وتأسست رابطة عوامي سنة 1946 كحزب علماني في بنغلاديش، وسعت منذ صعودها إلى السلطة إلى تبني سياسات معادية للإسلام تستهدف بشكل مباشر الهوية الإسلامية في البلاد، وتحت قيادة هذا الحزب، شهدت البلاد تغييرات جذرية تهدف إلى تقويض القيم والمبادئ الإسلامية، بما في ذلك إلغاء الرموز الإسلامية من الدستور وتطبيق سياسات علمانية بشكل صارم.
في النهاية، أدت هذه السياسات إلى تفجر الأوضاع السياسية في بنغلاديش، حيث خرج الشعب في ثورة عارمة ضد حكم رابطة عوامي. ونتيجة للضغوط المتزايدة والاحتجاجات الجماهيرية، وجدت رئيسة الوزراء، حسينة واجد، نفسها في موقف دفعها إلى الهروب إلى الهند طلباً للملاذ الآمن، وبالتالي فقدت الحكومة سيطرتها على البلاد، وهو ما يعكس فشل السياسات القمعية في الحفاظ على السلطة واستقرار الحكم.
ما قبل إنشاء رابطة عوامي
في أربعينيات القرن الماضي، ومع تصاعًد الحصار السلمي للمقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي في شبه القارة الهندية (الهند وباكستان وكشمير)، اضطرت بريطانيا إلى الانسحاب. لكن قبل رحيلها، سعت إلى ضمان استمرار نفوذها من خلال ترتيب الأوضاع في المنطقة. لتحقيق ذلك، اتخذت بريطانيا خطوتين رئيسيتين:
تقسيم شبه القارة الهندية: بحسب ما ذكرت لنا موسوعة britannica فقد قسّمت بريطانيا شبه القارة الهندية إلى دولتين: الهند وباكستان، حيث كانت بنغلاديش جزءاً من باكستان في البداية. كما اعتمدت بريطانيا على زرع بذور الشقاق والعداء بين هذه الكيانات لضمان استمرار الضعف والتنازع بينها، ما يسهل عليها الحفاظ على نفوذها عبر وكلائها من الخارج.
تمكين الهندوسية: سلمت بريطانيا مقاليد المنطقة إلى الهند، حيث تعاونت الهند مع الغرب وبريطانيا لتنفيذ مخطط متكامل يهدف إلى تعزيز الهندوسية في المنطقة، مقابل حصار الإسلام والضغط عليه من حيث الهوية والفكر والثقافة، ومحاولة القضاء عليه.
في مساء 15 أغسطس/آب عام 1947، صدر قرار التقسيم عن الإمبراطورية البريطانية، والذي أدى إلى إنشاء دولتين مستقلتين: الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان المسلمة. في ذلك الوقت، كانت باكستان تتكون من منطقتين منفصلتين: جمهورية باكستان الإسلامية وجمهورية بنغلاديش الشعبية (المسلمة).
أسفر هذا التقسيم عن نزوح ما بين 15 إلى 20 مليون مسلم من الهند إلى باكستان بحسب ما جاء في الموسوعة، مما سبب أزمة كبيرة للمهاجرين الجدد.
في الوقت نفسه، عملت الهند، بدعم وتخطيط من بريطانيا والغرب، على تأجيج الخلافات الدينية والطائفية لتعزيز إضعاف المسلمين وتعزيز سيطرتها على المنطقة.
استمر النزاع بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير بعد تقسيم شبه القارة الهندية. تُسيطر الهند على الجزء الأكبر من الإقليم، ولكنها ترفض تنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي ينص على إجراء استفتاء لتقرير المصير. لم تمارس الأمم المتحدة أو النظام الدولي الضغط اللازم على الهند لتنفيذ هذا القرار، ما أدى إلى استمرار الصراع وارتفاع تكلفة النزاع على مسلمي كشمير، الذين يعانون من عدم الاستقرار.
من جهة أخرى، حرص الغرب على تعزيز وجود حكومة موالية له في بنغلاديش عبر الهند. لتلبية هذا الهدف، تم تشكيل "رابطة عوامي"، التي تضم أربعة أحزاب علمانية معارضة للإسلام وقد قادت هذه الرابطة حسينة واجد.
رابطة عوامي والصراع مع الجماعة الإسلامية
في عام 1971، شهدت بنغلاديش حرباً طاحنة أدت إلى استقلالها عن باكستان بعد صراع دام لعدة أشهر بين الانفصاليين والحكومة الباكستانية كما حدّثنا عن ذلك موقع national archives. خلال هذه الفترة، كانت الجماعة الإسلامية من بين المؤيدين للوحدة مع باكستان، ما أدّى إلى تعرضها للبطش والاضطهاد.
وفي السادس من يناير/كانون الثاني 2009، تولت الشيخة حسينة رئاسة الوزراء بعد فوز حزب رابطة عوامي في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2008. وكان حزبها قد حقق انتصاراً كبيراً في الانتخابات، مما مكنها من استعادة منصبها كرئيسة للحكومة.
في عام 2014، قاطع الحزب الوطني البنغالي وجماعات المعارضة الأخرى الانتخابات البرلمانية، مشيرين إلى مخاوف من عدم نزاهتها. على إثر ذلك، فاز حزب رابطة عوامي بشكل ساحق في الانتخابات التي أُجريت في السادس من يناير/كانون الثاني 2014، وأدت الشيخة حسينة اليمين الدستورية كرئيسة للحكومة للمرة الثالثة.
وخلال فترة حكم حسينة واجد، اعتُقل العديد من أعضاء المعارضة، وقد تم اعتقال جميع الأعضاء البارزين في الجماعة الإسلامية، ووُجهت إليهم تهم ارتكاب جرائم حرب تعود إلى حرب الاستقلال عن باكستان في عام 1971، حيثُ أُعدم خمسة من كبار قادة الجماعة شنقًا، بينما قُتل مئات من ناشطيها وسُجن عشرات الآلاف بعد مظاهرات احتجاجية على هذه الإعدامات، غير أن المحكمة التي أنشأتها سلطات بنغلاديش لجرائم الحرب لم تجد تأييدا من الأمم المتحدة رغم اسمها الذي يوحي بذلك بحسب ما جاء في موقع "الجزيرة نت".
في إطار الحملة الشعواء ضد العمل الإسلامي وقادته، تم اعتقال غلام أعظم، مؤسس الجماعة الإسلامية، يوم 11 يناير/كانون الثاني 2012 وعمره وقتها نحو 89 عاما. وُجهت إليه 62 تهمة ملفقة بارتكاب جرائم حرب خلال حرب استقلال بنغلادش عام 1971م. وُضع غلام أعظم في زنزانة انفرادية، رغم مرضه الشديد، دون أي رعاية أو علاج مناسب وعاش أيامه الأخيرة في عزل تام، حتى لقي الله، رحمه الله.
فقد نفذت الحكومة البنغالية، بقيادة حزب رابطة عوامي، مخططًا لاستئصال قادة الجماعة الإسلامية وكوادرها الفاعلة بتهمة مقاومتهم لاستقلال بنغلاديش، وكان هدف الحكومة واضحًا في القضاء على الهوية والقوى الإسلامية والوطنية.
سياسة علمنة التعليم والقوانين من رابطة عوامي
تحت قيادة رابطة عوامي، شهدت بنغلاديش العديد من الأحداث والتقلبات التي كانت تستهدف بشكل مباشر الهوية الإسلامية، من خلال سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى اقتلاع الإسلام من الحياة العامة، ومن أبرز هذه الإجراءات:
شطب "بسم الله الرحمن الرحيم" من مقدمة الدستور: هذا التعديل أُزيل إشارةً إلى الهوية الإسلامية من الوثيقة الأساسية للبلاد.
إلغاء مبادئ الإيمان والثقة بالله والعدالة الاجتماعية من الدستور: تم استبدال هذه المبادئ بالعلمانية والاشتراكية، ما يعكس تحولاً جذرياً في الأسس التي كان يقوم عليها الدستور.
حظر كافة الأحزاب الإسلامية: تم إلغاء جميع الأحزاب السياسية التي تمثل القيم الإسلامية، مما حرم الإسلاميين من المشاركة السياسية.
تجاهل الروابط الأخوية مع الدول الإسلامية: لم تلتزم الحكومة بمواصلة الروابط التاريخية والأخوية مع الدول الإسلامية، ما أثر على العلاقات الدولية للبلاد.