عانت شعوبنا العربية من وطأة المستعمر لسنوات عديدة، حيث تكالبت القوى الفاعلة الإقليمية والعالمية على الموقع الجغرافي الاستراتيجي للوطن العربي؛ طمعاً في خيراته وثرواته، بدأت باجتياحات المغول ثم الحملات الصليبية ثم الاستعمار الأوروبي الحديث، ثم قيام إسرائيل على أرض فلسطين والذي ما يزال مستمراً إلى اليوم منذ 1948.
نستعرض لكم في هذه المادة مجموعة من الكتب والمؤلفات التي أرّخت لهذه الاحتلالات ووثّقت انتهاكاتها بحق شعوب المنطقة:
كتاب "عارنا في الجزائر"
الكتاب الأول في قائمتنا من تأليف جان-بول شارل إيمارد سارتر الذي ولد في الـ21 من يونيو/حزيران سنة 1905 بباريس، ويعتبر سارتر من أشهر الفلاسفة والروائيين والكتّاب في فرنسا.
بدأ حياته العملية أستاذاً بعد أن درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية حين احتلّت ألمانيا النازيّة فرنسا، انخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السِرّية. وقد عرِف بغزارة إنتاجاته وأعماله الأدبية وفلسفته الوجودية، ويأتي في المقام الثاني التحاقه السياسى باليسار المتطرِّف.
يعرف سارتر حق المعرفة أن فرنسا التي تدّعي أنها بلد الحريّة وحقوق الإنسان، تحوّلت لوحش يأتي على الأخضر واليابس خلال استعمارها للجزائر، وبعد أن كان مدافعاً محباً لبلاده، حيث قاوم النازية وشارك في الحرب العالمية الثانية، أصبحت له رؤية مغايرة لأوروبا؛ لما عاينه من جرائم في حقّ الشعب الجزائري.
فكان مؤلفه كتاب "عارنا في الجزائر"، الذي يتناول فيه جان بول سارتر حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر، الجمرة التي صبّ جام غضبه فيها مندّداً من خلاله بجرائم الاستعمار الفرنسي في البلاد، وموثقاً بالأرقام الانتهاكات التي ارتكبها المستعمر وانعكاسها على المجتمع والحريات.
فهو الرجل الفرنسي الذي أمضى "البيان 121" المؤيّد للثّورة الجزائرية، ورفض تسلّم جائزة نوبل للآداب (1964).
تعرّض جراء مواقفه الشجاعة تلك للاعتقال والمحاكمة، كما تمّت مصادرة مجلته "الأزمنة المعاصرة"، واعتدي على منزله من قبل المنظمة السرية الفرنسية أكثر من مرّة. ولقّبه الجزائريون بـ"صديق الجزائر".
ويعتبر المؤرخون الكتاب خير مجسّد للتعهد بالقضايا العادلة، فقد كتب مثلاً عن سياسة الإصلاحات التي كانت تزمع الإدارة الاستعمارية انتهاجها، كبديل عن الدعوى للاستقلال: "حقاً، إن أغلبية الجزائريين يعيشون عيشة ضنكاً، وفي فقر مدقع… لا يمكن لتلك الإصلاحات أن تتمّ على أيد المستعمرين (الصّالحين+، ولا على يد فرنسا نفسها، ما دامت وجهتها هي السّيادة على الجزائر، وإنه لن ينهض بها إلا الشعب الجزائري نفسه، حين يظفر بحريته، ويكون مستقلاً استقلالاً، لا تشوبه شائبة…".
ينحاز سارتر في كتابه بشكل مباشر إلى حلّ استقلال الجزائر الذي لا بديل له أمام المحتلّ، "إذا كنا نريد أن نوقف هذه الأعمال الإجرامية، التي تنفر منها الإنسانية، وأن ننتشل فرنسا من وصمة العار، وننقذ الجزائريين من هذا العذاب الوحشي"، وفق تعبيره.
كما اعتبر سارتر الصّمت عن جرائم الاستعمار، تواطؤاً من كل حرّ، "ولكن ما الفارق بيننا وبين هؤلاء الساديين؟ لا شيء ما دمنا نسكت عن جرائمهم"، حيث كان على قدر عالٍ من المسؤولية الأخلاقية تجاه فضح سياسات الاستعمار.
كتاب "استعمار مصر" لتيموثي ميشيل
الكتاب الثاني الذي نقترحه عليكم، من تأليف تيموثي ميشيل، العالم السياسي البريطاني الدارس لتطورات العالم العربي. حصل على الماجستير من جامعة كمبريدج عام ،1977 والدكتوراه من جامعة برنستون عام 1984. كما أنه أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا، فضلاً عن أنه مدرس سابق للعلوم السياسية بجامعة نيويورك.
اختار ميشيل التعمق في تاريخ الشرق الأوسط واللغة العربية، وقضى ثلاث سنوات في الدراسة والبحث بالقاهرة.
وقد نشر مؤلفه "استعمار مصر" ضمن مطبوعات جامعة كاليفورنيا عام 1991، ونشرته "سينا للنشر والترجمة العربية" عام 1998، تحت ترجمة بشير السباعي.
الكتاب عبارة عن دراسة لعملية استعمار بريطانيا لمصر عام 1882، ولا يشير تيموثي في كتابه إلى الأحداث التي حصلت كمجرد واقع استعماري أوروبي، بل يشرح لنا تطور المناهج الاستعمارية للسلط السياسية في ذلك العصر.
حيث يعرض الكتاب في قرابة 260 صفحة مقسّمة إلى ستة فصول، أوجه العقلية الاستعمارية التي سادت في الغرب وفي الشرق على حد سواء.
ومن أهم القضايا التي يتطرق إليها تيموثي، قضية العقلية الاستيعابية للجماعة الثقافية في مصر، وكيف أن بعض تلك الشخصيات كانت حتى في طرحها الاستقلالي أبواقاً للعقلية الاستعمارية للغرب.
كتاب "الاستعمار الإسباني في المغرب"
في كتابه "الاستعمار الإسباني في المغرب.. المقاومة المسلّحة والنضال الإصلاحي والسياسي الوطني"، الذي صدرت طبعة جديدة منه حديثاً عن "مؤسسة الشهيد امحمد أحمد ابن عبود" و"جمعية تطوان سمير"، يكشف لنا الباحث المغربي عبد العزيز السعود مواقف إنجلترا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا باعتبارها القوى الأساسية التي كانت لها أطماع في المغرب.
يوضّح لنا السعود في مؤلفه المتكون من ستة فصول، الفصل الأوّل منها بعنوان "التسرب الاستعماري الإسباني في المغرب"، مدى خشية الإسبان عقب احتلال فرنسا للجزائر من تزايد نفوذها في المغرب، يأتي ذلك خاصة إثر تراجع الوجود العثماني في شمال أفريقيا، لتفضي التنازعات الغربية حول المغرب إلى تقسيمها إلى عدة مناطق في معاهدة فاس عام 1912، حيث صارت منطقة الريف والصحراء تحت الحماية الإسبانية،ةفي حين أصبحت المنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية، أمّا مدينة طنجة فقد خضعت لحماية دولية.
أمّا الفصل الثاني من كتابه، فقد ركّز فيه على "سياسة الاستقطاب والسياسة الأهلية لإسبانيا"، في حين يقارب بالفصل الثالث بين تكوين جيش إسبانيا والكتابات العسكرية الإسبانية، ويتطرق الفصل الرابع "تطبيع الاحتلال الاستعماري"، إلى تطوّر الأحداث بعد انقلاب فرانكو وإعلان الجمهورية الإسبانية وانعكاس ذلك على المغرب، ويبحث الفصل الخامس "السياسة العامة لفرانكو في المغرب"، الأوضاع بعد الحرب العالمية الثانية، ويوضّح الفصل السادس "التحولات المركبة في الاستغلال الاستعماري"، كيف تلاعب الإسبان بالديموغرافيا ونشاط المغاربة.
وعن القسم الثاني فهو يضمّ سبعة فصول، هي: "المقاومة المسلحة في الريف"، و"حروب الريف التحريرية"، و"التحالف الفرنسي الإسباني ضد الأمير الخطابي"، و"المقاومة في الناحية الغربية من الريف (غمارة وحبالة)"، و"زعيم جبالة الشريف أحمد الريسوني"، و"مقاومة الاحتلال الإسباني"، و"علاقة الريسوني بالقوى المتكالبة بالمقاومة الريفية".
كتاب عبد العزيز الثعالبي "تونس الشهيدة"
وُلد مؤلف كتاب "تونس الشهيدة"، عبد العزيز الثعالبي، في 5 سبتمبر/أيلول 1876، ويعدّ أبرز قادة التحرير التونسيين، فهو ليس مؤسس الحزب الحرّ الدستوري التونسي ومؤلف كتاب "تونس الشهيدة" فحسب، بل كان مناضلاً ضد فرنسا، عانى في سجونها ومنافيها، وساهم في نشر القضية التونسية واستقلال تونس في عديد من البلدان حول العالم.
ودرس عبد العزيز الثعالبي في جامعة الزيتونة بالمدينة العتيقة بتونس، ثم واصل دراسته بالمدرسة الخلدونية، والتحق بالعمل السياسي مبكراً، حيث أنشأ سنة 1896 الحزب الوطني الإسلامي الذي كان يدعو إلى الوحدة وتحرير العالم العربي، ثم انخرط بعد ذلك في حزب "تونس الفتاة" الذي كان نضاله متصلاً بالحركة الإسلامية التي كانت تنادي بالتحرر في نطاق الجامعة الإسلامية. وقد أزعجت هذه الحركة فرنسا وسببت لها كثيراً من المتاعب، فحلَّت الحزب سنة 1911م وشتَّتت شمل القائمين به.
في وصفه لكتاب "تونس الشهيدة"، يذكر موقع museum with no frontiers أنّ الكتاب صدر في بادئ الأمر باللغة الفرنسية، ونشر بباريس في يناير/كانون الثاني 1920، حيث قام بنشره عبد العزيز الثعالبي بعد وصوله إلى باريس في 10 يوليو/تموز 1919.
ورغم أن الكتاب المنشور لا يحمل اسمه، فقد اعترف الثعالبي بأنه كتبه باللغة العربية، كما يتبين من التقارير المرسلة من تونس من قبل القادة المستقبليين لحزب الدستور. ولأنه لم يكن قادراً على الكتابة باللغة الفرنسية، طلب من صديقه أحمد السقا، المحامي المقيم في باريس، أن يترجم الكتاب إلى الفرنسية.
وبعد أشهر قليلة من نشر كتاب "تونس الشهيدة "، صدرت مذكرة توقيف بحق عبد العزيز الثعالبي. اعتقل في 28 يوليو/تموز 1920 بباريس، ونُقل بمرافقة إلى تونس، حيث تم نقله إلى السجن العسكري، ووجهت إليه تهمة المساس بالأمن الوطني.
يقوم الكتاب على وصف الوضع العام لتونس في ظل الاحتلال الفرنسي، وهو موجه بالأساس للرأي العام في فرنسا، فقد عرض الثعالبي معاناة الشعب التونسي في فترة من فترات الاستعمار، وكشف عن تردّي الوضع، مستنداً إلى أرقام من مصادر فرنسية أساساً، وهو ما لا يدع أي مجال للشكّ في صحّة الأحداث وحقيقتها.
يجزئ الثعالبي في مؤلفه الحقبة الاستعمارية في البلاد التونسية إلى قسمين اثنين: قسم ما بين 1881 إلى 1920، حيث كانت الحركة الوطنية تناضل تحت عناوين كثيرة، وقسم ما بين 1920 إلى 1956، حيث باتت للحركة الوطنية نصوص تأسيسية ومطالب توافقية وتمثّل محدّد لطبيعة الصراع مع الاحتلال.
وهو كتاب يقوم على إحداث المفارقة بين المبادئ والسياسات، بين فرنسا الداخل وفرنسا الخارج، بين فرنسا التاريخ والثورة وفرنسا الحاضر والاستعمار، مؤكداً أن جل ما تقوم به حكومات الحماية الفرنسية، بداية من المقيم العام إلى أبسط موظف فرنسي، إنما هو شديد التناقض مع المبادئ الحداثية للعالم الحر.
"الإبادة الجماعية في ليبيا: الشرّ، تاريخ استعماري مخفي"
يُنسب الكتاب إلى الباحث الليبي علي عبد اللطيف حميدة (1953)، والصادرة ترجمته عن "مجمع ليبيا للدراسات المتقدّمة" و"مؤسسة كلام للبحوث والإعلام"، بتوقيع المترجِم محمد زاهي بشير المغيربي.
وفي لقائه مع إحدى المؤسسات البحثية الليبية، صرّح حميدة بأن كتابة مؤلفه استغرقت منه 20 عاماً، بداية من العام 2000، باعتبار أن التاريخ الليبي جمع ودرس في فترة طويلة، خصوصاً تاريخ الجهاد في المرحلة الاستعمارية 1911-1943 .
كما لفت إلى أن قضية المعتقلات كانت جزءاً من التاريخ الاستعماري بليبيا في الفترة من 1911 إلى 1931، قبل الهزيمة العسكرية للمقاومة واستشهاد المجاهد عمر المختار وهجرة آلاف الليبيين إلى دول المغرب العربي، ومصر والسودان والشام وتركيا.
وأشار إلى عدم إتاحة الأرشيف الإيطالي لوثائقه أمام الباحثين والأكاديميين. بعد تلك المرحلة توجّه إلى الشرق الليبي، وهناك أجرى أكثر من 220 مقابلة، ثم قادته العملية البحثية إلى اكتشاف آلاف المقابر الجماعية، واجداً نفسه أمام "حرب إبادة".
ويحضر الكتاب إلى أذهاننا عمليات الإبادة في ليبيا من قبل المعتقلات الإيطالية الفاشية، حيث أطلقت على تلك السنوات تسمية "سنوات الشر". كما ارتكز الباحث بمادته على جمع الشهادات الشفهية للناجين الليبيين، وربطها بقراءة مقارِنة مع الدراسات الاستعمارية ودراسات الإبادة الجماعية.
للتاريخ الشفوي الشعبي حيّز كبير في منهجية الكتاب، سجّلت فيه أدقّ التفاصيل، منها قصيدة "ما بي مرض غير دار العقيلة"، التي تصف بدقّةٍ ما حصل في "معسكر العقيلة"، غرب مدينة أجدابيا، أو عبر القصص المتوارثة ممّن عايشوا الأحداث.
يُشار إلى أنّ لعلي عبد اللطيف حميدة دراسات أُخرى حول الحقبة الاستعمارية في ليبيا، من بينها: "المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا" (1994)، و"الأصوات المهمّشة: الخضوع والعصيان في ليبيا أثناء الاستعمار وبعده" (2005)، و"جسور عبر الصحراء: التأثير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لطرق تجارة القوافل عبر الصحراء".
موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"
هي موسوعة من نتاج الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمة الله عليه، وهو مفكر عربي إسلامي وأستاذ غير متفرغ بكلية البنات جامعة عين شمس، وحاصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا)، ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رتجرز Rutgers.
يعدّ المسيري من أبرز المتخصصين في تاريخ الحركة الصهيونية والقضية الفلسطينية ودراسات الأدب والحداثة والفلسفة المعاصرة، ساهم في إثراء المكتبة العربية بعشرات المؤلفات، أبرزها "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد" التي استغرقت ربع قرن في إعدادها، وتصنف من أهم الموسوعات العربية في القرن العشرين.
يؤرخ المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" لهجرة الجماعات اليهودية، ويشرح على وجه الدقّة انتشارهم منذ العصور القديمة حتى العصر الحديث، وعلاقة أفراد الجماعات اليهودية بالمجتمعات التي عاشوا فيها والظروف التي كانت محيطة بهم.. يحدّثنا عن ثقافتهم وتراثهم وأحوال التربية والتعليم لديهم. كما يعدّد لنا أعلامهم ومدارسهم وحاخاماتهم التي شكّلت سماتهم الأساسية على غرار "موسى بن ميمون".
كما جاء على ذكر فرقهم وكتبهم الدينية وتأثرهم بالديانات المختلفة وتوسّع حركتهم الصهيونية في فلسطين.
ويشدّد المسيري في مؤلفه، على ضرورة التفطّن إلى المصطلحات التي استخدمها اليهود من تراثهم الديني ووظّفوها لخدمة الصهيونية، من قبيل "معاداة السامية" و"الأرض الموعودة" و"شعب الله المختار" .
حيث يلحظ المطلع على الموسوعة استبعاد مصطلحات معيّنة مثل "الشعب اليهودي"، الذي يفترض أن اليهود يشكلون وحدة عرقية ودينية وحضارية متكاملة، وحل محله مصطلح "الجماعات اليهودية"، الذي يعبّر عن حقيقة أن اليهود لم يكونوا قط شعباً واحداً.