منذ بداية حربه على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل، صعّد جيش الاحتلال والمستوطنين من اقتحاماتهم واعتداءاتهم على الفلسطينيين في الضفة، بالتوازي مع جرائمه في غزة، إذ لا يكاد يمر يومٌ دون مشاهدة جنود الاحتلال وهم يقتحمون مناطق في الضفة الغربية، ومن بين تلك المناطق التي شهدت اقتحاماتٍ واسعة ومتكررة، مدينة طولكرم الواقعة شمال الضفة الغربية.
فمدينة طولكرم التي تُعد مركزاً للواء طولكرم، والتي ارتفع عدد سكانها من نحو 30 ألف نسمة عام 1987، إلى نحو 198 ألفاً بنهاية عام 2021، تُعد واحدةً من أهم وأبرز المدن الفلسطينية، فما هو تاريخها؟
تاريخ مدينة طولكرم وأصل تسميتها
تقع مدينة طولكرم في الوسط الغربي من فلسطين التاريخية، بالضبط في شمال الضفة الغربية، وهي بذلك تتميز بموقعها على الحد الفاصل بين الطبيعة السهلية الساحلية الخصبة الواقعة غرب المدينة، والأراضي الجبلية التي تمتد للشرق من المدينة.
ويعود تاريخ المدينة إلى آلاف السنين، إذ تشير الآثار التي عثر عليها إلى تجمعات سكنية من العصور البيزنطية والرومانية والكنعانية، كما أن أقدم الشواهد الأثرية التي تمَّ التعرف عليها في طولكرم تعود لفترة العصر الحجري النحاسي (4500-3200 قبل الميلاد).
وفقاً لمقالٍ لوكالة الأنباء الفلسطينية، فإنّ أقدم تاريخ لمدينة طولكرم يعود إلى العصر الروماني، وبالتحديد إلى القرن الثالث الميلادي، وقد عرفت آنذاك باسم بيرات سوريقا Berat Soraqa وتعني "بئر كرم مختار".
أما في العصر الكنعاني فكان يطلق عليها اسم "تل- كرمتة العنب"، وسميت طور كرم في العصر الأموي، ومعناها جبل العنب، ثم حرّفت إلى اسمها الحالي طولكرم.
ويُرجع المؤرخون أصول سكان طولكرم والمناطق المجاورة لها إلى "بني بهراء" من قبيلة "قضاعة"، وهي إحدى القبائل العربية التي نزلت المنطقة قبل الإسلام، ومنها المقداد بن الأسود، أحد صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
إذ عاشت المدينة تاريخها الإسلامي مبكراً بعد عام 636 للميلاد، وعثر على شواهد كثيرة تعود للفترة الأموية.
كما ورد ذكرها في العصر المملوكي، ففي القرن الثالث عشر الميلادي أقطع الظاهر بيبرس سلطان المماليك طولكرم مناصفة لقائديه الأمير بدر الدين بيبليك الخازندار، والأمير بدر الدين الشمس الصالحي.
وفي التاريخ الحديث، ظلت طولكرم قرية صغيرة مساحة وسكاناً، حتى صارت عام 1892 عاصمة بني صعب إبان الفترة العثمانية، وساعد خط سكة الحديد الممتد من الساحل غرباً ونحو الداخل وسوريا شرقاً على نمو المدينة وتطورها، إذ كانت المدينة ملتقى الطرق التجارية بين الشام ومصر.
وفي عام 1918 خضعت طولكرم للانتداب البريطاني، ثم صودرت مساحات واسعة من أراضيها لصالح الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1948.
وقبل ذلك، كانت مدينة طولكرم بمثابة الشرارة التي أشعلت الثورة الفلسطينية الكبرى، إذ بدأ أول أحداث تلك الثورة من هذه المدينة، وأثناء ذلك قُتل اثنان من اليهود وأُصيب ثالث خلال هجوم على مركبتهم في طولكرم بتاريخ 15 أبريل/نيسان 1936.
احتُلت عام 1967 وحاصرتها إسرائيل بالمستوطنات
وفي أعقاب نكبة عام 1948، هاجر الآلاف من المواطنين والتجار إلى مدينة طولكرم واستقروا في مخيم نور شمس المجاور، وظلت مدينة طولكرم خلال الفترة من العام 1948 إلى نكسة 1967، مركزاً لقضاء "لواء طولكرم"، وكانت تتبعها إدارياً 42 قرية، وبعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية خلال حرب يونيو/حزيران عام 1967 نزح قسم كبير من سكان مدينة طولكرم منها، وبدأ الانتشار الاستيطاني على أراضيها.
وفي عام 1995 وبعد اتفاق أوسلو، انسحب الاحتلال الإسرائيلي من المدينة، وخضعت للسلطة الفلسطينية، لكن أعيد احتلالها بعد اجتياح 2003 قبل أن تنحسب منها.
لكن الاحتلال خنق المدينة بالاستيطان، إذ تشكل المستوطنات الملتفة حول طولكرم سواراً يطوِّق المدينة وسكانها، حيث أقامت إسرائيل أكثر من 25 مستوطنة، أغلبها مستعمرات سكنية وتعاونية (كيبوتز) حول المدينة.
مدينة العلم والعلماء
اشتهرت مدينة طولكرم بأنها من أكثر مدن فلسطين حباً وتشجيعاً للعلم، والعلماء، فظهر من أهل المدينة عدد من الشعراء والأدباء والعلماء ومن أهمهم على سبيل المثال: العالم الجليل الشيخ سعيد الكرمي، والشاعر الفحل حسن الكرمي، والشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، والشاعر المرحوم جمال توفيق محمود، ورجل القانون المعروف الدكتور محمد خليل عميد كلية الحقوق سابقاً في الجامعة الأمريكية في بيروت، وعالم الرياضيات والفيزياء المعروف الدكتور حلمي مارة، الذي شارك في مؤتمر عالمي للذرة عام 1946، والمؤرخ الدكتور محمد زايد عميد كلية التاريخ في الجامعة الأمريكية ببيروت سابقاً.
كما كانت مدينة طولكرم من أوائل المدن الفلسطينية والعربية في مجال التعليم، فقد تأسست أول مدرسة في طولكرم، وهي مدرسة طولكرم الابتدائية في العام 1885م، وفي نهاية الانتداب البريطاني كان يوجد في طولكرم مدرستان للبنين، واحدة ابتدائية والأخرى قانونية، بالإضافة إلى مدرسة ابتدائية للبنات، كما أن هناك مدرسة الخضوري الزراعية، التي تُعد من أهم المدارس المختصة في ذلك الوقت.
ويوجد حالياً في المدينة 8 مدارس للذكور ومثلها للإناث، و4 مدارس مختلطة تدرّ آلاف الطلبة والطالبات.