في ليلة الرابع عشر-الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول 1953، أغارت وحدات عسكرية إسرائيلية تابعة للقوات الخاصة 101 وكتيبة المظليين 890، على قرية قبية الفلسطينية؛ ليرتكبوا واحدة من أبشع المجازر في حق سكانها، فما الذي نعرفه عن مجزرة قبية؟
مجزرة قبية عندما كانت تحت الإدارة الأردنية
القصة من أولها بدأت عندما قام فدائيون فلسطينيون يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول 1953، بالتسلل من الحدود الأردنية ووصلوا إلى مستوطنة "يهود"، فألقوا قنبلة داخلها قتلت اثنين وأصابت شخصاً ثالثاً.
في اليوم التالي، قرر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي حينها ديفيد بن غوريون وحكومته تنفيذ عملية انتقامية ضد سكان قرية قبية المدنيين، والسبب أن الفدائيين الفلسطينيين كانوا قد مروا من خلال هذه القرية في طريقهم إلى المستوطنة الإسرائيلية.
ووفقاً لما ذكره المركز الفلسطيني للإعلام، فإن الحكومة الإسرائيلية كانت قد قررت بشكل مسبق نيتها تنفيذ مجزرة بحق سكان القرية، وأيضاً هدم المنازل بهدف تهجير السكان وإفراغ القرية.
في ليلة الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 1953 وتحديداً عن الساعة الـ7 مساءً، حاصرت الوحدتان العسكريتان 101 وهي وحدة القوات الخاصة التي كان قائدها ومؤسسها هو آرييل شارون، ووحدة المظليين 890، القرية من جميع أطرافها، بنية عزلها عن بقية القرى المجاورة.
قرية قبية تقع شمال مدينة القدس (32 كم) في المنطقة الحدودية من الضفة الغربية (التي كانت حينها تحت الإدارة الأردنية) ولا تبعد سوى 11 كم عند اللد.
بدأت العملية العسكرية من خلال قصف القرية أولاً بقذائف الهاون والمدفعية واستمر هذا القصف حتى الساعة الـ4 من صباح اليوم التالي.
قبل أن تقتحم تلك القوات بشكل عنيف القرية، وتبدأ بدخول المنازل واحداً تلو الآخر، ألقت فيها القنابل اليدوية بشكل عشوائي من خلال الأبواب والنوافذ، وقتلت كل من حاول الخروج من منزله، كما قتلت الكثير من السكان داخل منازلهم دون أي اعتبار للنساء والأطفال وكبار السن.
ومن ثم بدأت القوات الإسرائيلية بزرع الألغام داخل وعلى أطراف القرية، والهدف كان منع أي تدخلات من القرى المجاورة لمساعدة قرية قبية.
في المقابل دارت بعض الاشتباكات داخل القرية بين القوات الإسرائيلية وقوات فلسطينية محدودة الأعداد والعتاد.
فيما حاولت بعض من القوات الأردنية التدخل، لكن قوات الاحتلال استطاعت منعها من الوصول إلى القرية.
ووفقاً لمصادر فلسطينية محلية، فقد قامت بعد ذلك وحدة المظليين بتلغيم المنازل في القرية وتفجيرها فوق رؤوس قاطنيها، إضافة إلى تفجير مسجد ومدرستين وخزان مياه.
ومع غياب المصادر الرسمية، تتضارب المعلومات حول أعداد الضحايا، بعض المصادر تقول إن 67 شخصاً توفوا في المجزرة وجرح العشرات، بينما تقول مصادر أخرى إن أعداد الذين قتلوا 74 شخصاً، فيما تقول مصادر أخرى إن الأعداد تجاوزت 200 شخص، كما تم تدمير أكثر من نصف منازل القرية.
أثارت المذبحة الإسرائيلية في قبية ردود فعل قوية وغير مسبوقة على المستوى العالمي.
في البداية، نفت الحكومة الإسرائيلية وأكدت أن قوات الجيش الإسرائيلي لم تتحرك من قواعدها ليلة الهجوم على قبية، بغض النظر عن حجمها.
ثم قام بن غوريون بتقديم رواية تقول إن الهجوم الانتقامي على قبية كان "عملاً عفوياً من السكان المحليين"، مُحملاً المسؤولية عن الحادث المأساوي تجاه مواطنيه.
مجلس الأمن يدين المجرزة، وأمريكا توقف المساعدات إلى إسرائيل
وفي حادثة استثنائية من نوعها، أدان مجلس الأمن في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1953، إسرائيل على خلفية المذبحة.
وقال مجلس الأمن حينها في قراره رقم 101: "العمل الانتقامي على قبية والذي قامت بهِ قوات إسرائيل المسلحة في 14 – 15 تشرين الأول (أكتوبر) 1953، وجميع الأعمال المشابهة، تشكل انتهاكاً لنصوص وقف إطلاق النار الصادر عن قرار مجلس الأمن رقم 54 (1948)، وتتناقض مع التزامات الطرفين بموجب اتفاقية الهدنة العامة بين إسرائيل والأردن 29 وميثاق الأمم المتحدة".
وتابع البيان: "يعرب مجلس الأمن عن أقوى إدانة لهذا العمل، الذي لا يمكن إلا أن يخل بفرص التسوية السلمية التي على الطرفين السعي لها وفق الميثاق، ويدعو إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمنع مثل هذه الأعمال في المستقبل".
في حين، قام الرئيس الأمريكي آنذاك دوايت أيزنهاور بإيقاف مؤقت لتسليم مساعدات أمريكية لإسرائيل بسبب هذه الانتهاك الذي قامت به إسرائيل والتي حملها المسؤولية عن مجزرة قبية أيضاً، وفقاً لما أكدته صحيفة Washington Post الأمريكية.
ووفقاً لمقال صحفي نُشر في عام 1996 على مجلة الدراسات الفلسطينية، فقد نشر كيفية تعاطي الصحافة الإسرائيلية مع مجزرة قبية والتي كانت حيادية إلى حد بعيد على غير العادة، فيما عدا صحيفة كول هعام التي كانت تتبع للحزب الشيوعي الإسرائيلي آنذاك.
صحيفة كول هعام عنوان صحيفتها بعنوان: "ارتكاب عملية قتل جماعية في قرية قبية العربية".
فيما قالت في عنوان افتتاحي آخر: "ضد القتل: القتل الجماعي على أيدي إسرائيليين مسلحين جريمة رهيبة، إنها دير ياسين جديدة".
قد يهمك أيضاً.. فلسطين في مسرحية قبل نحو 400 عام!.. كيف ذكر شكسبير الأراضي المحتلة في عمله الفني "عطيل"؟