مع ظهور الأزمة الملحة المتعلقة بتوفير الغذاء للعائلات النازحة جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتهجير أكثر من مليون شخص من منازلهم، ظهرت إلى العلن مجدداً "تكايا الطعام" كملاذ حقيقي لهؤلاء النازحين.
ومؤخراً انتشرت في جنوب غزة أفكار ومبادرات خيرية تعمل جاهدة على إطعام النازحين الذين يحتاجون إلى يد العون والرحمة، ومن بين تلك المبادرات النبيلة، برزت "تكية رفح الخيرية"، التي تعتبر أبرز تلك التكيات.
من أين جاء مصطلح التكية، وما أشهر التكايا الموجودة في فلسطين؟
تكايا الطعام في فلسطين وتاريخ هذا المصطلح
التكيّة كانت من الأبنية الدينية المهمة في الإسلام، وقد تأسست في العصر العثماني وازدهرت في الأناضول والدول التابعة للعثمانيين.
تم إنشاء التكية بشكل خاص لاستضافة أولئك الأشخاص الذين يعيشون في العزلة لأغراض العبادة، من المتصوفة، ولمساعدة المسافرين، وتُعد التكية بديلاً عن المباني الدينية التي كانت معروفة سابقاً باسم "الخانقاه"، والتي كانت تنتمي للحكم الأيوبي.
في العصر الحديث، تغير معنى التكية ليشير إلى "مأوى"، وهو المكان الذي يُستقبل فيه الفقراء والمسافرون، وحتى لرعاية المحتضرين الذين ينتظرون وفاتهم، وعادةً ما يتم تمويل هذه التكيات من قِبل جهات أو منظمات دينية.
التكية هي كلمة تركية غامضة الأصل، يحاول البعض الاجتهاد في شرح معناها، البعض قال إنها جاءت من الفعل العربي "وتأ" و"اتكأ" بمعنى استند أو اعتمد، والبعض يعتقد أنها جاءت من "تكية" الفارسية بمعنى "جِلد" كون شيوخ الزوايا الصوفية كانوا يجعلون جلد الخروف أو غيره من الحيوانات شعاراً لهم.
والواقع أن التكيّة أخذت تؤدي الوظيفة نفسها التي كانت تقوم بها الخانقاه، أي إنها خاصة بإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة، والأغراب، ممن ليس لهم مورد للكسب.
ولذا سمي محل إقامة الدراويش باسم التّكية؛ لأن أهلها متكئون، أي معتمدون في أرزاقهم على مرتباتهم في التكية، واستمر سلاطين آل عثمان وأمراء المماليك وكبار المصريين في الإنفاق على تلك المباني وعلى سكانها.
كما أنها قامت خلال العصر العثماني بدور آخر، وهو تطبيب المرضى وعلاجهم، وهو الدور الذي كانت تقوم به البيمارستانات في العصر الأيوبي والمملوكي، إلا أنه مع بداية العصر العثماني أهمل أمر البيمارستانات وأضيفت مهمتها إلى التكايا.
والتكية أصبحت في المعنى الأكثر شيوعاً منشأة لتقديم الوجبات الشعبية المجانية للفقراء والمجاورين للمسجد، ولمن يقومون على خدمة المساجد؛ دون أن يكون لذلك علاقة مباشرة بالصوفية.
واشتهرت التكايا وعُرفت في أغلب المدن الإسلامية، في دمشق وبغداد والبصرة ومكة والحجاز والسليمانية والقدس والخليل وطرابلس والمغرب العربي ومصر وغيرها.
وقد ظلت التكايا تخدم حتى عام 1925 وفقاً لما ذكرته صحيفة Hürriyet التركية.
مم تتألف التكية؟
التكايا كانت عبارة عن مبانٍ مؤلفة من عدة أقسام، هي:
- قاعة داخلية تسمى الصحن.
- السمعخانة، وهي قاعة تستخدم للذكر، والصلاة والرقص الصوفي الدائري ويسمى مولوية.
- غرف للمريدين، وهي الغرف التي ينام بها الدراويش.
- غرفة لاستقبال العامة.
- قسم الحريم وهو مخصص لعائلات الدراويش.
- قاعة طعام جماعية ومطبخ.
- مكتبة.
- دورة مياه ومكان للاستحمام.
ما الفرق بين التكية والخانقاه؟
الكثير من العلماء يعتقدون أن التكية هي تطور لفكرة "الخانقاه" التي بدأت منذ العصر الأيوبي، واستمرت وازدهرت في العصر المملوكي.
تتشابه فكرة التكية والخانقاه في الكثير من الأمور، لكنها أيضاً تختلف في أمر مهم.
الخانقاه كانت تقدم الدروس للمتصوفين، وهي إجبارية تمنح الدارسين بها إجازات علمية، ويتولى قيادتها كبار العلماء والفقهاء.
في حين أن التكية لم تلزم أي أحد بالارتياد إليها، وليس لها أي فصول دراسة منتظمة، واعتمدت فقط على بضعة محاضرات للوعظ والإرشاد تقام خلالها حلقات الذكر الصوفية.
أما من الناحية العمارة، فإن الخانقاه كانت غالباً ما تجمع ما بينها وبين المدارس أو الجامعات في الوقت ذاته، بينما التكية كانت مستقلة بذاتها.
وفي الوقت الذي تحتوي فيه الخانقاه على مئذنة أو منبر، فإن التكية لم تحتوي على ذلك، واكتفت فقط بمحراب لإقامة الصلوات واجتماع الدراويش.
التكايا في فلسطين
تعتبر التكية النقشبندية من أهم معالم القدس، التي بنيت خلال الحكم العثماني، ويطلق عليها أيضاً الزاوية الأوزبكية أو البخارية، نسبة إلى القائمين عليها.
كانت هذه التكية تستضيف أسبوعياً أهالي القدس والزائرين للمدينة على موائد مجانية، كما كان يتوافد عليها زائرون من تركيا وأوزبكستان وأفغانستان.
ووفقاً لما ذكره موقع "الجزيرة نت"، فإن أعداد الزائرين للتكية تضاءل بشكل كبير بعد نسكة 1967، بسبب إجراءات الاحتلال الإسرائيلي.
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال تكية "خاصكي سلطان" في البلدة القديمة في القدس الشرقية تعمل حتى يومنا هذا، وقد بُنيت في العصر العثماني من أجل توزيع الطعام على الفقراء والمساكين.
ويقع مبنى تكية خاصكي سلطان بجوار المسجد الأقصى المبارك وضمن مبنى دار الأيتام الإسلامية الصناعية حالياً في منتصف عقبة التكية من الجهة الجنوبية ما بين رباط بايرام جاويش من الشرق وسرايا الست طنشق من الغرب، وقد كانت تكية خاصكي سلطان من أكبر المؤسسات الخيرية في فلسطين طيلة العهد العثماني، واستمرت في تقديم الخدمات الجليلة للفقراء والدراويش والمرابطين والمسافرين لمئات السنين.
أما ثالث التكايا، فهي تكية إبراهيم -عليه السلام- التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي في مدينة الخليل بعد فتح بيت المقدس -وتحديداً في عام 1187 بهدف تقديم الطعام المجاني للضيوف والزوار والمحتاجين.
ومنذ ذلك العهد حافظ أهل المدينة على الوقفية، قبل أن تتم إزالتها وملحقاتها سنة 1964 ضمن مشروع إزالة الأبنية من حول المسجد، ونقلت بعد ذلك إلى مكان مؤقت بجانب بركة السلطان في المدينة.
وفي بداية 1983 قامت الأوقاف بإنشاء مبنى جديد للتكية بجانب المسجد من الجهة الشمالية.
ومن أبرز التكايا الشهيرة في فلسطين أيضاً:
تكية فاطمة خاتون: ابنة محمد بك، وحفيدة السلطان قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك، وزوجة لالا مصطفى باشا من رجالات العثمانيين، وقد بنيت في جامع جنين الكبير.
تكية النبي موسى: بناها الظاهر بيبرس وتحوي غرفاً للنوم ولإقامة وخدمة المقام.
تكية المغربي: أنشأها صلاح الدين الأيوبي في حطين، ودعيت بهذا الاسم نسبة إلى شيخ مغربي عيّنه صلاح الدين شيخاً لها.
تكية عيون التجار: تقع في خربة عيون التجار قضاء طبرية.
التكية الدرويشية: بالقرب من جامع التنية بنابلس.
تكية السري السقطي: غرب نابلس في جبل جزريم.
أما غزة، فهناك العديد من التكايا القديمة أبرزها تكية عبد العظيم، وتكية مرغان.
أما التكايا الحديثة، فهي تكايا تأسست من خلال مبادرات شبابية بهدف إطعام الفقراء.
ففي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة أسس تجمع شبابي تطوعي "تكية أبناء النصيرات" في عام 2016، تهدف إلى إطعام الفقراء وتنظيف المستشفيات.
وكذلك الأمر بالنسبة لمخيم البريج، إذ دفع الفقر المدقع إلى إنشاء التكية لتوفير وجبات للسكان الفقراء.
أما "تكية غزة هاشم"، فقد كانت أول تكية دائمة في قطاع غزة، تعمل على مدار العام، وتقدم وجبات الطعام للأسر الفقيرة والمحتاجة، وفقاً لما أكدته وكالة أنباء الأناضول.
إضافة إلى العديد من التكايا، مثل: تكية الحطاب في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وتكية رفح الخيرية.
قد يهمك أيضاً.. تسمى "مدينة القمر" وفيها المعبر الوحيد للدخول والخروج من الضفة .. "أريحا" أول مدينة مسوَّرة في التاريخ