يُعتبر "الكاراكو"، أو ما يُعرف في العاصمة باسم "القويط"، أحد الملابس التقليدية العريقة التي اشتهرت بها الجزائريات قديماً. ويُمكن القول إنه صار علامةً مسجّلةً لسيدات العاصمة تحديداً، تميّزهن عن غيرهن من نساء البلاد.
توارثت الجزائريات لباس الكاراكو من جيلٍ إلى جيل، ونجحن في الحفاظ على هذا التقليد وتطويره وتصديره، رغم اجتياح الموضة العصرية.
اليوم، يعرف انتشاراً واسعاً في مختلف مناطق الجزائر، وقد لفت الأنظار في السنوات الأخيرة خلال عروض أزياء عالمية، بفضل مصممين جزائريين. وقد أصبح أحد الألبسة التي تفرض نفسها في مختلف المناسبات، لاسيما الأعراس.
فمن أين ينحدر الكاراكو الجزائري؟
ظهر هذا اللباس في القرن الـ15، وكان حكراً على نساء الطبقة الأرستقراطية من مدينة الجزائر، اللواتي كن يتزينّ به في الأعراس وحفلات الختان. فقد كان يعكس المكانة الاجتماعية للسيدة التي ترتديه، وعُرف أولاً باسم "الغليلة".
لكن تُشير بعض المراجع التاريخية- على ندرتها- إلى أن الكاراكو كان حكراً على الرجال في العهد العثماني، قبل أن يتحوّل إلى زي نسائي.
ففي حديثٍ إلى موقع "الجزيرة"، تقول مصممة الأزياء الجزائرية نايلة بوروينة إن هذا الزي كان الزي الرسمي للدايات والآغوات (حكام العهد العثماني)، وقد استلهموه من الخدم الذين كانوا يلبسونه في السابق.
وفقاً لبوروينة، كان الكاراكو الجزائري لباس الفقراء، لكنه أَعجب الدايات فاستحوذن عليه، وأدخلن إليه تباعاً بعض التعديلات. فصار مع الوقت يُطرّز، كما أُدخل قماش المخمل الطبيعي والحرير في حياكته، وعُرف بالسراجة والقرقاف (المجبود).
يذكر موقع "إندبندنت عربية" أن الكاراكو قد يكون مزيجاً بين الثقافتين الأندلسية والعثمانية، على اعتبار أنه ظهر في القرن الـ15، الذي شهد توافداً كبيراً من الأندلس إلى الجزائر، ومن بعدهم العثمانيين.
استولت عليه السيدات في مراحل لاحقة، وأدخلن إليه تعديلات جديدة حتى صار حاضراً في كل مناسبة جزائرية، ولا يقتصر لبسه على العاصميات فقط، بل وصل انتشاره إلى مختلف المدن في البلاد.
بالنسبة إلى موقع "الشروق" الجزائري، يختلف بعض المهتمين بشؤون اللباس التقليدي مع هذا الطرح، ويؤكدون أن الكاراكو جزائري محض ومشتق من الغليلة العاصمية؛ وهو نسائي عاصمي، وكان يُعتبر لباساً منزلياً.
للكاراكو الجزائري أنواع مختلفة، لكنه في الأساس يتكوّن من قطعتين اثنتين: الأولى عبارة عن سترة من المخمل الطبيعي، يُطرّز عليها يدوياً بخيط الذهب الخالص، مع الإشارة إلى أن شكل التطريز يختلف من سترة إلى أخرى.
أما القطعة الثانية، فهي التي تمنح للزي خصوصيته. هي عبارة عن سروال في الأصل من قماش الحرير إجمالاً، يكون بسيطاً جداً ويُطلق عليه اسم "سروال شلقة"، أو "سروال مدوّر". مع الإشارة إلى أنه يتم تحويل السروال في بعض الأحيان إلى تنورة.
قطعة عالمية قد يصل سعرها إلى آلاف الدولارات
من عادات العاصميات (نساء العاصمة الجزائرية) أن يحتفظن بلباس الكاراكو الذي ارتدينه يوم زفافهن لعرس الابنة، وتزداد قيمته كلما كان أقدم، شأنه شأن الذهب. وقد اعتادت بعض النساء على ارتدائه مع "خيط الروح.
وكما الكاراكو، خيط الروح حُلي متجذر في عمق التقاليد الجزائرية، مصنوع من الذهب أم الفضة وينتقل من الأم إلى الابنة بالميراث. يُحتفظ به مدى الحياة، لدرجة أن هناك عائلات لا تزال تحتفظ بخيط روح من القرن الـ18.
تحرص بعض الجزائريات على تطريز سترة الكاراكو بخيط الذهب الخالص، الذي يوزن بالجرام ويتم شراؤه من المصرف، فيما تُفضّل أخريات ترصيعها ببعض الأحجار الكريمة النادرة؛ لذلك، تختلف تصاميم السترة ونوعيتها من سيدة إلى أخرى.
يحتاج الكاراكو ما بين 6 و8 أشهر كاملة للانتهاء من حياكته، وأحياناً قد يحتاج إلى وقتٍ أكثر، حسب التصميم المطلوب وحجم التطريز اليدوي، لأن التصميم يُرسم على قماش المخمل بعد حياكته، ثم يُحدّد بخيط من الجلد، قبل أن يُغلّف بخيط الذهب المطرّز.
وانطلاقاً من هنا، يختلف سعر لباس الكاراكو الجزائري من قطعةٍ إلى أخرى؛ لأنه يُحدّد وفقاً لكمية الذهب والأحجار المُستخدمة في التطريز، لكنه يبدأ من 500 دولار وقد يصل إلى 10 آلاف دولار.
عام 2018، وصل الكاراكو إلى صفحات مجلة Forbes العالمية، التي حاورت مصمم الأزياء الجزائري إدين بلمهدي، الذي أكد أن الكاراكو -ورغم أنه يزيّن خزانة الجزائريات منذ قرون- فإنه لا يزال يحافظ على مكانته، ولم تُزِحه صيحات الموضة.
وحسب بلمهدي، فإن سر الكاراكو الجزائري في مرونته والمساحة التي يعطيها للمصمم في الإبداع، ويقول في هذا الإطار: "تستطيع التصرف في الكاراكو كما تشاء، ولن يضرّه ذلك بشيء، هو يحتفظ بأصالته؛ لأن هويته واضحة".