بحلول عام 1943، استطاع الحلفاء قلب الطاولة على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وأصبح الجيش الأحمر السوفييتي في موقع هجوم، بعد شهورٍ طويلة قضاها في صدّ هجوم هتلر الشرس، ومع بداية عام 1945، كان السوفييت يتقدمون نحو برلين بخطى ثابتة.
كان الاستيلاء على مدينة كونيغسبرغ المحصنة، يعني أنّ السوفييت بسطوا سيطرتهم على سيطرة ساحل بحر البلطيق، وأنّ الجيش الأحمر السوفييتي قد قطع شوطاً كبيراً للانتصار على الفرماخت الألماني، وأبعد بشكلٍ حاسم القوات الألمانية عن حدوده، لذا كانت معركة كونيغسبرغ حاسمة بشكلٍ كبير في صراع الحرب العالمية الثانية وتسريع نهايتها.
حوّلتها معركة كونيغسبرغ إلى مدينة سوفييتية
في 13 يناير/كانون الثاني 1945، شنّ الجيش الأحمر السوفييتي هجومه على شرق بروسيا وطوّق سريعاً مدينة كونيغسبرغ، بأكثر من 1.5 مليون جندي الحدود وشرع في التقدم نحو القوات الألمانية التي تدافع عن المنطقة.
مع اندلاع قتال عنيف في الأيام القليلة الأولى من الهجوم، كلف القائد الأعلى للجيش السوفييتي الجنرال سيتافكا كلاً من الجبهة البيلاروسية الثالثة بقيادة العقيد إيفان تشرنيخوفسكي، والجبهة البيلاروسية الثانية بقيادة كونستانتين روكوسوفسكي بقطع الإمداد عن القوات الألمانية في بروسيا الشرقية عن تلك الموجودة في بولندا وتثبيتها على ساحل بحر البلطيق.
مع تراجع الألمان أمام الهجوم الكاسح السوفييتي، باتت مسؤولية الدفاع عن مدينة كونيغسبرغ موكلة إلى الجيش الألماني الشمالي بقيادة الجنرال أوتو لاش، حيث تم تكليف 130 ألف جندي ألماني بالدفاع عن المدينة من هجوم الجيش الأحمر الذي يتقدم بسرعة.
في الواقع، كانت كونيغسبرغ واحدة من أهم مدن ألمانيا لقرون عديدة، فقد تم تتويج الملوك الألمان بداخلها، كما عاش وسطها الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط طوال فترة حياته. وبالتالي، لن يكون سقوطها بيد السوفييت انتصاراً استراتيجياً فحسب، بل سيكون أيضاً انتكاسة كبيرة للمعنويات الألمانية؛ لذا كان الدفاع الألماني عنها مستميتاً، وذلك حسب موقع warfarehistorynetwork
من جهة ثانية، كان ستالين مصراً قبل سنتين على ضمّ مدينة كونيغسبرغ إلى الاتحاد السوفييتي، وبالتالي كان الانتصار في معركة كونيغسبرغ يعني تحويلها إلى مدينة سوفييتية.
حصار سوفييتي خانق على المدينة دام شهرين
ورغم الحصار الخانق الذي أطبق على مدينة كونيغسبرغ، استعد المدافعون الألمان بشكلٍ جيّدٍ للمعركة الوشيكة، ففي فبراير/شباط، حاول الفيرماخت الخروج من المدينة والارتباط بقوات ألمانية أخرى في ساملاند في الشمال، ونجح في النهاية في إنشاء طريق بري بين كونيغسبرغ ومدينة بيلاو، ومع ذلك، نجح الجيش الأحمر لاحقاً في هزيمة أي تحركٍ ألمانيٍ مقاومٍ من أجل قلب ظروف المعركة وفكّ حصار مدينة كونيغسبرغ، وطهّر بشكلٍ كامل الجناح الشمالي باتجاه برلين؛ مما يعني شن هجوم نهائي على المدينة، دون الخوف من التعرض إلى هجوم مفاجئ من قواتٍ ألمانية قادمة من العاصمة الألمانية.
كانت مدينة كونيغسبرغ شديدة التحصين، وتحتوي على شبكة من المخابئ والأنفاق التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، كانت المدينة محمية بثلاث حلقات محصنة كان على الجيش الأحمر اختراقها من أجل دخول المدينة.
ومع حماية الألمان لوسط المدينة بشدة بالحواجز والألغام، لم يكن للهجوم الأول ضد كونيغسبرغ عن طريق المدفعية والدبابات أي أثر.
حاول السوفييت استخدام الدعاية من أجل إسقاط المدينة، فقامت القوات السوفييتية بتحذير الذين بقوا في المدينة من أنهم محاصرون دون أمل في المساعدة وأن مقاومتهم ستفشل بالتأكيد.
في نهاية المطاف، كانت الدعاية هي الأخرى غير مجدية، وعلى الرغم من حصار الجيش الأحمر المدينة بالكامل وعزلها عن أي شكل من أشكال المساعدة من الخارج، إلاّ أنه بحلول مارس/آذار 1945، كانت المدينة لا تزال صامدة.
معركة كونيغسبرغ.. عندما أذلّ السوفييت الجيش الألماني في 4 أيام
مع حرص Stavka على استمرار التقدم نحو برلين وقرب انتهاء الحرب، بدأ التقدم السوفييتي في المدينة في الـ6 من أبريل/نيسان 1945، مما أدى إلى تحويل كونيغسبرغ من مدينة ساحلية تاريخية شهيرة، تشتهر بهندستها المعمارية في العصور الوسطى وقلعتها الكبرى، إلى ساحة لمعركة شرسة.
بدأ الهجوم السوفييتي الكبير بقصف مدفعي متواصل لمدة ثلاث ساعات، مما ساعد على انهيار الخط الخارجي للدفاعات الألمانية حول المدينة.
بمساعدة المزيد من القصف المدفعي والإسناد الجوي، تمكن الجيش الأحمر السوفييتي من محاصرة التحصينات الألمانية داخل المدينة وواصل تقدمه نحو المنطقة الوسطى، تاركاً قوات الحرس الخلفي للتخلص من أي مقاومة ألمانية.
ومع ذلك، عندما توغلت القوات السوفييتية في عمق المدينة، اشتد القتال وتصلب الدفاع الألماني، حيث أمر هتلر قائد قواته في المدينة الجنرال لاش بالقتال حتى آخر رجل ومنع قواته من الاستسلام، حتى في مواجهة الموت شبه المؤكد.
وبعد 4 أيام من القتال العنيف بين الجيشين، كان مدى الضرر الذي لحق بكونيغسبرغ مرعباً، إذ دمّر أكثر من 80% من المدينة، مع تدمير عدد من حصونها التاريخية العظيمة وجدرانها الدفاعية أثناء الصراع.
وهرب أكثر من 200 ألف مدني من المدينة قبل سقوطها في نهاية المطاف، خوفاً من تكرار الفظائع التي ارتكبها الجيش الأحمر في مدن أخرى عبر شرق بروسيا.
في نهاية القتال، لم ينجُ أي جندي ألماني تماماً مثلما أراد هتلر، إذ قتل نحو 50 ألف جندي ألماني، بينما أسر 80 ألف جندي، في حين خسرت القوات السوفييتية 3700 جندي في هجومها الأخير.
وبعد نهاية الحرب، تم تغيير اسم مدينة كونيغسبرغ إلى كالينينغراد، وتم ضمها بشكلٍ نهائي إلى الاتحاد السوفييتي، بعد طرد الألمان منها وجلب المستوطنين الروس. تُعرف هذه المنطقة الآن باسم كالينينغراد أوبلاست، وهي الآن على حدود روسيا مع كلٍّ من بولندا وليتوانيا.