يشهد العالم هذا الصيف موجة حر شديدة، تشبه إلى حدٍ كبيرٍ موجة الحر سنة 1911 التي ضربت العالم فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات عالية إلى إعلان عدة دول إجراءات وتوصياتٍ طارئة لمواطنيها من أجل حمايتهم من ارتفاع درجات الحرارة وضربات الشمس القاتلة، وكانت فرنسا من الدول الأولى التي أعلنت عن إجراءات استثنائية لمواجهة موجة الحر؛ إذ أعلنت السلطات الفرنسية الأسبوع الماضي، حالة الطوارئ البرتقالية في 9 أقاليم بوسط وشرق البلاد وفي إقليم "الألب البحرية" الفرنسي التابع لمنطقة بروفنس ألب كوت دازور، لمواجهة آثار موجة الحر الحالية.
وكانت فرنسا قد واجهت عدة موجات حرّ قاتلة، كان آخرها سنة 2003، والتي خلفت مقتل 15 ألف شخص، لكن موجة الحر سنة 1911 التي عصفت بالبلاد، لا تزال الأكثر فتكاً في تاريخ فرنسا الحديث، إذ تسبّبت تلك الموجة في مقتل 46 ألف شخص، 30 ألفاً منهم من الأطفال دون سنّ السنة الواحدة، فما قصة هذا الصيف الحار؟
صيف 1911.. موجة الحر الأعنف التي ضربت أوروبا وأمريكا
في صيف العام 1911، سجلت درجات الحرارة ارتفاعاً غير مسبوق مقارنة بالمستويات التي بلغتها طيلة السنوات السابقة، وخلال شهر تموز/يوليو 1911، ضربت موجة حر السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية وأسفرت عن مقتل عدد كبير من الأشخاص.
ففي عصر ما قبل تكييف الهواء أو الاستخدام الواسع النطاق للمراوح الكهربائية، كافح الكثيرون للتعامل مع هذه الحرارة القاتلة لعدة أيام.
وفقاً لـ history، كان شهر يونيو/حزيران 1911 بارداً بشكلٍ يوحي أنّ الذي بعده سيكون مماثلاً، لكن اكتساح الهواء الساخن والجاف من السهول الجنوبية على القارة الأمريكية بدايةً من مطلع يوليو/تموز، جعل الولايات الأمريكية تعيش صيفاً قاتلاً، فقد ارتفعت درجات الحرارة بشكلٍ سريع 11 درجة في نصف ساعة فقط، وأسفرت تلك الموجة عن مقتل ألفي شخص في أسبوعين في أمريكا.
لتنتقل الموجة بعد ذلك إلى أوروبا، حيث شلَّت معظم المدن الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، هذه الأخيرة كانت الأكثر تضرراً.
فعلى الرغم من أن درجات الحرارة لم تتجاوز 40 درجة مئوية خلال الموجة التي استمرت في أوروبا شهرين، فإن المدن الأوروبية والأمريكية كانت سيئة التجهيز للتعامل مع الحرارة والرطوبة المصاحبة لها، فقد أدى ضعف التهوية وضيق أماكن المعيشة إلى تفاقم المشكلة، ما أدى في النهاية إلى وفاة كبار السن والشباب على حد سواء، حيث تغلب الحر على الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم عاماً واحداً.
صيف 1911: أعنف موجة حر شهدتها فرنسا أدت لمقتل 46 ألف شخص
خلال صيف 1911، واجه الفرنسيون موجة حر مرعبة وقاتلة، طيلة فترة سبعين يوماً، امتدّت من 14 يوليو/تموز وحتى 13 سبتمبر/أيلول، إذ عانى خلالها الفرنسيون بشكلٍ كبير، فقد كانت البلاد في حالة تأهب مع درجات حرارة عالية جداً، مصحوبة بغيابٍ كاملٍ للأمطار.
وعلى الرغم من أنّ درجة الحرارة لم تبلغ 40 درجة مئوية سوى في ليلة واحدة طيلة موجة الحر تلك، فإنّ تجاوزها الـ30 درجة جعل فرنسا تعيش طوارئ غير مسبوقة.
في 22 و23 يوليو/تموز 1911، تم تسجيل 38 درجة مئوية في ليون وبوردو وشاتودون، وفي أغسطس/آب، تجاوزت درجات الحرارة في باريس 30 درجة مئوية لمدة أربعة عشر يوماً، أما أعلى درجة فقد سجّلت في 15 يوليو في مدن بوردو وباريس.
تسببت موجة الحر سنة 1911، التي استمرت حتى منتصف سبتمبر/أيلول في مقتل 46 ألف شخص، إذ لم يسلم آنذاك، أي شخص من آثار لهيب النار التي سقطت على البلاد، فقد جنّ آلاف الفرنسيين بسبب تلك الموجة.
75% من ضحايا موجة الحر في صيف 1911 في فرنسا كانوا أطفالاً وهذا السبب
حسب إذاعة مونتي كارلو الفرنسية، كان الأطفال وبالأخص من هم في عمر عامٍ واحد وأقل هم الشريحة الأكثر تضرراً بموجة الحر سنة 1911 في فرنسا، في هذا الصدد تقول كاثرين روليت مؤلفة كتاب "موجة الحر عام 1911.. الملاحظات الديموغرافية والطبية وردود الفعل السياسية" إنّ "موجة الحر في صيف 1911 أثرت بشكلٍ تفضيلي على الأطفال الصغار، الذين تقل أعمارهم عن عامين". وفقًا للمؤلف، من بين 46 ألف حالة وفاة تم تسجيلها في ذلك العام، كان 75 ٪ منها يتعلق بالأطفال الصغار.
فأول أعراض موجة الحر سنة 1911 بفرنسا كان الإسهال، حيث أسهمت درجات الحرارة المرتفعة حينها في تكاثر الكائنات الحية الدقيقة بالمياه والحليب وأفسدت جودته.
فقد كان حليب الرضع سبباً في مقتل الآلاف، إذ أدت الحرارة إلى تلوث مياه الشرب، خاصة تلك المستخدمة لتحضير زجاجات الحليب الخاصة بالأطفال الرضع، ففي عام 1911، لم تكن هناك مواد كيميائية أو مرافق لازمة للحفاظ على المياه وحمايتها، والتي تجمدت بمرور الوقت.
ووفقاً لموقع cnews، خلال ذلك الصيف، كان الحليب سيئاً بشكل متزايد وغير مفيد للتغذية الصحية، حيث أعطى المزارعون الكثير من الكعك واللب والبنجر الفاسد لحيواناتهم، وذلك بسبب غياب الأعلاف بسبب موجة الحر. وفي الوقت نفسه، كان لتفشي مرض الحمى القلاعية في نفس الوقت تقريباً تأثير على كمية الحليب التي يتم إنتاجها لتغذية الرضع.
كما أنّ الحرارة ساعدت أيضاً على ظهور الذباب، وهو ناقل للبكتيريا بجميع أنواعها. ففي بداية القرن، كان هناك 80 ألف حيوان قطيع مثل الخيول والحمير والبغال في المناطق الحضرية الفرنسية، بحسب موقع ouest-france الفرنسي، وهو ما تسبب في مقتل الكثير من الفرنسيين بسبب الأمراض المنقولة من الحيوانات.