لا يعرف الكثير من الناس أنّ من مكونات النسيج الاجتماعي الجزائري، يوجد العديد من القبائل ذات الأصول الغربية، ومن بينها قبائل غجر الجزائر الذين وصلوها قبل مئات السنين، غير أنهم لم ينجحوا في الاندماج بشكلٍ جيدٍ وسط المجتمع الجزائري مثل ما فعل الأتراك والأندلسيون والأوروبيون.
يشتهر غجر الجزائر باسم "بني عداس" و"بني هجرس"، والبعض الآخر ينعتونهم بـ"الجيطانو" أو "الجواطنة"، وإن تعددت تسمياتهم من منطقة إلى أخرى، إلا أنّ غجر الجزائر يشتركون جميعهم في أسلوب عيشهم المرتبط بالترحال المستمر.
إذ ينزل قبائل غجر الجزائر في الأراضي السهبية والرعوية ولا يغادرونها حتى تصير أراضي قاحلة، كما أنهم يفضلون العيش في الخيام، ويستخدمون العربات التي تجرها البغال في التنقل، وإذا مات أحد أفرادهم نقلوه إلى أحد المساجد وتركوه.
وعلاوة على التقاليد الغريبة لغجر الجزائر، إلا أنّ تاريخهم الأسود مع الاستعمار جعلهم منبوذين بشكلٍ كبير بين الجزائريين، وصعّب عمليات دمجهم رغم بلوغ عددهم اليوم نحو مليون شخص.
أصل غجر الجزائر
وفقاً لصحيفة الشروق الجزائرية، تنقسم شعوب الغجر بشكل أساسي إلى الرومن في أوروبا والكاولية والدومر في الشرق الأوسط، بعضهم يتكلم لغة مشتركة قد تكون من أصل هندي، وبعضهم لهم ثقافة وتقاليد متشابهة، وحتى أواخر القرن العشرين ظلت شعوب الغجر تعيش حياة التنقل والترحال.
أما أصل الغجر، فيوجد خلافٌ كبيرٌ حوله، غير أنّ الكثير من المؤرخين ينسبونهم إلى شعوب الهند وإيران ومناطق وسط وجنوب آسيا، وهاجروا من تلك المناطق في حوالي القرن الرابع الميلادي، ليصلوا أواسط القرن الخامس عشر إلى مناطق المجر وصربيا وباقي بلاد البلقان الأخرى، ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا وبعدها إسبانيا، واستمر انتشارهم إلى أن بلغوا الجزائر بأعداد كبيرة. وينتمي غجر الجزائر إلى الرومن وكانوا يتكلمون اللغة الرومنية واعتنقوا الإسلام فيما بعد.
من بين أشهر القبائل الغجرية المعروفة في الجزائر نجد قبائل بني هجرس وبني عداس والعمريين في منطقة الحاسي بضواحي سطيف، ومناطق أخرى في ولايات من الشرق والغرب مثل ولاية غليزان، تيارت وسعيدة وحتى الجنوب الجزائري.
تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي
حين يقلّل المرء في الجزائر الاحترام، فإنّ أوّل كلمةٍ يوصف بها هي كلمة "لعدايسي"، والتي توارثها الجزائريون لوصف الأشخاص المنحطين أخلاقياً، كما ينتشر في الجزائر مثل شعبي يقول: "ترخصي يالزرقا ويركبوك بني عداس"؛ أي: "تُهانين أيتها الفرس الزرقاء ويمتطيك قوم بني عداس"، والذي يتداول دلالة على الشجب والإدانة والتبخيس، وكل هذه الأمور ترسم علاقة المجتمع الجزائري بغجر الجزائر.
ويعود السبب في الانطباع القائم عن غجر الجزائر، إلى تاريخهم خصوصاً في فترة الاحتلال الفرنسي، إذ استعانت سلطات الاحتلال الفرنسي ببني عداس في تعقب الثوار والوشاية بهم وفي تلقط أخبار الثورة وتبليغها إلى السلطات الاستعمارية وممارسة العنف ضد الأهالي.
إذ تروي المصادر التاريخية أنّ فرنسا الاستعمارية وظّفتهم في صفوفها لإبادة الجزائريين طيلة فترة احتلالها الجزائر، منذ أوّل يوم تطأ فيه أقدامها البلد الشمال إفريقي.
ففي الفترة المبكرة للاحتلال، وبينما كان الجيش الفرنسي يواجه مقاومة شرسة من الجزائريين، لم تجد السلطات الفرنسية سوى الاعتماد على "بني عداس" وبعض القبائل الجزائرية الأخرى من أجل إفشال مقاومة وصمود الشعب الجزائري، فقامت باستخدام عددٍ من رجال بني عباس ضباطاً في الجيش الفرنسي، واستمرت في هذا النهج طيلة فترة بقائها بالجزائر.
ولعلّ قصة المثل السابق الذي اشتهر بين الجزائريين عن الغجر، وهو "ترخسي يا الزرقا ويركبوك بني عداس"، ضُرب حين رأى أحد الجزائريين في وقت الاستعمار رجلاً من الغجر، يعمل في صفوف الجيش الفرنسي، ويمتطي جواداً أصيلًا، فحزّ في نفسه أن يرى أن هؤلاء القوم الرحّالة الذين احتموا بالجزائريين لعقود طويلة من الزمن ينقبلون عليهم، فقال هذه الكلمة التي تحوّلت إلى مثلٍ شعبي يضرب في الخيانة وإعلاء شأن وضيعي القوم.
غجر الجزائر اليوم.. تقاليد غريبة ونبذ متواصل من الجزائريين
وفقاً لتقريرٍ لموقع العربي الجديد، يعيش غجر الجزائر اليوم في عدة مناطق متباعدة، خصوصاً بشرق ووسط الجزائر، ومع ذلك لا تزال هذه القبائل في تواصل مستمرٍ مع بعضها البعض، إذ يجتمعون في أماكن الرعي.
ويتميز الغجر بالجزائر بطريقة عيش بدائية نوعاً ما، إذ لا يزال بني عداس يعتمدون على الخيام في المبيت والترحال عن طريق عربات تجرها البغال، يعتمدون في حياتهم بشكل رئيسي على الرعي وتربية المواشي.
يُعرف عن نساء بني عداس ممارسة الكهانة والسحر، بينما يعرف عن شبابهم السرقة والاحتيال، وهو الأمر الذي زاد من نبذ المجتمعات الجزائرية لبني عداس، كما أن غالبيتهم يعيشون بلا أوراق ثبوتية، ويتزوجون لذات السبب عرفياً.
ومن أغرب عادات غجر الجزائر، تعاملهم مع الأموات، إذ لا يقوم بني عداس بدفن موتاهم ولا يملكون مقابر أصلاً، فالعمل الوحيد الذي يفعله هؤلاء عند وفاة أحد أفرادهم، هو نقله لأقرب مسجد وتركه هناك، حيث يتولى رواد ذلك المسجد الصلاة على الميت من الغجر ودفنه في مقابر المسلمين.
ويعود سبب ذلك إلى عدم امتلاكهم لوثائق الهوية من جهة، ومن جهة لمعرفتهم أنهم منبوذون في المجتمع ولا يريدون الظهور.
وتبقى أعداد الغجر في الجزائر غير معروفة بالتحديد، على الرغم من تقديرات تفيد بوصولهم إلى مليون فرد، يتوزّعون على عدد من مناطق الوطن.