مع مطلع القرن الثامن عشر كانت السويد في أوّج قوتها، بحيث كانت تتمتع بملوك أقوياء، ودبلوماسية حاذقة، وجيش يحقق في الانتصارات متتالية، ساهم ذلك في تشكيل إمبراطورية اسكندنافية لا مثيل لها حتى معركة بولتافا سنة 1709.
، كانت الامبراطورية السويدية أشبه بشجرة ضخمة ذات جذع قوي وأغصان سميكة، وجذور ضحلة للغاية، فقد كان لدى السويد مليون ونصف المليون نسمة، وهي قاعدة سكانية صغيرة بالنسبة لقوة عظمى، على سبيل المثال كان لدى فرنسا في ذلك الوقت حوالي 20 مليون نسمة، لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد في انهيار الإمبراطورية السويدية، فقد كانت خسارتها معركة بولتافا (Battle of Poltava)، المنعرج الحاسم في طريق انهيار هذه الإمبراطورية.
ففي 8 يوليو/تموز 1709، حقق بطرس الأول النصر الحاسم على تشارلز الثاني عشر، ملك السويد في حرب الشمال العظمى، وذلك في معركة بولتافا التي أنهت مكانة السويد كقوة عظمى، في المقابل شكلت المعركة بداية التفوق الروسي في أوروبا الشرقية، الذي استمر حتى انهيار الاتحاد السوفييتي.
حرب الشمال العظمى.. عندما كانت السويد قوة لا تُهزم
كانت الإمبراطورية السويدية تعيش في أزهى أيامها مع بداية القرن الثامن عشر، ومن تجسيد قوتها رأى الملك السويدي تشارلز الثاني ضرورة السيطرة على شرق أوروبا، لتندلع في 1700 حرب الشمال العظمى، وخلال تلك الحرب كان اللاعبان المهيمنان هما بيتر الروسي وتشارلز السويدي.
في الحقيقة، كانت خلفية تلك الحرب أبعد من ذلك؛ فقبل ذلك بنحو 100 عام، وتحديداً في عام 1617، عُقدت معاهدة ستولبوفو، التي أنهت الحرب الهنغارية التي دارت رحاها بين السويد وروسيا، ولكنها حرمت موسكو من الوصول المباشر إلى بحر البلطيق، لذا كانت الحرب فرصةً للروس لإعادة التموقع في بحر البلطيق.
خلال الحرب الشمال العظمى، تشكل تحالف من مجموعة من الدول التي أرادت القضاء على التفوق والسيطرة السويدية في منطقة وسط وشرق أوروبا، والسيطرة على مضيق البلطيق، وقد تشكل هذا التحالف من الإمبراطورية الروسية بقيادة بطرس الأكبر، ومملكة الدنمارك-النرويج بقيادة فريدريك الرابع، إضافة إلى ساكسونيا، ومملكة بولندا-ليتوانيا.
وانطلقت الحرب بهجوم ثلاثي على منطقة هولستن-غوتروب في منطقتي لينوفيا وإنغيريا السويديتين، من قبل تحالف الدنمارك، النرويج وساكسنيا وليثوانيا وروسيا، إلا أن هذه الهجمات واجهت تصدياً عنيفاً من السويديين، الذين ألحقوا بكل من الدنمارك وروسيا هزائم مذلة في معركتي ترافيان دال و نارفا التي هزمت فيها روسيا.
وبعد هزيمة بطرس الأكبر في معركة نارفا، عاد إلى روسيا ليجمع جيشه من جديد؛ حيث فرض قوانين صارمة مثل الرفع من الضرائب وزيادة سنوات الخدمة العسكرية التي وصلت إلى واحد وعشرين سنة، وبدأ الاستعداد لمعركة بولتافا، التي كانت جزءاً من حرب الشمال العظمى، وذلك حسب دائرة المعارف البريطانية.
معركة بولتافا.. عندما أرادت السويد احتلال روسيا
حسب موقع encyclopedia of ukraine، كانت معركة بولتافا التي اندلعت في 27 يونيو/حزيران 1709، وانتهت في 8 يوليو/تموز، النصر الحاسم لبطرس الأكبر على القوات السويدية تحت قيادة المشير كارل غوستاف، كما أنها في اعتقاد الكثيرين كانت بداية تراجع السويد، باعتبارها القوة العظمى، في وقتٍ جعلت المعركة الإمبراطورية الروسية دولة عظمى في شمال شرق أوروبا.
فقد قاتل شمال وغرب بولتافا، في أوكرانيا، ما بين 80 ألف جندي روسي بقيادة بطرس الأكبر والجنرال الأمير ألكسندر مينشيكوف و17 ألف مقاتل سويدي تحت إمرة تشارلز الثاني عشر وكارل غوستاف.
وفي خضم حرب الشمال العظمى ومحاولات السويديين احتلال روسيا، قام تشارلز بمحاصرة بولتافا في مايو/أيار 1709، التي كانت طريق إمداد للقوات الروسية، ومن أجل رفع الحصار عنها حشد الروس قواتهم، وأقاموا تحصينات على بُعد بضع مئات من الأمتار من خطوط الحصار السويدية، مما أجبر السويديين على الهجوم.
في 27 يونيو/حزيران من العام ذاته، بدأ الجيش السويدي بقيادة كارل غوستاف في شن هجومه على الروس. تم تقسيم الجيش السويدي إلى 3 أقسام رئيسية من 5 أعمدة.
كانت الفرقة اليسرى تحت قيادة المشير رينسكجولد، وتألفت من طابورين من ثماني كتائب مشاة. أما قسم الوسط فكان تحت قيادة الجنرال كارل جوستاف، وتشكّل من طابورٍ واحدٍ من 4 كتائب مشاة. أما الفرقة اليمنى فكانت بقيادة الجنرال الكونت آدم لوينهاوبت، وتكوّنت من طابورين و6 كتائب مشاة.
أنهت هيمنة السويد وأعلنت روسيا قوة عالمية
وفقاً لـ warfarehistorynetwork، استمرت المناوشات بين المعسكرين حتى ليلة 8 يوليو/تموز، حين بدأ القتال الحقيقي بين الجيشين، فقد أعطى بطرس الأكبر الضوء الأخضر لمدفعيته لسحق الجيش السويدي، وبالفعل حدث في ساعات معدودة، وضل الجيش الروسي إلى قلب المعسكر السويدي.
تلقى تشارلز الثاني صدمة كبيرة بعد أن رأى خسائر قواته، إذ تشير التقديرات إلى أن الخسائر السويدية بلغت 6900 قتيل و2700 أسير، كما تم أسر العديد من الضباط السويديين رفيعي المستوى، بما في ذلك المشير رينسكولد، في حين كانت الخسائر الروسية أقلّ نسبياً؛ حيث بلغت 1345 قتيلاً و3290 جريحاً.
وبعد نهاية المعركة، جمع الملك تشارلز ما تبقى من قواته، وتراجع إلى الجنوب في وقت لاحق من اليوم نفسه، وتخلى عن حصار بولتافا.
أمّا بطرس الأكبر، فقد أعلن فور نهاية المعركة تأسيس مدينة سانت بطرسبرغ، وإعلان روسيا قوة مهيمنة على شرق أوروبا، في وقت اختفت فيه إمبراطورية السويد بعد المعركة بسنوات قليلة.