تعتبر عالمة الرياضيات البريطانية آدا لوفلايس أول من تمكن من الوصول إلى نظام برمجة خاص بالحاسوب، وذلك خلال القرن 19، أي قبل اختراع جهاز الحاسوب نفسه.
إذ إن آدا التي كانت مهتمة بعلوم الرياضيات منذ صغرها، وبفضل صداقتها بالمخترع والمهندس تشارلز باباج، تمكنت من التوصل إلى نظام برمجي جديد، عندما كانت تدرس طريقة اختراع لجهاز يُسمى "المحرك التحليلي"، والذي لم يرَ النور أبداَ، إذ إن أساسيات نظام تشغيله كانت شبيهة بالكمبيوتر الحديث.
آدا لوفلايس.. بين الشعر والعلوم
وُلدت آدا لوفلايس سنة 1815 في مدينة لندن، وهي ابنة الشاعر الإنجليزي الشهير لورد بيورن، ووالدتها هي عالمة الرياضيات آن ايزابيلا ميلبانك.
توفي والد آدا وهي في عمر الثامنة، خلال مشاركته في حرب الاستقلال اليونانية، وكانت متأثرة به كثيراً، وبالقصائد التي كان يكتبها، إلا أن والدتها غيرت توجّها خوفاً من أن تسلك نفس طريقه، وجعلت منها شخصاً محباً للعلوم والرياضيات والمنطق.
وبالرغم من أن اهتمام النساء بمجال العلوم كان نادراً خلال القرن 19، إلا أن آدا انجذبت لهذا العالم بشكل كبير، خصوصاً أن تلك الفترة كانت تعرف ثورة صناعية كبيرة، وبروز العديد من الأجهزة الحديثة.
إذ إنها في سن 12 كانت مهتمة بعالم الطيران، وكانت تبحث في جميع تفاصيل هذا النظام، من خلال فحصها بشكل معين الطيور، لمعرفة السبب الذي يساعدها في التحليق عالياً.
وقد كانت تبحث بشكل منهجي عن البدائل التي يمكن أن تساعدها صناعة نظام يساعدها على الطيران، مثل محاولة تعويض الريش بالحرير، أو الورق.
إلا أنها لم تتمكن من إكمال بحثها هذا، بسبب توبيخ والدتها لها لأنها قامت بإهمال دراستها الأساسية، فتركت رغبتها في فهم نظام الطيران جانباً، وعادت إلى التركيز على الرياضيات.
كما أنها لم تبتعد عن عالم الشعر الذي عشقته من والدتها، وكانت ذات حس أدبي كبير، والذي كان يظهر في كتاباتها للبحوث العلمية التي كانت تعمل عليها.
آدا لوفلايس.. أول مبرمجة كمبيوتر في العالم
عندما وصلت لسن 19، تزوجت آدا لوفلايس من شخص ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، وهو العالم وليام كينج، والذي تم تعيينه سنة 1838 ليكون "إيرل لوفليس الأول"، ليصبح بذلك اسمها آدا كينغ، وصفتها كونتيسة لوفليس.
هذه المكانة العالية التي وصلت لها بين أفراد المجتمع، ساعدت آدا في التعرف على شخصيات مهمة جداً في البلاد، وكان أبرزهم المخترع والمهندس تشارلز باباج، الذي أصبح واحداً من بين أقرب أصدقائها، وساعدها كثيراً في مجالات بحثها، وتطويرها أول نظام برمجة كمبيوتر.
وابتداءً من سنة 1833، عندما تعرفت على تشارلز لأول مرة، شرعت في التعرف على نظام جهاز "المحرك التحليلي"، الذي كان يعمل على تطويره حينها لكنه لم يرَ النور أبداً.
والمحرك التحليلي كان عبارة عن اختراع جديد على شكل آلة حساب عملاقة، تعمل من خلال حركة مجموعة من العجلات والسنون بالاعتماد على نظام كروت مثقبة كنظام تشغيل لها.
وكانت العناصر التي تم العمل عليها من أجل اختراع هذا الجهاز، والتي ساهمت آدا لوفلايس في تطويرها بشكل شخصي، هي التي تم العمل عليها في نظام تطوير جهاز الكمبيوتر الحديث.
إذ إن آدا درست جميع تفاصيل عمل هذا المحرك، ورافقت قراءتها له بعدة تعليقات إضافية، خصوصاً أنها كانت تعمل في نفس الوقت على ترجمة إحدى المقالات الخاصة بعلوم الرياضيات للعالم الإيطالي لويجي مينابريا، بغرض الاستعانة بنظريته في عملية تطوير "المحرك التحليلي".
وقد كانت نهاية عملية ترجمة ودراسة آدا لوفلايس لهذه المقالات أطول حتى من الأصلية، بعد أن خرجت بنظريتها الخاصة، التي تصف كيف يمكن أن تعمل رموز للجهاز للتعامل مع الأحرف والرموز جنباً إلى جنب مع الأرقام.
كما أنها ابتكرت طريقة للمحرك لتكرار سلسلة من التعليمات بشكل متناسق، وهي عملية تعرف باسم "الحلقات" التي لا تزال برامج الكمبيوتر تستخدمها حتى يومنا هذا، وقد تم نشر بحثها هذا سنة 1843 في المجلات العلمية الإنجليزية.
رفضوا نظريتها لأنها امرأة!
بالرغم من إنجازها الكبير هذا، إلا أن عدد من العلماء جادلوا في صحة أن آدا لوفلايس هي من قامت بتطوير هذا البحث، الذي اعتمدت فيه العديد من الأمثلة الصناعية، للوصول إلى النتيجة النهائية التي نشرت في المجلات العلمية.
إذ إنهم كانوا يحاولون حصر مجال الاختراعات والتطوير العلمي بين عالم الرجال، رافضين أن يكون للمرأة في ذلك الوقت دور مهم في إنجاز بحث بهذه الأهمية.
وقد كان المخترع والمهندس تشارلز باباج من وقف لتأكيد إنجازها، إذ إنه قال إن ما قامت به فاق علم الرياضيات، وإنه اختراع في علم الحوسبة، الذي يسمى "علم العمليات".
وكان أكثر ما يؤكد أنها من اشتغل على تطوير هذا البحث هو حسها الأدبي المخالف، في طريقة كتابتها، وجاء في إحدى الفقرات: "تم تطوير لغة جديدة وواسعة وقوية للاستخدام المستقبلي للتحليل، بحيث يتم استخدام حقائقها حتى تصبح أكثر سرعة ودقة في التطبيق العملي لأغراض البشرية مما تمتلكه الوسائل التي بحوزتنا، وبالتالي، ليس فقط العقلي والمادي، ولكن النظري والعملي في العالم الرياضي، يتم إحضارهما إلى اتصال أكثر حميمية وفاعلية مع بعضهما البعض".
الاعتراف بإنجازاتها العلمية بعد وفاتها
توفيت آدا لوفلايس في 27 نوفمبر من سنة 1852، عندما كانت تبلغ من العمر36 عاماً فقط، بعد أن تطورت أعراض مرض سرطان الرحم الذي كانت تعاني منه.
وقد كانت أيامها الأخيرة صعبة، وذلك لأنها كانت تعاني الكثير من المشاكل رفقة والدتها وزجها، إذ إنها بقيت وحيدة بعيدة عنهم إلى أن توفيت.
وقد تم تلبية طلبها الأخير، وهو دفنها إلى جانب والدها، الذي كان مدفوناً في كنيسة القديسة مريم المجدلية في هوكنال، نوتنغهام.
وقد تم الاعتراف بإنجازات آدا في مجال التطوير وعلوم الكمبيوتر بعد أزيد من 100 عام على وفاتها، بعد أن تم استخدام نظريتها لتطوير جهاز الحاسوب.
وقد حصلت على العديد من التكريمات بعد وفاتها، في عام 1980، أطلقت وزارة الدفاع الأمريكية على لغة الكمبيوتر المطورة حديثاً اسم "آدا"، كما أنها أصبحت رمزاً للمرأة العصرية، من خلال بروز اسمها في مجال التكنولوجيا الحديثة حينها.
ومنذ عام 2009، يتم الاحتفاء بها سنوياً في 15 أكتوبر، لتسليط الضوء على مساهمات النساء في مجال الرياضيات والعلوم، ويتم تنظيم هذا الحدث في مدينة لندن، حيث وُلدت آدا وترعرعت.