تُعلّمنا كتب التاريخ أن فاسكو دي جاما من أعظم المستكشفين، وأن اكتشافاته غيّرت في تاريخ وجغرافيا العالم، لا سيما بعد نجاحه في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، بمساعدة الرحالة العربي أحمد بن ماجد.
وهو كذلك؛ فالحقيقة أن دي جاما من أنجح وأشهر البحارة البرتغاليين في عصر الاستكشافات الأوروبية، وأبرز من وضعوا الأسس الأولى للمستعمرات البرتغالية، كما أنه أول أوروبي وصل إلى الهند بحراً.
لكن ما لا نتعلّمه في المناهج التربوية أن فاسكو دي جاما كان في الواقع مجرماً، إلى جانب ممارسته القرصنة بجميع أشكالها. فالمراجع التاريخية تشير إلى أنه كان كارهاً للمسلمين، وقد ارتكب مجازر بحقهم، وتكشف حقيقته الوحشية والانتهازية.
بسبب وجودها في القسم الغربي من شبه الجزيرة الأيبيرية، مثّل المحيط الأطلسي ممراً أساسياً للبرتغال نحو العالم. وباشر البرتغاليون منذ عام 1341 التوغل في المحيط الأطلسي، حتى تمكنوا من بلوغ جزر الكناري، في الشمال الغربي للقارة الإفريقية.
ورغم وقوع جزر الكناري في قبضة الإسبان خلال وقت لاحق، حققت البرتغال أسبقية علمية في مجال الإبحار وصناعة السفن ورسم الخرائط، بفضل إنجازات ملاحيها.
وهكذا بدأ عصر الكشوف الجغرافية الجديدة للبرتغال، التي تغذيها من دون أدنى شك دوافع استعمارية لتوسيع سيطرتها في القرن الـ15، فتوالت أهدافها واحداً تلو الآخر، حتى وصلت إلى الهند من خلال فاسكو دي جاما.
فمن هو فاسكو دي جاما؟ وهل صحيح أنه اكتشف الهند؟
كثيرون هم البحارة البرتغاليون الذين سبقوا الأوروبيين في اكتشاف السواحل الغربية لإفريقيا في القرن الـ15، على غرار "ديوغو كاو" الذي اكتشف مصب نهر الكونغو بالمحيط الأطلسي، ووصل حتى أنغولا ونامبيا.
وقد نشأ فاسكو دي جاما على وقع تلك الرحلات الاستكشافية منذ صغره، بعدما وُلد عام 1469 بمدينة "سينيز" في جنوب غرب البرتغال، وسط عائلة مرموقة. فوالده كان حاكم منطقة سينيز في البرتغال، أما والدته فمن أصول إنجليزية، ولها قرابة بنجل ملك البرتغال.
وبعدما درس الرياضيات وعلم الفلك والملاحة، التحق دي جاما في عمر الـ11 عاماً بوالده ضمن صفوف منظمة "فرسان سانتياغو"؛ وهي منظمة مسيحية عسكرية، مساندة للملك البرتغال جواو الثاني، الذي تربع على العرش سنة 1481.
في عام 1495، توفي الملك جواو الثاني وخلفه مانويل الأول، الذي كلّف فاسكو دي جاما برحلته البحرية الاستكشافية الأولى نحو الشرق عبر جنوب إفريقيا.
وبعد عامين، سيخوض دي جاما رحلته الاستكشافية الأولى نحو الهند، والتي لم تكن تجارية كما رُوّج إليها، بل هدفت إلى إيجاد مملكة الكاهن يوحنا والتحالف معه ضدّ الدولة العثمانية.
ومملكة الكاهن يوحنا هي مملكة مسيحية أسطورية، يُقال إنها سادت في آسيا الوسطى (أو شرق آسيا أو إثيوبيا) في القرون الوسطى. وقد شغلت بال الكثير من الرحالة الذين حاولوا البحث عنها، ومن بينهم الإيطالي الشهير ماركو بولو الذي ادعى أنه وجدها في الصين خلال رحلته الاستكشافية في القرن الـ13.
غادر دي جاما البرتغال في 8 يوليو/تموز 1497 على رأس أسطولٍ صغير مكوّن من 4 سفن، على متنها 200 رجل.
فشقّ طريقه في المحيط الأطلسي غرباً، ثم جنوباً عبر جزر الكناري، وصولاً إلى جزر الرأس الأخضر قُبالة السواحل الغربية لإفريقيا؛ قبل أن يقوم بدورةٍ كبيرة، قريبة من سواحل البرازيل، ثم مرّ بجزيرة سانت هيلينا، قبل أن يصل إلى رأس الرجاء الصالح.
وبعد عبوره رأس الرجاء الصالح نحو المحيط الهندي، واصل دي جاما رحلته عبر سواحل شرق إفريقيا حتى وصل إلى كاليكوت الهندية، حيث التقى بالراجا (الملك) زامورين الذي رفض عروضه التجارية.
وعاد فاسكو دي جاما من رحلته الأولى إلى الشرق من دون أن يجد أثراً للكاهن يوحنا ومملكته، كما أنه لم يلتقِ إلّا بعددٍ قليل من المسيحيين. وقد أصيب بخيبة أملٍ كبيرة حين علم أن راجا (ملك) مدينة كاليكوت الهندية ليس مسيحياً، بل هندوسياً.
مجازر دي جاما بحق المسلمين
خلال رحلته الثانية إلى الهند، أغار فاسكو دي جاما على سفينةٍ مصرية كانت تنقل الحجاج العائدين من مكة، فأحرقها؛ مُتسبباً في غرق جميع ركابها، بمن فيهم النساء والأطفال.
وتناولت الموسوعة التاريخية Universalis تفاصيل تلك الجريمة، فذكرت أن الرحلة الثانية لدي جاما إلى الهند انطلقت من مدينة لشبونة عام 1502، وضمّت أسطولاً بحرياً كبيراً مُكوّناً من 10 سفن ومُدعماً بأسطولين صغيرين من 5 سفن يقودها أفراد من عائلته.
وبعد مروره على رأس الرجاء الصالح ووصوله إلى شرق إفريقيا، واصل سيره نحو مدينة غوا الهندية التي بلغها عبر الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، ثم انتقل إلى ميناء كانا موري في جنوب غرب الهند، حيث كان يترصد مرور السفن التجارية العربية.
وبعد أيام قليلة، وصلت سفينة عربية مُحمّلة بالبضائع وعلى متنها ما بين 200 و400 مسافر، من بينهم نساء وأطفال. فاستولى فاسكو دي جاما عليها وعلى أموال المسافرين، قبل أن يضرم النار فيها، متسبباً بحرق جميع ركابها وهم أحياء.
في حوارٍ له مع مجلة L'OBS الفرنسية، أكد المؤرخ الهندي سنجاي سوبراهمانيام هذه المجزرة، قائلاً: "لم يتردد في إغراق سفينة تابعة للسلطان المملوكي، وعلى متنها مئات الحجاج العائدين من مكة".
لم يذكر سوبراهامانيام اسم السلطان المملوكي، ولكن بحسب الفترة التي تواجد فيها دي جاما بالمحيط الهندي، يُعتقد أنه كان يقصد السلطان قنصوه الغوري الذي حكم الدولة المملوكية في مصر من 1500 إلى 1516؛ وشملت مناطق نفوذه الشام والحجاز أيضاً.
ولفت سنجاي سوبراهامانيام (أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا) إلى أن فاسكو دي جاما، مثله مثل أي برتغالي من طبقة النبلاء في القرن الـ16، كان مهووساً بمحاربة الإسلام.
وأشار إلى أن ظاهرة الكراهية تجاه الإسلام كانت قوية بالبرتغال في تلك الفترة، وأن الملك مانويل الأول كان يحلم بالقضاء على الدين الإسلامي بشكلٍ نهائي.
قتل 38 رهينة.. الهمجية تجاه الهنود
كان دي جاما عنصرياً وكارهاً للمسلمين من دون أدنى شكّ، لكنه ارتكب أيضاً مجازر بحق الهنود.
بعض المصادر تُشير إلى أنه، وعندما ذهب إلى الهند، طالب بمنع جميع المسلمين من دخول البلاد. وكان اتفاقه مع الهنود أن يعطيهم امتيازات وإعفاءات، مقابل إنهاء الوجود الإسلامي في البلاد.
وعندما رفض الهنود ذلك، قصف مدينة كلكتا الهندية في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1502، بعدما خاض مع سكانها حرباً على مدى 3 أيام، وأسر عدداً كبيراً من جنودها ثم شنقهم داخل السفن، وقطّع أيديهم وأقدامهم ورؤوسهم.
وفي هذا الإطار، يتحدث موقع Navrang India عن مجازر فاسكو دي جاما بحق الهنود، قائلاً: "لسوء الحظ، لا يوجد في التاريخ أي ذكر لنهجه غير الإنساني والهمجي تجاه الهنود".
إضافةً إلى ذلك، هدّد دي جاما بحرق مدينة "كيلوا" (التابعة حالياً لدولة تنزانيا) في حال رفض أميرها الخضوع للبرتغاليين، ومبايعة ملك البرتغال مانويل؛ الأمر الذي أجبر حاكم المدينة على تنفيذ رغبات دي جاما.
لاحقاً توجه المستكشف البرتغالي إلى مدينة كاليكوت الهندية لمعاقبة حاكمها "الراجا" زامورين على الامتيازات التي منحها للتجار العرب، فقصف ميناء المدينة وقتل 38 رهينة بسبب رفض الراجا منحه مرفأً تجارياً.
وأوضح موقع Science Post أنه بعد فشل فاسكو دي جاما في إغراء راجا كاليكوت، توجه نحو مدينة "كوتشن"، على بعد 100 كلم جنوب كاليكوت حيث أنشأ أول مرفأ تجاري برتغالي بآسيا.
الرحلة الثالثة إلى الهند انتهت بوفاته
بعد رحلتيه إلى الهند، فضّل فاسكو دي جاما البقاء رفقة عائلته في البرتغال، والتمتع براحة اختيارية استمرت 20 عاماً، بدأت عام 1503.
لكن الملك الملك جواو الثالث (خليفة الملك مانويل الأول) عيّنه في منصب نائب الملك بالهند عام 1524، من أجل محاربة الفساد الذي كان قد بدأ يستشري في المرافئ التجارية البرتغالية بالهند.
وللقيام بمهمته الجديدة، شدّ فاسكو دي جاما رحاله نحو الشرق في العام نفسه، ولكنه توفي بعد وقتٍ قصير من وصوله إلى مدينة كوتشي الهندية، حيث أصيب بمرض الملاريا.
دُفن بكنيسة "سان فرانسوا" في المدينة الهندية نفسها، قبل أن يتم نقل رفاته إلى البرتغال من قِبل أحد أبنائه سنة 1539، ويُعاد دفنها بديرٍ كاثوليكي في قرية "فيديغويرا" (جنوب البرتغال) التي كان يعيش فيها قبل رحلته الأخيرة إلى الهند.