احتفى محرك البحث "جوجل" في صفحته الرئيسية برسم فني للكاتب السعودي الراحل عبد الرحمن منيف، في ذكرى ميلاده الـ90 نهاية شهر مايو/أيار من عام 2023.
في هذا التقرير نستعرض أبرز المحطات في حياته كواحد من أهم الكتاب والروائيين العرب، والأعمال التي جعلت الكثيرين يعتبرون عبد الرحمن منيف روائياً منفياً، بسبب معارضته للأنظمة العربية الحاكمة فيها.
نشأة غنية بالتجارب والتنقّل
ولد الكاتب والمفكر عبد الرحمن منيف في 29 من مايو/أيار عام 1933، لأب سعودي ورث منه هويته الوطنية، وأم عراقية، في مدينة عمان بالأردن.
قضى المراحل الأولى من حياته مع عائلته المتنقلة بين دمشق وعمان وبعض المدن السعودية. وأنهى دراسته الثانوية في العاصمة الأردنية، وحينها بدأ نشاطه السياسي وانتماءه لصفوف حزب البعث الذي كان يتشكل حديثاً في ذلك الوقت.
وبحسب موقع "جود ريدز" (Goodreads) الثقافي للكتب، التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952. وبعد توقيع "حلف بغداد" في عام 1955 طُرد منيف مع عدد كبير من الطلاب العرب من البلاد بسبب التوجهات السياسية، فاستقر في مصر.
تابع دراسته في جامعة القاهرة، ومنها حصل على شهادة الليسانس من كلية الحقوق. ثم في عام 1958 أكمل دراسته العليا في جامعة بلغراد، بيوغسلافيا، حيث حاز على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، وتحديداً اختصاص اقتصاديات النفط عام 1961.
بعدها عاد إلى بيروت حيث انتُخب عضواً في القيادة القومية لحزب البعث لأشهر قليلة، ثم في عام 1962 انتهت علاقته السياسية التنظيمية مع الحزب بعد مؤتمر حمص بسبب اختلافات الأهداف ووجهات النظر.
في عام 1963 تم سحب جواز سفره السعودي من قبل السفارة السعودية في دمشق تذرعاً بانتماءاته السياسية، ولم يتمكن من استعادته حتى وفاته في 2004.
عام 1964 عاد إلى دمشق ليعمل في مجال اختصاصه في الشركة السورية للنفط، "شركة توزيع المحروقات"، وفي مرحلة لاحقة عمل مديراً لتسويق النفط الخام السوري.
ثم بحلول عام 1973 استقر في بيروت قبل أن يغادرها عام 1975 ليستقر في بغداد، وهناك عمل خبيراً اقتصادياً، وتولى إصدار مجلة تعنى باقتصاديات النفط، وهي "النفط والتنمية" التي كان لها ثقل وأهمية في هذا المجال آنذاك. وقد استمر فيها حتى عام 1981 واندلاع الحرب العراقية الإيرانية.
بعد اندلاع الحرب، انتقل إلى باريس حيث تفرغ للكتابة الروائية بشكل كامل. فكانت "مدن الملح" بأجزائها الأولى من أهم إنتاجاته آنذاك.
لم يدم الاستقرار في أوروبا طويلاً، حيث غادر باريس في بداية 1987 عائداً إلى سوريا، واستقر في مدينة دمشق متنقلاً بينها وبين بيروت ليتابع الكتابة الأدبية بشكل كامل، فكان له إرث ثقافي ثمين فيما تركه وراءه من روايات تلك الفترة.
أعماله الأدبية وإرثه الثقافي
تمكن عبد الرحمن منيف في رواياته من عكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، والتحولات الثقافية العنيفة التي شهدتها المجتمعات العربية، وخاصة في دول الخليج العربية، فأطلق على نفسه لقب الثائر الروائي، وتناولت أغلب أعماله الأدبية مواضيع سياسية أبرز فيها نقمته للأنظمة العربية، وله في ذلك الكثير من الكتابات الشهيرة.
كما عانى خلال حياته جراء نقده للأنظمة العربية الحاكمة كالنظام السعودي، والنظام العراقي برئاسة صدام حسين، فاعتبره الكثيرون "أديب المنفى".
تميزت المسيرة المهنية للأديب بالجرأة في طرح مواضيع حساسة مثل الحقوق والحريات في الدول العربية، فكان له في ذلك عدد كبير من المؤلفات.
وتُعد أبرز مؤلفات الكاتب والمؤلف عبد الرحمن منيف سلسلة "مدن الملح" الخماسية، التي تناول فيها قصة اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية، وهاجم فيها النظام بشكل روائي فريد. وقد ساعده في كتابتها معايشته لحجم التغيرات التي أحدثتها الثورة النفطية في صميم وبنية المجتمعات الخليجية العربية في ذلك الوقت.
كذلك اشتهرت له رواية "شرق المتوسط" التي تناول فيها ما يتعرض له المعتقلون في سجون المخابرات في الدول العربية، وهي تُعتبر أول رواية عربية تصف هذا الجانب من جرائم الأنظمة.
ومن بين رواياته الأخرى: الأشجار، واغتيال مرزوق، وحين تركنا الجسر، ورواية عالم بلا خرائط، وقصة حب مجوسية، والنهايات، وسباق المسافات الطويلة. بالإضافة إلى مجموعة من الكتب، مثل: لوعة الغياب، والديمقراطية أولاً، وغيرها الكثير.
ويُصنف عبد الرحمن منيف واحداً من أبرز الأدباء العرب وكُتّاب اليسار في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة. حيث وصف نفسه في عدد من كتاباته بـ"الثائر الروائي"، وظل واحداً من أشد المعارضين لمعظم الأنظمة العربية.
لذلك فقد اعتبره الكثيرون واقعاً تحت حُكم النفي السياسي نتيجة لآرائه تجاه النظام السعودي. ورغم معارضته الشديدة لنظام الرئيس العراقي صدام حسين، فقد ظل رافضاً للغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 ولكل ما ترتب عليه، كما بقي إلى آخر أيامه معارضاً "للإمبريالية العالمية".
وبعد حياة زاخرة بالأعمال والثراء الفكري، توفي عبد الرحمن منيف يوم 24 يناير/كانون الثاني من عام 2004 بسوريا، عن عمر ناهز 71 عاماً.