بابا علي، أو بابا علي شاوش، هو أحد دايات إيالة الجزائر العثمانية، حيث حكم الجزائر من عام 1710 إلى عام 1718، وخلال هذه الفترة نفذ الشاوش إصلاحات سياسية مهمة، فقد نجح في حلّ العديد من المشاكل التي كانت تعيش في ظلّها الجزائر، كما أصلح ديوان الحكم وأعاد تشكيله، والأهم من ذلك أنّه جعل الجزائر تتمتع بحكمٍ ذاتي بعيداً عن قرارات الباب العالي بإسطنبول، وذلك بعد محاولته الاستقلال بالجزائر عن الحكم العثماني، كما أنّه صاحب الفضل في إبعاد انكشارية الجزائر عن الحكم، وذلك بعد أن ارتكب مجزرة كبيرة في حقّ قادتهم.
الانكشارية.. الطائفة العسكرية التي أرادت حكم الجزائر بالدم
قبل جلوس بابا علي على الحكم، كانت الجزائر تعيش أوضاعاً سياسياً مضطربة، كانت الانقلابات والاغتيالات السياسية الميزة البارزة التي طبعت المشهد طيلة تحوّل نظام الحكم من الباشاوات إلى الدايات، إذ من النادر أن يبقى على حكم الجزائر شخص لفترة تزيد على الخمس سنوات، فالكثير من حكام الجزائر حينها تعرضوا إلى مؤامراتٍ واغتيالاتٍ بشعة، فهناك من لم يبقَ في الحكم أكثر من يومٍ واحدٍ، قبل أن يجد الجزائريون رأسه معلقاً على أبواب القصبة.
فمثلاً نصّب محمد بقطاش الذي ينتمي إلى طائفة رياس البحر داياً على الجزائر في العام 1707، وبعد ثلاث سنواتٍ من الحكم، قُتل مع أفراد أسرته وكل أبنائه، بعد انقلابٍ على حكمه، ولم يكتفِ المنقلبون بقتل داي الجزائر حينها، بل مثلوا بجثمانه؛ إذ قطّعوا جسده إلى أشلاء وعلقوها على أبواب القصر ترهيباً لرياس البحر.
خلفه في الحكم ابن أخته دالي إبراهيم، الذي لم يلبث سوى 5 أشهر في الحكم حتى لقيَ نفس مصير خاله.
ورغم موجة العنف التي كان يرتكبها الانكشارية ضدّ كلّ داي يعيّن في الحكم، إلّا أنّ طائفة رياس البحر استمرت في تعيّين حاكم الجزائر، واختارت هذه المرة أحد قادتها وهو بابا علي شاوش، وهو الحاكم الذي وضع حداً لعنف الانكشارية.
بابا علي.. الكرغلي الذي انتصر على الانكشارية
لا يُعرف الكثير عن أصول بابا علي، غير أنّ حمله للقب شاوش يوحي أنّه من أصلٍ كورغلي، وهو اللقب الذي يطلق على الذي يمزج بين الأصول التركية والجزائرية.
ومنذ فترة مبكرةٍ من حياته انضم بابا علي إلى البحرية الجزائرية وصار أحد قادتها، إذ صار أحدّ أهم قادة طائفة رياس البحر التي كانت تمثل في ذلك الوقت قيادة القوات البحرية.
بعد مقتل دالي إبراهيم من قِبل طائفة الانكشارية التي كانت تمثل قيادة القوات البرية في ذلك الوقت، وقع اختيار رياس البحر سنة 1711، على قائدهم بابا علي شاوش من أجل قيادة الجزائر في ظلّ أوضاعٍ داخلية وإقليمية صعبة.
كانت مشاهد رأس الداي محمد بقطاش، وأشلاء سلفه دالي إبراهيم تخيّم على الحاكم الجديد للجزائر الذي كان يخشى نفس المصير، خصوصاً مع تغلغل الانكسارية في كلّ مكانٍ.
ومنذ أوّل يومٍ له في الحكم وضع بابا علي بين عينيه تحييد خطر الانكشارية على عرشه، إذ جمع أغلب قادتها والمتورطين في الفوضى والانقلابات وكلّ من أثبتت التحقيقات تشكيله تهديداً على استقرار الجزائر في الديوان وقام بإعدامهم جماعياً في مدينة القصبة، وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أنّ بابا علي أعدم ألف رجلٍ من الانكشارية في ذلك اليوم أمام سكان القصبة ليكونوا عبرةً لمن يريد تغيير الحكم بالقوة.
أقام إصلاحاتٍ إدارية وسياسية أعادت الاستقرار للجزائر
يمكن القول إنّ الدرس الذي أخذه بابا علي من تجارب أسلافه في حكم الجزائر قد ساعده في فرض الاستقرار بالجزائر، فقد عمل بابا علي شاوش على إصلاح ديوان حكم الجزائر بحكم أنّه مركز للمؤمرات التي طالت دايات الجزائر وحكامها، فقام بتغيير أعضاء الديوان بكامله وعيَّن آخرين موالين له وأكثر كفاءة، إذ اعتمد كلياً على رياس البحر في ذلك.
كما أنّه نقل مقر حكمه إلى القصبة، حيث ابتعد عن مراكز مؤامرات الانكشارية، وسفارات وقنصليات الدول الأجنبية، كما ساعده هذا القرار في الاقتراب من ساكنة مدينة الجزائر ونيل حبّهم، حتى إنّ الجزائريين صاروا يلقبونه بسلطان الجزائر.
ولإشغال طائفة رياس البحر ومنعها من التدخل في الحكم أو حتى تشكيل تهديدٍ على حكمه، قام بتشجيع قادتها على الجهاد البحري، وبالتالي أعاد لرياس البحر دورهم الرئيسي في محاربة الغزاة والدفاع عن الجزائر وجلب مداخيل جديدة لخزينة الدولة من أجلّ حلّ مشاكلها الاقتصادية، وذلك وفقاً لـ مقال أكاديمي بعنوان "الإصلاحات السياسية في الجزائر العثمانية".
حاول الاستقلال بالجزائر عن الدولة العثمانية
منذ توليته حكم الجزائر، كان بابا علي يدرك أنّ وجود شخصين يحكمان في الجزائر، لا يمكن أن يكون عاملاً لسير أمور الحكم بسلاسة، فقام الشاوش بخطوة جريئة، وهي رفضه تعيين السلطان العثماني لخليفةٍ له على إيالة الجزائر ورفض استقباله.
وكما كانت تمشي عليه عادات الحكم في الدولة العثمانية، كان السلطان العثماني يعيّن نائباً له على كلّ إيالة تابعة للعثمانيين، يطلق على هذا النائب اسم الباشا.
وعلى الرغم من أن وظيفة الباشا خلال فترة حكم الدايات التي امتدت من سنة 1671 حتى سقوط الجزائر في يد الاحتلال الفرنسي كانت رمزية ولا يتدخل في شؤون الحكم، إلّا أنّ بابا علي لم يرضَ أن يكون هناك شخص ينازعه النفوذ حتى ولو صورياً.
رفض بابا علي شاوش استقبال إسماعيل الباشا الذي أرسله السلطان العثماني أحمد الثالث سنة 1711، وقام بطرده، وتوجه بعدها إلى إسطنبول بمجموعةٍ كبيرةٍ من الهدايا إلى السلطان أحمد وطلب منه أن يعيّنه باشا وداياً في نفس الوقت، وبهذه الخطوة أصبح بابا علي الحاكم الآمر والناهي في الجزائر، وذلك وفقاً لكتاب "الدولة الجزائرية الحديثة ومؤسساتها" للمؤرخة الجزائرية عائشة غطاس.
وبذلك كانت فترة حكمه حسب المؤرخين تعدّ استقلالاً للجزائر عن الدولة العثمانية، فقد كان يتخذ قراراته دون الرجوع إلى الباب العالي، وبشكلٍ تدريجي شرع شاوش في تحرير الوصاية العثمانية على الجزائر وإضفاء الطابع الرسمي على وضعها ككيان سياسي مستقل.
مع ذلك، لم يمنع بابا علي الأسطول الجزائري من المشاركة في الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية ضد البندقية والبلقان.
اهتم بابا علي أيضاً بالأوضاع الداخلية لدولته، واهتم بالزراعة، فخلال فترة حكمه كانت الجزائر يطلق عليها اسم مخزن أوروبا للحبوب، فقد كانت معظم الدول الأوروبية تستورد القمح من الجزائر على رأسها فرنسا.
أعاد للجزائر هيبتها ومات موتةً طبيعية
كما قام بترسيم الحدود الشرقية والغربية للجزائر، وتنظيم الحكومات المحلية على المستوى المركزي والمحلي (البيليك) بشكل جيد، وتم تحديد وظائف كل منها.
وخلال فترة حكمه، كان القناصلة الأوروبيون ينظرون للجزائر كدولة مستقلة ولم تعد تابعةً للإمبراطورية العثمانية لذلك تسابق هؤلاء على عقد المعاهدات والاتفاقيات مع بابا علي شاوش.
وبعد أن نجح في فرض الاستقرار وتعزيز الجبهة الداخلية للجزائر، التفت بابا علي إلى الدول الأوروبية التي كانت تتحرش بالجزائر ولا تفي بالتزاماتها المالية للخزينة الجزائرية، فأعلن الحرب ضد الهولنديين عام 1715، وخطط لفعل الشيء نفسه مع بريطانيا، بسبب توقيفهم دفع الجزية للحكومة الجزائرية.
وفي عهده أيضاً ضرب الجزائرَ زلزال عنيف هو زلزال عام 1716، الذي تسبب في دمارٍ وخسائر هائلة.
وعلى الرغم من أنّ معظم دايات الجزائر كانت نهاياتهم دموية ومأساوية، سواء كانوا أقوياء أو ضعفاء، إلّا أنّ نهاية بابا علي لم تكن دموية، إذ مات ميتة طبيعية سنة 1718.
لكن الجهود الذي بذلها بابا علي شاوش في فرض استقرار الجزائر واستقلالها ذهبت سُدى، إذ سرعان ما أعاد خلفه الداي محمد بابا حسن للعثمانيين سلطتهم على الجزائر وأعطى الانكشاريين السلطة على مدينة الجزائر من جديد.