“خط مارث”.. أهم المعارك الفاصلة في شمال إفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية

تم النشر: 2023/05/24 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/24 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
معركة خط مارث مارس/أذار 1943 /ويكيبيديا

بعد انسحابه وهزيمته في معركة العلمين الثانية، كان الجنرال الألماني إرفين روميل يفكر في الطريقة التي يدافع بها عن سيطرته على ليبيا، ولكن بعد أن نجح الحلفاء في تنظيم إنزالهم في شمال إفريقيا في إطار عملية الشعلة، أدرك الجنرال الألماني أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ جيشه هو الانسحاب إلى تونس، وهناك كانت قوات المحور بقيادة الجنرال روميل أمام معركةٍ حاسمة ضد الحلفاء هي معركة خط مارث، فقد كان الألمان وحلفاؤهم الإيطاليون يقفون وراء خطٍّ دفاعيٍّ حصين، في محاولةٍ منهم لحماية آخر معاقلهم في شمال إفريقيا.

كانت معركة خط مارث (Battle of Mareth Line)، جزءاً من عملية الحلفاء بقيادة الجنرال برنارد مونتغمري في تونس خلال الحرب العالمية الثانية، والتي هدفت إلى مهاجمة دفاعات مارث لاين، التي كانت تحتفظ بها القوات الألمانية والإيطالية. 

أمام تلك الأوضاع، كان موسوليني بشكلٍ أساسي غير راغب في التخلي عن الجزء الأخير من إمبراطوريته الإفريقية دون قتال، لذا حاول إجبار روميل على الانسحاب إلى تونس من أجل الدفاع عنها، وعند بدء المعركة كان روميل في أوروبا، بينما ترك مسؤولية قوات الحلفاء هناك تحت قيادة الجنرال الإيطالي جيوفاني ميسي.

خلافاتٌ إيطالية ألمانية حول خط مارث

كان رومل رافضاً لخطة موسوليني بالاعتماد على خط مارث، فقد كان الجنرال الأماني يشك في كفاءة خط مارث من جهة، وحاول من جهة أخرى أن يدفع قيادة قوات المحور إلى التركيز على محور الشمال، بينما دافع الطليان على موقع الخط والمواجهة، وعيّن جنرال إيطالي لقيادة قوات المحور هناك، وهي المرة الأولى التي أصبحت فيها الوحدات الألمانية تحت القيادة الإيطالية.

معركة خط مارث
الجنرال ميسي، قائد قوات المحور في معركة خط مارث / ويكيبيديا

وعندما سافر رومل إلى ألمانيا من أجل إقناع هتلر بالعدول عن خطة الاعتماد على خط مارت لصد هجوم الحلفاء على تونس، كان الوقت قد تأخر، ففي الـ10 من مارس/آذار 1943، وهو اليوم الذي اقتنع فيه هتلر برؤية رومل، كانت قوات الحلفاء قد وضعت خطتها للمعركة، ونقلت تجهيزاتها إلى حدود خط مارث، وكان على قوات المحور القبول بالأمر الواقع وانتظار المواجهة الحتمية.

خط مارث.. الجدار الدفاعي الذي شيّده الفرنسيون قبل الحرب العالمية، واحتله الألمان والإيطاليون

في الحقيقة، كان خط مارث موجوداً قبل أن تضع القوات الألمانية والإيطالية أقدامها في التراب التونسي خلال الحرب العالمية الثانية، فقد أنشأت القوات الفرنسية هذا الخط الدفاعي في الفترة ما بين عام 1936، إلى يونيو/حزيران 1940، وذلك لصد أي هجوم محتمَل على الأراضي التونسية من طرف القوات الإيطالية انطلاقاً من الأراضي الليبية.

كان يسمى هذا الخط بـ"خط مارجينو الصحراوي" ويمتد على مسافة 45 كم بين البحر وجبال مطماطة، ويعتمد أساساً على وادي زقزاو.

يتكون الخط من 40 حصناً للمشاة و8 حصون للمدفعية و15 مركزاً للقيادة و28 نقطة مساندة، وبنيت هذه النقاط بالأسمنت المسلح ونشرت المدافع المضادة للدبابات والطائرات، كما تم حفر الخنادق ونشر الأسلاك الشائكة وزرع الألغام.

معركة خط مارث
مخطط معركة خط مارث / ويكيبيديا

تمتد الدفاعات الرئيسية للخط من البحر عند زازات لمسافة 22 ميلاً حتى تلال مطماطة المرتفعة في الغرب، والتي يمكن منها الإشراف تماماً على السهل الساحلي، وتعد مانعاً قوياً يصعب اختراقه؛ إذ لا يوجد فيها سوى عدد قليل من المدقات الصحراوية عبر ممرات ضيقة يصعب السير عبرها.

وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وهزيمة الفرنسيين أمام الألمان سنة 1940 قامت لجنة فنية ألمانية ايطالية بتجريد الخط من الأسلحة والمعدات، لكن سرعان ما أعادت ألمانيا وإيطاليا تسليح الخط من جديد، إثر تراجع القوات الألمانية والايطالية بقيادة رومل سنة 1942، بعد ضغط الجيش الثامن البريطاني بقيادة مونتغومري، مما أجبر قوات المحور على الانسحاب من ليبيا باتجاه تونس، وحينها قام المحور بإعادة إحياء خط مارث.

تجهيز قوات المحور والحلفاء لـ معركة خط مارث

طوال الفترة ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 1942 ومارس/آذار 1943، تمّت تعبئة 7 آلاف عسكري، من أجل القيام بأعمال التعزيز وإعادة التجهيز الهندسي، فقاموا بحفر 25 كلم من الخنادق المضادة للدبابات وتهيئة مجاري وضفاف وادي زقزاو وروافده، كما قاموا بوضع أسلاك شائكة على طول ما يقارب 100 كم، وزرعوا حوالي 100 ألف لغم مضاد للدبابات و70 ألف لغمٍ مضادٍ للأفراد.

معركة خط مارث
جنود بريطانيون في معركة خط مارث / ويكيبيديا

كما سارعت ألمانيا إلى إرسال قوات برية وبحرية وجوية لتأمين جنودها في المنطقة وحماية تونس من أي هجومٍ مرتقبٍ من قبل قوات الحلفاء، وبحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 1942، كان للألمان قوات كبيرة في تونس تُقدر بحوالي 15 ألف جندي، كما كانت قوات المحور تسيطر على مطارات تونس وصقلية.

على الجانب الآخر، نجح الحلفاء طيلة تلك الفترة في خنق قوات المحور، ومحاصرتها في تونس، وذلك بعد أن نجح الجيش الثامن البريطاني بقيادة مونتغومري في هزيمة الألمان في العلمين، ومن ثم إجبارهم على الانسحاب من ليبيا، بينما كان الجنرال الأمريكي إيزنهاور قد نجح في إنزال قواته في المغرب والجزائر.

معركة خط مارث.. أهم المعارك الفاصلة في شمال إفريقيا

عند بداية المواجهة، كان عدد جنود الحلفاء نحو 160 ألف جندي معززين بـ750 دبابة و700 قطعة مدفع ميدان و1000 مدفع مضاد للدبابات و535 طائرة، بالإضافة إلى القطع البحرية الحربية، بينما كان عدد قوات المحور 76 ألف جندي فقط، مسندين بـ150 دبابة و450 مدفع ميدان و500 مدفع مضاد للدبابات و123 طائرة.

وفي 19 مارس/آذار 1943، هاجم الفيلق XXX التابع للجيش الثامن البريطاني بقيادة الجنرال برنارد مونتغومري خط مارث في إطار عملية تحمل الاسم الرمزي Pugilist

بصعوبة بالغة اخترقت فرقة المشاة الخمسين (نورثمبريا) الخط الإيطالي بالقرب من زارات. ومع ذلك، منعت التضاريس والأمطار الغزيرة نشر الدبابات والمدافع المضادة للدبابات، لذا كان المشاة في الوقت الحالي بمفردهم، مما سهل الهجوم المضاد لفرقة بانزر الخامسة عشرة في 22 مارس لاستعادة جزء كبير من رأس الجسر.

معركة خط مارث
نجح الحلفاء في طرد قوات المحور من تونس بعد معركة خط مارث /ويكيبيديا

وفقاً لـ historyofwar، وبعد فترة وجيزة، أعد الفيلق XXX هجوماً جديداً على تلوف في 23 مارس، حول الطرف الأيسر من الخط، لينجح في خلق ثغرة في الخط.

بعد ظهر يوم 26 مارس/آذار، كان الفيلق النيوزيلندي قد نجح في تطويق خط مارث اختراق ثغرة ميلاب – طباقة، والتوجه نحو قابس لتهديد مؤخرة قوات المحور في معركة خط مارث.

في تلك الأثناء، تمكّن الجيش الثامن البريطاني من تجاوز خط مارث، مما أجبر قوات المحور على إخلاء مواقعها الدفاعية بالخط، والتوجه شمالاً وبذلك انتهت المعركة يوم 28 مارس 1943. حيث بدأ الجيش الألماني في الانهيار التدريجي بعدها.

فقد تمّ حصر جيوش المحور بمنطقة الوطن القبلي التونسي؛ حيث نفدت ذخائرها ومؤنها، في وقتٍ توجه بعض منها نحو الساحل بالقرب من بنزرت.

وعندما استحال على القوات الإيطالية والألمانية الإبحار إلى إيطاليا، استسلمت قوات المحور في تونس في 12 مايو/أيار 1944، لتنتهي بذلك الحرب في منطقة شمال إفريقيا.

لتكون معركة خط مارث، واحدةً من أهم المعارك الفاصلة في الحرب العالمية الثانية بشمال إفريقيا، فقد مهّدت لتحرير تونس من قوات المحور.

تحميل المزيد