أرادت إحياء حركة المرابطين من جديد.. “بنو غانية” الدولة الأمازيغية التي حكمت الجزائر وتونس وحاربت الموحدين 50 سنة

تم النشر: 2023/05/13 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/13 الساعة 12:17 بتوقيت غرينتش
دولة بنو غانية التي حاربت الموحدين لنصف قرن / ويكبيديا

بدأ ظهور سلالة بنو غانية في المشهد التاريخي في فترة حكم المرابطين، حين انضمّ جدهم الأوّل علي بن يوسف المسوفي إلى حركة المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين، وخلال وقتٍ قصير صار علي المسوفي سليل قبيلة مسوفة البربرية أحد قادة دولة المرابطين، عندها زوّجه يوسف بن تاشفين من قريبة له تدعى غانية، فأنجب منها ولداً يدعى محمد، الذي تدرج في مناصب الدولة حتى أصبح والياً على الجزائر الشرقية (جزر البليار)، وعندما نجح الموحدون بقيادة المهدي بن تومرت في إسقاط المرابطين، خرج بنو غانية من معقلهم في جزر البليار، من أجل إحياء حركة المرابطين من جديد، فقاموا بثورةٍ شرسة ضد دولة الموحدين، دامت قرابة نصف قرن، كاد من خلالها بنو غانية أن يسقطوا الموحدين.

من هم بنو غانية الذين أسسوا دولة في الجزائر الشرقية؟ 

وفقاً لـ المذكرة الجامعية بعنوان: "أثر ثورة بني غانية على الدولة الموحدية"، ينتمي بنو غانية إلى قبيلة مسوفة البربرية، التي كانت مضاربها تمتد في الصحراء بين سجلماسة في الشمال وادغشت في الجنوب، أي ما يعرف الآن بالصحراء الغربية وموريتانيا.

وينتسب بنو غانية إلى إحدى أميرات المرابطين والتي تدعى غانية اللمتونية، وهي قريبة يوسف بن تاشفين والتي زوجها إلى جدّهم الأول كما سبق وأن ذكرنا، وعن سبب انتسابهم إلى هذه المرأة، يعزوه المؤرخون إلى أنّ المرابطين كانوا ينسبون أبناءهم إلى أمهاتهم، ربما بسبب أن الرجال يتزوجون بعدة نساء فينسب الأولاد إلى الأمهات تمييزاً لهم عن بعضهم البعض في البيت الواحد، وهناك من يرى أن العادة عندهم أنه متى كانت الأم ذات خلال شريفة ومكانة سامية بين القوم نُسب الأولاد لها تشريفاً لهم، لذا نجد تسميات كثيرة على هذه الشاكلة في دولة المرابطين، مثل ابن الصحراوية وابن عائشة وابن فنو.

بنو غانية
بنو غانية / ويكيبيديا

وخلال الفترة التي بسطت فيها دولة المرابطين سيطرتها على المغرب الإسلامي والأندلس، كانت أسرة بني غانية تحكم جزر البليار والتي كانت تعرف حينها بإسم " الجزائر الشرقية"، والتي كانت المعقل الرئيس للمرابطين حين تأزمت بهم الفتن وبلغت ثورة الموحدين عليهم الأفاق، فأسّس فيها بنو غانية دولة مستقلةً بعد أن اضطربت أحوال الدولة المرابطية في المغرب الإسلامي، وقامت الثورة في أنحاء الأندلس على المرابطين، وكان من أبرز قادتها محمد بنو غانية.

صراع بني غانية مع الموحدين الذي دام نصف قرن

بعد أن تمكن الموحدون من فرض سيطرتهم على الأندلس، أرسلوا في عام 1183 يطلبون من إسحاق بنو غانية الذي خلف أبيه محمد بنو غانية في حكم الجزائر الشرقية للدخول في طاعتهم، وهنا لم يتمكن إسحاق بنو غانية من حسم الأمر، لاختلاف أفراد عائلته بشأن الدخول في الطاعة من عدمها، فعند خروجه في غزوة إلى قطلونية، استشهد هناك، فخلفه أحد أبنائه، ويدعى محمد بنو غانية.

أبدى هذا الأمير استعداده للدخول في طاعة الموحدين، إلا أن إخوته عاجلوه، فعُزل وتولى بدلاً منه أخوه علي بنو غانية، الذي رفض الخنوع للموحدين. 

استقر أمر الموحدين إلى غزو الجزائر الشرقية وإسقاط بني غانية من حكمهم كسبيل لإخضاعهم، وفي الوقت الذي كانوا يعدّون فيه العدة لغزو الجزائر الشرقية، قُتل الخليفة الموحدي يوسف بن عبد المؤمن في معركة شنترين بالأندلس عام 1184م، فتلكأ رجالات دولة الموحدين في مبايعة ابنه أبو يوسف يعقوب الملقب بالمنصور بالله.

بنو غانية
صراع بنو غانية مع الموحدين دام 50 سنة / ويكيبيديا

وفقاً لورقة بحثية بعنوان: "نتائج ثورة بني غانية 580ـ – 633هـ/ 1184-1237م"، استغل بنو حماد الذين كانوا يحكمون المغرب الأوسط (الجزائر) تلكؤ الموحدين في اختيار خليفة لدولتهم، وأرسلوا إلى بني غانية يدعونهم للتقدم للاستيلاء على بجاية ويعدونهم بالمؤازرة.

لم يفكر حكام الجزائر الشرقية كثيراً في مساعدة الدولة الحمادية على الدخول إلى بجاية، فاستجاب بنو غانية وساروا بأسطول بحري من نحو 40 سفينة بقيادة علي بنو غانية إلى مدينة بجاية، وتمكنوا بمؤازرة من بنو حماد من الاستيلاء عليها بسهولة، ثم سرعان ما لبثوا أن اجتاحوا مدن المغرب الأوسط كمدينة الجزائر ومليانة وحاصروا تلمسان وقسنطينة بعدما لمسوا ضعف قوة الموحدين في تلك النواحي.

وأمام مدّ بني غانية أعد الذين سيطروا على كامل الجزائر الحالية، أمر أمير الموحدين المنصور بالله بشنّ حملة عسكرية من 12 ألف مقاتل من أجل صدّ زحف بني غانية، وبالفعل استطاع الموحدون استرجاع المغرب الأوسط حتى مدينة بجاية، التي حاصروها سبعة أشهر حتى سقطت عام 1185م، ومن ثم لاحق فلول بني غانية الذين فروا وتحصنوا في بلاد الجريد (الجنوب التونسي).

حكموا تونس والجزائر وكادوا يسقطون الموحدين من المغرب

بعد طردهم من المغرب الأوسط، لجأ بنو غانية إلى الجنوب التونسي، هناك كان العديد من القبائل العربية التي استقرت بالمنطقة فيما يعرف بالهجرة الهلالية، وإضافةً إلى قبائل بني هلال، تحالف بنو غانية مع أحد القادة العسكريين البارزين في جيش صلاح الدين الأيوبي، وهو شرف الدين قراقوش، الذي أرسله صلاح الدين بحملة عسكرية لناحية ليبيا للاستيلاء عليها حتى لا يتقدم الموحدون إلى مصر، الأمر الذي جعل ثورة بني غانية تزداد قوة، وبالفعل نجح بنو غانية وحلفاؤهم في السيطرة على معظم المدن التي فقدوها في الجزائر وتونس. 

بنو غانية
حكم بنو غانية كلا من الجزائر وتونس / ويكيبيديا

حاول المنصور بالله تكرار الحملة العسكرية التي قادها سابقاً ونجح من خلالها في طرد بني غانية من المغرب الأوسط، وأرسل جيشاً من 20 ألف مقاتل إلى ضروب بني غانية وقراقوش، إلا أن بني غانية وحلفاءهم تمكنوا من هزيمة الجيش الموحدي شرّ هزيمة في معركة فحص عمرة عام 1186م، وما إن علم المنصور بالله بخبر الهزيمة حتى استشاط غضباً، وجهز حملة عسكرية ضخمة وقادها بنفسه، واستطاع هزيمة علي بن غانية وحليفه شرف الدين قراقوش في 15 أكتوبر/تشرين الأول عام 1187م في معركة الحمة، التي قتل فيها علي بن غانية.

ومن سوء حظ بني غانية تزامنت تطورات الأحداث في المغرب الإسلامي، مع وصول الحملة الصليبية الثالثة بقيادة ريتشارد قلب الأسد لسواحل الشام، في تلك اللحظة طلب صلاح الدين من شرف الدين قراقوش أن يكفّ يده عن الموحدين، فبقي بنو غانية وحدهم يواجهون بأس المنصور الموحدي.

وبالفعل نجح الموحدون بقيادة الناصر هذه المرة في تنظيم حملة عسكرية كبيرة، ضرب بها المعقل الرئيسي لبني غانية، وهي الجزائر الشرقية، وبعد استيلاء الموحدين عليها، توجهوا إلى المغرب الأوسط للقضاء على يحيى بن غانية، الذي هزموه شرّ هزيمة لتنتهي دولة بني غانية سنة 1235، بعد أن حاولت لنصف قرن إعادة إحياء حركة المرابطين.

تحميل المزيد