كان أبرام بتروفيتش جانيبال (ABRAM PETROVICH HANNIBAL)، أحد أبرز الشخصيات الروسية في القرن الثامن عشر، فقد كان ابناً بالتبني للإمبراطور بطرس الأكبر، كما كان من بين الرجال الأكثر تعليماً وذكاءً، ناهيك عن كونه أفضل المهندسين في الإمبراطورية الروسية، وشغله منصب جنرالٍ في الجيش الروسي، إضافةً إلى كون أحد أحفاده أعظم شاعر في تاريخ اللغة الروسية، مع ذلك فإنّ ما ميّز هذا الرجل عن بقية الشخصيات الروسية، هو أنّ أصوله كانت من إفريقيا، فقد قدم أبرام غانيبال إلى موسكو أوّل مرةٍ عبداً إفريقياً مسلماً تحت مسمى أبرام، قبل أن يصبح على ما كان عليه.
من قلب إفريقيا إلى بلاط الدولة العثمانية ثم إلى قصر أعظم أباطرة روسيا
ولد أبرام بتروفيتش جانيبال حوالي عام 1696، لعائلة ثرية تقطن في منطقة متاخمة لبحيرة تشاد في الكاميرون الحالية، وقيل في مكانٍ بالسودان.
قَدَر الطفل إبراهيم تغيّر في لحظة، فمع مطلع القرن الثامن عشر، اختطف إبراهيم، وهو في سن السادسة، حيث جرى استعباده، ونقله إلى إسطنبول، حيث كانت الوجهة الأولى لإبراهيم، وهي بلاط الدولة العثمانية، فقد خدم العبد إبراهيم لمدة عام في أسرة السلطان أحمد الثالث، وحتى تلك اللحظة كان الفتى إبراهيم مسلماً.
في تلك الأثناء، كان السفير الروسي في إسطنبول سافا فلاديسلاف إتش، يبحث عن عدد من العبيد الأفارقة الأذكياء من أجل إهدائهم إلى القيصر الروسي، وفي إحدى زياراته إلى قصر السلطان أحمد الثالث، أعجب السفير الروسي بالعبد الإفريقي إبراهيم، وقرّر شراءه واصطحابه إلى روسيا من أجل إهدائه إلى القيصر بطرس الأكبر.
وبالفعل في عام 1704، وصل إبراهيم إلى موسكو، وصار عبداً عند الإمبراطور بتر الأوّل المعروف بالقيصر بطرس الأكبر، وبعد عام فقط، جرى تعميده في كنيسة القديس باراسكيفا في فيلنيوس، وجرى تغيير اسمه إلى بيتروفيتش، وكان بطرس هو الأب الروحي له.
تطورت علاقة أبرام بتروفيتش جانيبال مع بطرس الأكبر، فقد كان الصبي أبرام يسافر جنباً إلى جنب مع الإمبراطور خلال حملاته العسكرية، وفي هذه الرحلات العسكرية كان أبرام خادماً لبطرس.
أعجب القيصر بطرس الأكبر سريعاً بذكاء الصبي وإمكاناته في الخدمة العسكرية، وقرر تبنيه، ليصبح إبراهيم العبد الإفريقي الذي فقد عائلته في حروب إفريقيا القبلية قبل ذلك، ابناً لأعظم قياصرة روسيا على الإطلاق، هنا أمسك إبراهيم الحبشي مفتاح الحظوة وبدأ أولى خطواته على مدرج المجد.
شارك مع الجيش الفرنسي في حربه ضد إسبانيا
في عام 1716، زار القيصر بطرس الأكبر فرنسا، وفي تلك الزيارة قام القيصر بترك أبرام بتروفيتش جانيبال في باريس لدراسة الهندسة والرياضيات في مدرسة عسكرية بمدينة ميتز شمال شرق فرنسا، ثم التحق بأكاديمية المدفعية الملكية في لافير لدراسة الهندسة العسكرية عام 1720.
تزامن بقاؤه في فرنسا وإكمال دراسته العسكرية، مع الحرب الفرنسية الإسبانية التي اندلعت سنة 1722، حينها انضم جانيبال إلى الجيش الفرنسي وقاتل في الحرب ضد إسبانيا، وهي الحرب التي أعطي فيها أبرام اسم "جانيبال" تيمناً بالقائد القرطاجي الشهير حنبعل، وذلك بعد أن أعجب الفرنسيون بدهاء أبرام بتروفيتش جانيبال وخبرته الهندسية.
في يناير/كانون الثاني 1723، عاد أبرام بتروفيتش جانيبال أخيراً إلى روسيا، لكن عودته لم تكن سعيدة، فبعد عامين من ذلك توفي متبنيه القيصر بطرس الأكبر في عام 1725، تاركاً الملازم الشاب للمدفعية يعتمد على المستشار الملكي الأمير مينشكوف، الذي بسبب كراهيته لجانيبال، عيّنه أولاً في سيبيريا ولاحقاً أرسله إلى الحدود الصينية.
أبرام بتروفيتش جانيبال قائداً في الجيش الروسي
تغيرت حظوظ أبرام بتروفيتش جانيبال في عام 1741، عندما تولت الإمبراطورة إليزابيث العرش الروسي، حيث سمحت لجانيبال بالعودة رسمياً من منفاه على الرغم من أنه فعل ذلك سراً عندما تزوج زوجته الثانية كريستينا ريجينا فون شوبرغ، وهي ابنة نقيب في الجيش السويدي، أنجبت له 11 طفلاً. كان أحد أبنائه، أوسيب، جد الشاعر ألكسندر بوشكين أشهر الشعراء الروس على الإطلاق، ومؤسس الأدب الروسي الحديث.
وعلى الرغم من أن أبرام بتروفيتش جانيبال كان يرغب في اعتزال الجيش، إلا أن الإمبراطورة إليزابيث لم ترغب في التخلي عنه أو التخلي عن مهاراته الهندسية. أصبح قائداً عسكرياً لمدينة رفال، وخدم بين 1743 و1751، وبحلول عام 1760 تمت ترقيته إلى رتبة جنرال.
خلال مسيرته العسكرية، أشرف على العديد من المشاريع بما في ذلك جزء من توسيع قناة لادوجا التي تبلغ مساحتها 73 ميلاً بالقرب من سانت بطرسبرغ، والتي ربطت بين نهري نيفا وسفير والحصون الروسية في جميع أنحاء الإمبراطورية.
كما عمل على مشروع "مدافع هاوتزر السرية" التي مهدت الطريق لاختراع الصواريخ الحربية، وساعد في تصميم نظام القنوات الذي تم إنهاء بنائه في عهد ستالين فيما بعد.
توفي أبرام بتروفيتش جانيبال في 20 أبريل/نيسان 1781، كواحد من الشخصيات العسكرية الرائدة في الإمبراطورية الروسية، وربما أول مهندس بارز في تاريخ روسيا، لكن الأكيد أنّه كان كبير المهندسين العسكريين في الجيش الروسي خلال القرن الـ18.