"أنا علوي، أنا مُسلم مخلص ونشأت على الإيمان بالحق بمحمد وعلي"، بهذه العبارات، نشر زعيم حزب الشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي لتركيا عن تحالف الأمة كمال كليجدار أوغلو مقطع فيديو مصور، قُبيل نحو أسبوعين على بدء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.
مقطع الفيديو الذي نشره كليجدار أوغلو على حسابه الرسمي على تويتر، حصد أكثر من 113 مليون مشاهدة، ولكنه في الوقت ذاته، تعرض للكثير من الانتقادات بسبب تطرقه لموضوع "الطوائف" الحساس والذي يُعتبره البعض من المحرمات لدى الشعب التركي، لمخالفته مبدأ الدولة العلماني الذي ينص على عدم الإشارة إلى دين المواطن أو مذهبه.
من هم العلوية في تركيا؟ ما هو أصل ونشأة هذه الطائفة؟ وهل يختلف علويو تركيا عن علويي سوريا؟
العلوية في تركيا واختلافاتهم عن أهل السنة
وفقاً للوحة المعلومات السكانية العالمية التابعة للأمم المتحدة، يعيش في تركيا 85,733 مليون نسمة، قرابة 98% منهم هم من المسلمين، إضافة 2% هم من المسيحيين الأرثوذوكس والكاثوليك، واليهود، وغيرهم من الديانات الأخرى.
وفي الوقت الذي لا تتوافر فيه بيانات رسمية من معهد الإحصاء التركي (TUIK) عن أعداد المجموعات العرقية في البلاد، تُقدر موسوعة ويكبيديا أعداد العلويين بنسبة تتراوح ما بين 11% إلى 30% من سكان تركيا عامة، وبالتالي هم أكبر أقلية دينية في البلاد، والعلوية جماعة دينية ويعتبرون أنفسهم من أتباع علي بن أبي طالب، صهر النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
ويطلق اسم "علوية نصيرية" على العلويين الذين يعيشون في المناطق الحدودية من سوريا مثل هاتاي ولواء إسكندرون، بينما يطلق اسم "العلوية الأناضولية" على العلويين الذين يعيشون في إسطنبول وأنقرة وتونجلي وملاطية وسيواس وهكاري وموش، وبعض المناطق ذات الأغلبية الكردية مثل كهرمان مرعش وأرزنجان وإيلازيغ، كما أنّ هناك العديد من العلوية الأكراد في تلك المناطق.
ووفقاً لما ذكرته مجلة Forbes، فإنّ هناك الكثير من الاختلافات بين العلوية الأناضولية والسنة الأتراك، من بينها أماكن عبادتهم وطريقة صلاتهم وأعيادهم ومناسباتهم، كما أنّ الممارسات الدينية تختلف أيضاً بين العلوية أنفسهم، وتحديداً بين الأناضولية والنصيرية.
ففي الوقت الذي يعتبر فيه أهل السنة المساجد هي أماكن عبادتهم؛ فإن عبادة العلويين الأناضولية تتم في مكان يطلق عليه "بيوت الجمع – Cem Evi"، ويطلقون على صلاتهم اسم "جيم" وليس "ناماز" مثل أهل السنة من الأتراك.
كما أنهم لا يبنون المساجد، لاعتقادهم بأنه لم تكن هناك مساجد على زمن الرسول محمد، ولأنّ علي بن أبي طالب قُتل داخل مسجد، كما أن العلويين الأناضولية لا يفصلون حسب الجنس أثناء العبادة، حيث يصلي الرجال والنساء معاً، على عكس السنة التي يصلي فيها الرجال والنساء في غرف منفصلة.
بينما تشمل عبادة العلويين الغناء و "السمح"، وهو شكل من أشكال الرقص الروحي.
ومن الاختلافات الإضافية أيضاً أن العلويين الأناضولية لا يصومون خلال فترة الصيام الرئيسية لشهر رمضان، ولكن بدلاً من ذلك خلال شهر محرم، ولا يلتزمون بالصلوات الخمس، ولا يحجون إلى بيت الله الحرام، معتبرين أنّ الحج الحقيقي هو حج داخلي في النفس.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه بعض العلويين الأناضولية أنفسهم فرعاً من الإسلام، فإنّ البعض الآخر لا يعتبرون ذلك.
بالإضافة إلى أنّ العلويين الأناضولية لديهم بعض الصلات المشتركة مع الشيعة الاثني عشرية، مثل: أهمية أهل البيت، وإحياء يوم عاشوراء، وإحياء شهر محرم، وذكرى كربلاء.
إضافة إلى أعياد ومناسبات أخرى مثل: عيد نوروز، صيام الخضر، وعيد خضر إلياس، وعيد لقمة موسى الرحال.
ووفقاً لما ذكره موقع Turk Press فإن العلويين يؤلهون الإمام علي بن أبي طالب ويضيفون إليه صفات "ربوية"، وإنّّ كُتب الدعوة لديهم يطلق عليها اسم "Buyrk" وتتضمن (3 سنن و 7 فروض) وهي كتب مُقدسة بالنسبة لهم، يحافظون عليها ويمنعون غير العلوي من الاطلاع عليها.
في حين أنّ العلوية النصيرية هم أشبه بعلوية سوريا ولبنان، والأعياد لا تحتوي على أي مظاهر احتفالية أو رقص أو غناء مثل الأناضولية، بل إنها تنحصر بالطقوس الدينية بشكل أساسي؛ حيث تجري صلاة في مكان مغلق، وتتضمن تلاوة بعض من القداسات وبعض آيات القرآن.
ورغم أنّ صلاة العلوية النصيرية مقسمة إلى ركعات مطابقة للسنة من حيث العدد، فإنّ صلاتهم لا تحتوي على أي ركوع أو سجود، كما أنه ليس هناك اتجاه قبلة محدد، بل تتم عادة من خلال الوقوف على شكل حلقة على مدار الغرفة أو من خلال الجلوس.
نشأة العلوية الأناضولية في تركيا
ووفقاً لما ذكره موقع مجموعة حقوق الأقليات (Minority Rights Group) فإنّ "العلوية الأناضولية" تنقسم إلى مجموعتين هما "قزلباش" و "بكتاشي".
مجموعة "القزلباش"
أو كما يطلق عليها "الرأس الأحمر" وهو اسم مشتق من قبعات الرأس المميزة ذات اللون القرمزي التي كانوا يرتدونها، وهم أتباع الاثني عشرية بينما تعود أصولهم من المنطقة الممتدة من الأناضول إلى القوقاز وأذربيجان وإيران ومرتفعات كردستان، وهم من ساعدوا في تأسيس السلالة الصفوية.
ومن بين الشخصيات التي يحترمها العلويون القزلباش هي:
أبو مسلم الخراساني: الذي ساعد الخلافة العباسية على هزيمة الخلافة الأموية، ولكن تم القضاء عليه وقتله فيما بعد من قبل الخليفة المنصور.
بابك الخرمي: هو قائد عسكري بارز الذي قاد الحركة الخرمية ضد الخلافة العباسية في أذربيجان.
بالإضافة إلى ذلك الزعيم الصفوي إسماعيل الأول، الذي حوّل إيران إلى المذهب الشيعي الاثني عشري، والذي يحظى بتقدير كبير لدى العلويين القزلباش.
مجموعة "بكتاشي"
الحاج بكتاش ولي
الحاج بكتاش ولي هو شخصية صوفية من القرن الثالث عشر الميلادي، هاجر من خراسان (شرق إيران) إلى الأناضول، والأرجح أنّه تركماني
نشر دعوته بين قبائل التركمان في المرحلة السلجوقية، وينسب إليه البكتاشيون قدراً كبيراً من المعجزات في الكتاب الذي يروي سيرة أوليائهم، "ولاية نامة".
يُعتقد أنّ الحاج بكتاش كان أحد مريدي جده "بابا الياس"، وقد أيد هذا الرأي المؤرخ العثمانی عاشق باشازاده (مؤرخ القرن التاسع الهجري) في كتاب (تواريخ آل عثمان)، والأفلاكي مؤرخ القرن الثامن في (مناقب العارفين) حيث وصفه بالخليفة الخاص لـ "بابا رسول" الذي سماه البعض بابا رسول الله.
يؤمن العلوية البكتاشيين بالثالوث البكتاشي (الحق – محمد – علي)، وهم لا يؤمنون بتقمص وتناسخ الأرواح كما يفعل العلوية النصيرية، وإنما يتبعون طريقاً صوفياً.
البكتاشية يرون أنهم أقرب إلى أهل السنة، بينما يعتبرهم آخرون من غلاة الشيعة، وكثيرون يرونهم خليطاً بين هذا وذاك، مع إضافات أخرى من أديان وعقائد سابقة ولاحقة وفقاً لما ذُكر في فيلم الجزيرة الوثائقي "رحلة البكتاشي".
كما يؤكد المؤرخ الفرنسي آلان دوسيلييه إلى أنّ سيرة "ولاية نامة" التي تروي خوارق الحاج وكراماته جعلته قديساً في أعين المسيحيين أيضاً باسم "القديس خارالامبوس" في مناطق الأناضول، وظلّ مسيحيو تلك المنطقة يعتبرونه كذلك حتى مطلع القرن العشرين، ويشاركون المسلمين في الحج إلى ضريحه أو تربته في قرية سيناسوس القريبة من مدينة نيفشهير التركية.
بينما لدى العلوية البكتاشية ترتيب هرمي كالتالي:
العاشق: هي الرتبة الأولى وتطلق على الشخص المقتنع والمحب للطريقة البكتاشية ولديه الرغبة في الانضمام إليهم.
الطالب: ثاني الرتب وتطلق على الشخص المنتسب حديثاً، وتطلق عليه خلال إقامة حفل خاص له.
المحب: تأتي بعد انضمام الشخص بالفعل إلى الطائفة.
الباب: أولى الدرجات الدينية.
الددة: يمتلك ثاني أعلى رتبة، ويكون خليفة للددة بابا.
الددة بابا: صاحب أعلى رتبة وهو الذي يدير شؤون البكاتشة.
في حين كان للمجموعة البكتاشية علاقة وطيدة مع "الجيش الانكشاري" العثماني، إذ إنّ معظم قادة وعناصر الانكشاريين التي كانت تشكل قوات النخبة في الدولة العثمانية كانوا يتبعون الطريقة البكتاشية حتى القضاء على هذا الجيش في عهد السلطان "محمود الثاني" في عام 1826.
ووفقاً لما ذكره موقع TRT التركي أنّ الحجي بكتاش ولي كان محبوباً من قبل السلاطين العثمانيين، بالإضافة لحبّ الشعب والجيش العثماني له، حيث كان الجنود المنضمون حديثاً للجيش العثماني يتلقون التعليم والتدريب على يده، وعلى الطريقة البكتاشية.
آنذاك كانت الدولة السلجوقية تعيش وضعاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً صعباً، وفي نفس الوقت بدأ قيام الدولة العثمانية، حينها كان الحاج بكتاش مسؤولاً عن تشكيلات تسمى بالأهيليك "Ahilik.
طائفة العلوية النصيرية
أما المجموعة الثالثة من العلوية، فهم "العلوية النصيرية" الذين لا يجب الخلط بينهم وبين "العلوية الأناضولية"، كون الأولى هي طائفة دينية عرفانية، بينما الثانية هي مجموعة تعتمد على التصوّف الدراويشي.
"العلوية النصيرية" هي طائفة أسسها محمد بن نصير النميري، والذي يعتبره العلوية النصيريون ناقل التعاليم الأولى لهم عن الإمام الحادي عشر عند الشيعة "حسن العسكري"، لكنهم في الوقت ذاته لا يقيمون له اعتباراً تبجيلياً مثلما يفعل العلوية الأناضولية لمؤسسيهم.
أما الثالوث العلوي النصيري، فيختلف عما هو عليه عند البكتاشية، إذ يؤمنون بـ "علي – محمد- سلمان".
والأخير هو سلمان الفارسي، الذي يعد أحد الصحابة بالنسبة لعموم المسلمين، والذي يرمز له العلوية بالقمر والشمس والسماء.
إضافة إلى ذلك، فإن العلوية النصيرية يعتقدون بوجود التقمص وتناسخ الأرواح، وهو أمر غير موجود عند الأناضولية، ويعتبر من ركائزهم الأساسية، إذ يعتقدون أنّ الموتى لا تفنى أرواحهم، وإنما يُعاد خلقهم من جديد في أجساد جديدة مراراً وتكراراً، (كما البوذية).
ويعتقدون أنّ من يقوم بأعمال حسنة يرتقي في أجياله المتعددة على سلم من 14 مرتبة حتى يصل إلى المرحلة الأخيرة؛ وهي التنور النهائي والاتحاد مع الخالق، بينما من يقوم بأعمال سيئة يولد لطوائف أخرى، ومن ثم يمسخ حيواناً ويستمر بالمسوخية حتى الفناء التام له.
كما أنّ التعليم الديني لا يحدث إلا بعد البلوغ، وهو بشكل حصري للذكور فقط، ولا يمكن للإناث تعلم "الدستور" أو قراءة الكتب الدينية السريّة.
والعلوية النصيرية في تركيا هم امتداد لعلوية سوريا ولبنان، ويعيشون على الحدود السورية-التركية، مثل أنطاكية واسكندرون وجبل العلويين.
بينما ينقسم العلوية النصيرية إلى العديد من المجموعات مثل الكلازية والحيدرية، كما أن هذه التقسيمات بحد ذاتها مقسمة إلى فئات وعشائر فرعية أصغر يصعب حصرها بسبب عددها الكبير.
وعلى الرغم من وجود اختلافات بين مجموعات العلوية، فإنّه في الوقت الحالي لا يتم استخدام هذه الأسماء في تركيا، ويطلق تسامحاً على جميع أنواع العلويين من بكتاش وقزلباش ونصيريين اسم "علوي" فقط.
العلويون وأبرز محطاتهم التاريخية في عهد الدولة العثمانية
في البداية لم تكن الدولة العثمانية تبدي اهتماماً بالعلوية المهاجرين من بلاد التركمان إلى الأناضول، الأمر الذي أدى إلى استقطابهم وتنظيم أمورهم من قبل الصفوية.
ورغم إلحاق الأناضول بالأراضي العثمانية بعد ذلك على يد السلطان محمد الفاتح، فإن أهالي الأناضول كانوا يشعرون بأنهم محرومون من حقوقهم، لأنهم كانوا يعيشون حياة شاقة بين الجبال.
وعندما تسلم السلطان بيازيد الثاني الحكم، قرر أن يتقرب منهم ويستميلهم، فدفع الكثير من الأموال إلى شاه قلي ابن حسن خليفة بابا، وهو أحد المريدين للشيخ حيدر والد الشاه إسماعيل الصفوي، ولكن شاه قلي استغل هذه المبادرة وقاد حركة خطيرة ضد العثمانيين.
وفي القرن السادس عشر الميلادي وقف العلويون مع الدولة الصفوية الشيعة في إيران في اعتداءاتها على الدولة العثمانية، الأمر الذي دعا السلاطين العثمانيين إلى معاقبة هؤلاء العلويين.
ووفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لجامعة "أهل البيت" الأكاديمية في العراق، فإنّ العلوية القزلباش حاولوا أكثر من مرة تأجيج الصراع بين العثمانيين والصفويين، حتى انعقاد معاهدة صلح بين الطرفين في آماسيا.
ويضيف الموقع أنّه بعد الصلح بين العثمانيين والصفويين، قرر العلوية القزلباش في الأناضول الابتعاد عن الدعم الصفوي لهم والانطواء على أنفسهم للحفاظ على عقائدهم وأعرافهم.
وخلال القرن السابع عشر والثامن عشر، لم يحدث أي تحرك من قبل العلوية القزلباش ضد الدولة العثمانية، كما أن توجه الحكومة الصفوية نحو التشيّع الفقهي وضعف دولتهم التدريجي أدى إلى يأس العلويين من الحكومة الإيرانية بشكل كامل.
في حين أنّ العلوية البكتاشيين بقوا مقربين من الدولة العثمانية، بحكم أنهم كانوا العمود الفقري للجيش الانكشاري، وذلك حتى القرن التاسع عشر، عندما قرر السلطان العثماني محمود الثاني في عام 1826 حل ذلك الجيش الذي تأسس في القرن الرابع عشر.
العلوية في الدولة التركية الحديثة
في تركيا الحديثة، قابل العلويون إعلان مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924 بالارتياح، وبدأوا التعاون مع أتاتورك بشكل جدّي، حتى أنّ الأخير زار قبر بكتاش الزعيم الروحي للطائفة العلوية.
ولكن في العام 1925، ألغى أتاتورك الطرق الصوفية والمجموعات الدينية، وهو ما أزعج العلويين في البداية، لأن هذا الأمر يعني إلغاء الاعتراف بهم بشكل رسمي، ولكنهم رغم ذلك بقوا ينظرون إلى أتاتورك على أنه "مخلصهم من العثمانيين"، ولا يزالون حتى يومنا هذا يرفعون صورته إلى جانب صور الإمام علي وحاج بكتاش في مناسباتهم.
في حين بدأ علويو تركيا العمل السياسي بدءاً من خمسينيات القرن الماضي معتمدين على أعدادهم الكبيرة لدخول البرلمان، وقد كانوا يؤلفون دائماً نسبة 16 إلى 18 % من عدد نواب البرلمان من 1950 إلى 1980.
ومنذ تأسيس الدولة التركية الحديثة دعم العلويون في تركيا العديد من الأحزاب، من بينها الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس، ولكن بعد ظهور توجهات ذات طابع ديني نسبياً للحزب توجهوا لدعم عصمت إينونو زعيم حزب الشعب الجمهوري.
ومنذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا يعتبر العلويون ضمن القاعدة الجماهيرية الأساسية لحزب الشعب الجمهوري، على الرغم من مقتل المئات منهم خلال ما يعرف باسم "مذبحة مرعش" في سبعينيات القرن الماضي، رغم أنّ حزب الشعب الجمهوري كان في السلطة وزعيمهم بولند أجاويد كان يترأس الحكومة الائتلافية.