عند الحديث عن أبرز المعالم الأثرية والسياحية التي تمتاز بها مدينة تيرانا، عاصمة ألبانيا، يمكن الإشارة إلى مسجد أدهم بك، وهو المسجد العثماني الوحيد الذي نجا من الهدم خلال فترة الحكم الشيوعي للبلاد.
إذ إن هذا المسجد كان واحداً من بين 8 مساجد أخرى بُنيت قديماً في مدينة تيرانا بألبانيا، لكنها كلها هُدمت من طرف الشيوعيين، فيما تم إغلاق أبوابه، في ظل سَن قانون تجريم الأديان.
لكنه عاد من جديد لاستقبال المصلين، ابتداء من سنة 1991، بعد سقوط الحكم الشيوعي، فيما حظي بعملية ترميم جديدة سنة 2018، تحت إشراف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي حضر مراسم افتتاحه إلى جانب رئيس الوزراء الألباني مطلع سنة 2022.
قصة بناء مسجد أدهم بك
بُني مسجد أدهم بك خلال القرن الـ18م، في مدينة تيرانا الألبانية، خلال فترة الحكم العثماني، بأمر من الحاكم الملا محمد بك، وهو أحد أحفاد سليمان باشا برجيني، مؤسس المدينة.
وكانت بداية البناء بين سنتي 1793 و1794، لكن بعد وفاة الملا بك توقفت أشغال البناء، إلى أن أكمله ابنه أدهم بك بين سنتي 1822 و1823.
وقد جاور هذا المسجد، من جهة الجنوب الشرقي، برج الساعة، الذي بُني كذلك على يد أدهم بك، ويتميز بتصميمه الفريد الذي عكس حب هذا الحاكم للفن والزخارف العثمانية.
هدم مساجد تيرانا و"أدهم بك" الناجي الوحيد
بعد أن أصبحت ألبانيا تحت الحكم الشيوعي، وبمقتضى قانون تجريم الأديان الذي فُرض على البلاد، وإعلان ألبانيا أول دولة ملحدة في العالم، تم هدم 740 مسجداً، و530 مرفقاً دينياً آخر، التي كان عددها في الإجمال 2169 مرفقاً دينياً.
أما بالنسبة لمدينة تيرانا، التي بُنيت في العهد العثماني، فقد تم تدمير عدد كبير من المساجد التي كانت تُميز المدينة، والتي كان عددها 30 مسجداً.
إلا أن مسجد أدهم بك كان الوحيد الذي نجا من عمليات الهدم، بعد أن تم إعلانه معلماً ثقافياً من الدرجة الأولى في تيرانا، سنة 1948، وقد أغلقت أبوابه أمام المصلين ابتداء من سنة 1967.
في الوقت الذي تم فيه تحويل بقية المساجد التي هُدمت إلى إسطبلات، ومخازن، وصالات رياضية، ومرافق أخرى غير صالحة للتعبد والتدين.
هندسة مسجد أدهم بك
تم تصميم مسجد أدهم بك بقاعدة مربعة الشكل، وهي التي تمثل قاعة الصلاة، يحتوي على 18 نافذة ومقلدة خشبية كبيرة، إضافة إلى قاعة خاصة للنساء.
وتعلو قاعة الصلاة قبة كروية الشكل، زُينب بآية الكرسي، التي كتبت بشكل لولبي، فيما كتب في نهايتها جميع أسماء الله الحسنى.
ويعتبر هذا المسجد صورة تمثل العمارة الإسلامية العثمانية، من خلال الزخارف واللوحات والرسومات التي تزينه من الداخل والخارج، والتي صممت على شكل نباتات، وأشجار، وآيات قرآنية، وأدعية لأهل البيت.
كما تم تزيين المسجد كذلك برسومات أخرى تمثل جسوراً ونوافير، ترمز إلى العمارة الإسلامية العثمانية، التي كانت منتشرة في البلقان.
أول خطبة في المسجد بعد 23 سنة
بعد انتهاء الحكم الشيوعي في ألبانيا تم افتتاح مسجد أدهم بك من جديد أمام المصلين، ابتداء من سنة 1991، في احتفال مهيب حضره ما يقارب 10 آلاف مسلم ألباني، حاملين أعلام البلاد، تعبيراً منهم عن فرحتهم وسعادتهم الكبرى بهذا الحدث الكبير.
وقد تميز افتتاح المسجد من جديد بإلقاء أول خطبة فيه بعد مرور 23 سنة، للإعلان عن عودة حق المواطنين في ممارسة شعائرهم الدينية الإسلامية في ألبانيا.
أردوغان آخر من رمم المسجد
تم ترميم مسجد أدهم بك 3 مرات على مر التاريخ، الأولى كانت سنة 1870، والثانية سنة 1985، فيما كانت آخر مرة سنة 2018، بطلب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك في محاولة منه للحفاظ على المعالم الأثرية العثمانية الموجودة خارج تركيا.
وقد أعيد افتتاح المسجد من جديد في أمام المصلين سنة 2022، في احتفالية حضرها الرئيس التركي، ورئيس وزراء ألبانيا.
ويعتبر هذا المسجد في وقتنا الحالي واحداً من بين أهم الوجهات السياحية والتاريخية في العاصمة الألبانية تيرانا، إذ يزوره آلاف السياح سنوياً من مختلف الديانات والبلدان.