ما المهن التي كان العرب قبل الإسلام يعملون بها؟ قد لا تحتاج إلى التفكير طويلاً للإجابة عن هذا السؤال بالقول: الرعي والتجارة إلى بلاد حمير (اليمن حالياً) في فصل الشتاء، والتجارة إلى الشام في فصل الصيف، وتكاد تكون هذه الإجابة هي الصورة الذهنية عن مهن العرب قبل الإسلام.
لكن في الواقع، فإن المجتمع العربي قبل الإسلام عرف العديد من المهن والحرف من خلال احتكاك شبه الجزيرة العربية مع كبرى الإمبراطوريات القائمة في تلك الفترة من الفرس والبيزنطيين، فتعددت المهن والحرف التي عملوا بها.
التجارة والرعي.. مهن العرب قبل الإسلام المشهورة
كان العرب يعتمدون على الرعي بشكلٍ كبير في حياتهم الاقتصادية، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلّم قد عمل بهذه المهنة الشريفة، فقد كان أغلب العرب يسيرون على هذا الدرب.
فقد كانت القبائل العربية تستقر في الأماكن التي يتوفر فيها الماء وتصلح لرعي الإبل والأغنام والماعز، وعندما يشح الماء فإنها تضطر للانتقال إلى مكانٍ آخر، ما يجعلها في صراع مستمرٍّ مع بعضها البعض للحصول على المورد الأفضل للرعي.
ولمّا تحوّلت مهنة الرعي إلى مهنة شاقة، لقلة الكلأ ونُدرة العشب وكثرة الحروب بين القبائل، انصرف العرب إلى مهنة التجارة، فكانت أكبر وسيلة للتكسب والرزق، وكانت حرفة الأثرياء، وذلك حسب الدكتور ظاهر ذباح الشمري، في ورقة بحثية بعنوان لمحة عن الأحوال الاقتصادية عند العرب قبل الإسلام".
واشتهرت رحلتا الشتاء والصيف إلى الشام واليمن، التي كانت المناسبة السنوية لترويج العرب لتجارتهم، كما اشتهرت عدة أسواق مثل سوق عكاظ، وذي المجاز، ومجنة، وغيرها.
ورغم الازدهار الذي شكلته مهنة التجارة لدى العرب قبل الإسلام، فإنّ التهديد الكبير الذي تلقاه العرب في ممارستهم التجارة كان الحروب المنتشرة بين القبائل، وبروز قطاع الطرق الذي كانوا يهجمون على القوافل التجارية بين الفينة والأخرى.
وبين مهنتي الرعي والتجارة كان العرب أيضاً يعملون بالزراعة، كونها المهنة الأساسية والمهمة للحفاظ على حياة الإنسان، فانتشرت العديد من الواحات والمناطق الخصبة من اليمن والحجاز، التي كانت صالحة للزراعة، والتي استغلها الإنسان العربي قبل فترة الإسلام.
الصيد والبحث عن اللؤلؤ.. المهنة القديمة للعرب قبل الإسلام
الصيد هو من أقدم المهن التي عمل بها العرب، سواء صيد البر أو البحر، فقد كانت هواية الصيد قطعة رئيسية في شخصية الفارس العربي، كما أنّ أهليته للقيادة وحمل السيف في المعارك تكون بعد احترافه للصيد.
كما أنّ العرب قبل الإسلام كانوا من الشعوب القديمة التي ركبت البحر من أجل الصيد، فقد مارس عرب السّاحل الغوص من أجل استخراج اللؤلؤ، الذي كانوا يُصدّرونه إلى الهند والعراق وحلب ومصر، ولعلّ أكبر دليلٍ مادي على امتهان العرب قبل الإسلام لهذه المهنة هو اكتشاف علماء آثار، الإثنين 20 مارس/آذار، أقدم مدينة لصيد اللؤلؤ في الخليج العربي في جزيرة السينية، الواقعة قبالة إمارة أم القيوين، شمالي الإمارات، والتي تعود تاريخها لأكثر من 15 قرناً.
وكانت حرفة الغوص لاستخراج اللؤلؤ سبباً لامتهان العرب مهنة أخرى، وهي صناعة السفن.
الحرف التي عمل بها العرب قبل الإسلام غير التجارة والرعي واستخراج اللؤلؤ
وفقاً لمذكرة بحثية بعنوان "الحرف والصناعات اليدوية في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام"، كان للموقع الاستراتيجي لشبه الجزيرة العربية، والذي يتوسط اثنتين من أقوى الحضارات التي شهدها العالم، وهما الفرس والروم، دورٌ في امتهان العرب قبل الإسلام للعديد من الحرف والمهن الصناعية، والتي كانت تتمحوّر حول الصناعات الغذائية وصناعة الجلود، والصناعات النسيجية والحياكة والخياطة والنجارة، وبعض أنواع الصناعات المعدنية كالصياغة والحدادة، وذلك من خلال الاحتكاك بهذه الحضارات من جهة، ونزول العديد من الحرفيين والعبيد الذين كانوا يتقنون هذه الحرف بشبه الجزيرة العربية، ولعلّ أبرز هذه الحرف ما يلي:
التعدين وصناعة الفخار
تعد مهنة التعدين من الحرف الأساسية التي احترفها العرب قبل الإسلام، فقد كانت شبه الجزيرة العربية تحتوي على العديد من المعادن، وبالأخص الذهب والفضة، وهو الأمر الذي ساعد العرب على التعامل مع المعادن في هذه الفترة المبكرة، سواء لصناعة العملات أو الحليّ والمجوهرات.
ويذكر البلاذري في مؤلفه "أنساب الأشراف"، أن صناعة الصياغة والحلي والمجوهرات وصناعة الأسلحة وصقل السيوف والنجارة قد انتشرت في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام.
واشتهر في مكة حرفيون، بينهم أمية بن خلف الجمحي، الذي عمل في صناعة الفخار، وعتبة بن أبي وقاص، الذي عمل نجاراً، وسعد بن أبي وقاص، الذي كان يبري النبال، وخباب بن الأرت، وكان من صانعي السيوف وصقلها.
الغزل والنسيج
صحيح أنّ النسيج والغزل لم يكن عند العرب بالصورة المتطورة التي كانت عند جيرانهم الفرس، إلّا أنّ هذه المهنة اشتهرت في شبه الجزيرة العربية، بعدما ازدادت طلبات الناس عليها، مثل الأثاث المنزلي والأرائك والفرش، كما طوّر اليمنيون هذه الصناعات فأدخلوا عليها بعض التقنيات المستحدثة من الفرس، فقد لجأوا إلى الأصباغ النباتية لتلوين الأقمشة، وذلك بعدما كانت خامات الصباغة متوفرة في اليمن بكثرة.
الخياطة
راجت مهنة الخياطة في شبه الجزيرة العربية من خلال صناعة البسط المصنوعة من الصوف وشعر الماعز، كما ازدهرت صناعة الخيام من الوبر وشعر الماعز والصوف وجلود الأغنام.
ورغم أن العرب عملوا بهذه المهنة، فإنّ إنتاجهم لم يكن كافياً لسدّ احتياجاتهم، الأمر الذي جعلهم يستوردون المنسوجات النفيسة من بلاد فارس والهند والصين وبلاد الشام ومصر.
صناعة العطور والطيب
عرف العرب صناعة العطور في فترة مبكرة، وذلك من خلال احتكاكهم التجاري بالدول المجاورة لهم، خصوصاً الفرس، فقد نشطت الجزيرة العربية بمهنة صناعة العطور، وكانت مدينة عدن مثلاً تعرف بصناعة الطيب، مثل دهن العنبر والزباد والمسك، وهي العطور التي كانت تُصدر إلى الهند وبلاد فارس ومصر.