على سفح جبال المعاضيد بولاية المسيلة، تقع أهم المعالم التاريخية الإسلامية بالجزائر والمغرب الإسلامي، هذا المعلم الذي يعود تاريخه لأكثر من 10 قرون، كان إحدى العواصم التاريخية للجزائر، ويتعلّق الأمر بقلعة بني حماد التاريخية التي تقاوم الزمن للبقاء، بعد أن دمرت الحياة فيها، وتكفل الزمن والتغيرات الجغرافية بما تبقى منها، لتبقى مئذنة مسجدها الكبير وبعض أسوارها شاهدةً على أهمّ فترة في تاريخ الجزائر خلال الفترة الإسلامية.
قلعة بني حماد.. المدينة التي بناها بلقين بن حماد فصارت عاصمة الحماديين
تُعدُّ قلعة بني حماد (Al Qal'at Bani Hammad) عاصمة ثاني دولة إسلامية تقوم بالجزائر التي كانت حينئذ يطلق عليها تسمية المغرب الأوسط، وذلك بعد الدولة الرستمية التي أسّستها الطائفة الإباضية في القرن التاسع الميلادي.
كان تأسيس الدولة الحمادية نتيجة اتفاقٍ حصل بين حماد بن بلكين الزيري مع ابن عمّه باديس بن المنصور بن بلكين سنة 1004م، بموجبه انشقّ حماد بن بلقين عن الدولة الزيرية، وأسّس دولته الخاصة في منطقة الحضنة، وحكم من خلالها الجزائر الشرقية، وأصبحت قلعة بني حماد عاصمةً لها، بينما حكم باديس الدولة الزيرية.
ويعود تاريخ إنجاز وبناء قلعة بني حماد إلى سنة 1007م، على يد حماد بن بلكين الذي اختار مكاناً محصناً واستراتيجياً لقلعته فوق سفح جبل تيقريست، وعلى ارتفاع 1000 متر فوق سطح البحر، وذلك بغية عمليات المراقبة العسكرية للأماكن المجاورة.
لم يعش حماد بن بلكين ليرى اكتمال بناء قلعته، فقد دامت فترة بناء هذا الصرح الإسلامي العظيم 30 سنة، بحيث اكتملت في عهد ابنه القائد بني حماد، بينما توفي حماد بن بلكين سنة 1028م.
وعلاوة على كونها العاصمة السياسية للدولة الحمادية، فإنّ قلعة بني حماد تحولت إلى مركز إشعاع حضاري لعقودٍ طويلة، بعد أن استقرّ بها ومرّ العديد من العلماء المسلمين أبرزهم يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بابن النحوي، والعالم اليهودي عبد الرحيم بن إسحاق بن المجلون الفاسي، والعالم الجغرافي الإدريسي.
وبقيت القلعة عاصمة للدولة الحمادية حتى قيام خامس ملوك بني حمّاد وهو الناصر بن علناس، ببناء مدينة بجاية التي أصبحت فيما بعد عاصمة الحمّاديين.
موقع استراتيجي لقلعة بني حماد
كان الموقع الذي اختاره حماد بن بلكين لبناء قلعته وعاصمة دولته مكاناً استراتيجياً، ساعد على بقاء القلعة بعيدةً عن المخاطر والهجمات من قبل القبائل والقوى المعادية، من خلال جملة من التضاريس الوعرة التي صعبت اختراقها.
فقد كان يحد القلعة من الغرب هضبة قوراية، ومن الشرق شعاب وادي فرج، وقد وضع للقلعة ثلاثة أبواب، باب الأقواس وباب جراوة وباب الجنان، ويحيط بالقلعة سور عظيم مبني بطريقة مذهلة وبالحجارة المسننة المستخرجة من جبل تيقريست.
ووصفها ابن الأثير بأنها: "من أحصن القلاع وأعلاها، لا ترام على رأس جبل شاهق، يكاد الطرف لا يحققها لعلوها".
ويتوسط القلعة المسجد الكبير الذي لا تزال مئذنته صامدةً حتى الآن، ويبلغ عرضه 56 متراً من الشرق والغرب، وطوله 64 متراً من الشمال إلى الجنوب، ويتوسط الجدار الشمالي مئذنة.
كما تتميّز قلعة بني حماد ببعض المعالم الأثرية، أهمها مصلى قصر المنار الذي يعتبر أحد أصغر المساجد في العالم بطول بلغ 1.60 سم، هذا بالإضافة إلى القصور الأخرى الممتدة عبر مساحات القلعة، التي بناها حماد بن بلكين على غرار قصر الأمير وقصر المنار وقصر السلام وقصر الكواكب.
تخريب قلعة بني حماد من قبل الموحدين
بقيت قلعة بني حماد مدينة إسلامية مزدهرة، طيلة فترة قيام الدولة الحمادية، لكن مع سقوط هذه الدولة سنة 1152م، على يد دولة الموحدين بقيادة المهدي بن تومرت، تعرضت قلعة بني حماد إلى تخريب كبير دمّر جزءاً كبيراً من معالمها وعمرانها، فكان آخر ملوكها هو يحيى بن العزيز الذي قام بإخلائها، قبل أن تعمّرها القبائل الهلالية.
ومنذ ذلك الوقت بقيت قلعة بني حماد تعيش تحت الظل وتخسر مع الزمن ما تبقى من آثارها.
20% من القلعة مكتشَفة.. والبقية تحت الأنقاض!
في العصر الحديث، تم تحديد موقع قلعة بني حماد من قبل المؤرخ الفرنسي مكيس (Méquesse) في عام 1886، وفي عام 1908م، وتحت إشراف عالم الآثار الفرنسي دي بيليه، تم إجراء الحفريات الحديثة للموقع لأول مرة.
أجرى لوسيان جولفين حفريات لاحقة بين عامي 1951 و1952م، وبعد عام 1964م قام المؤرخ رشيد بورويبة بحفريات في الموقع اكتشف من خلاله مصلى قصر المنار.
تم تسمية موقع قلعة بني حماد الذي تبلغ مساحته 150 هكتاراً في عام 1980 كمركز تراث عالمي لليونسكو، وفي عام 2007م دعا ممثل ديوان قلعة بني حماد في ذكرى ألفية تأسيس قلعة بني حماد، إلى مواصلة الحفريات في قلعة بني حماد التي لم يكتشف منها حتى اليوم سوى 20% من الآثار، مبيناً أن 80% من قلعة بني حماد مازالت غير مكتشفة ومدفونة تحت الأرض.
وتعدّ حالياً قلعة بني حماد من الوجهات السياحية المفضلة لمحبي الآثار التاريخية بالجزائر، فالموقع الذي يبعد عن ولاية المسيلة بـ36 كلم، يتميّز بمناظر طبيعية ساحرة، خصوصاً في فصل الربيع الذي تكتسي فيها جبال الحضنة باللون القمحي.