مع بداية القرن الـ15م تأسست في شبه جزيرة الملايو مدينة سُميت "مالقا"، وذلك على يد أحد الأمراء السومطريين يدعى "بارامسفارا"، ثمّ سرعان ما اعتنق سكان وحكام هذه المدينة للإسلام، فتحوّلت إلى سلطنة إسلامية في عهد حاكمها ميجات إسكندر شاه، قبل أن تعقبها سلطنة جوهر بعد قرن من ذلك.
ففي غضون سنوات قليلة استطاعت سلطنة مالقا الإسلامية بسط سيطرتها على العديد من المدن والممالك، لتصبح واحدةً من أقوى الدول الإسلامية في منطقة جنوب شرق آسيا، لكن مع وصول الغزو البرتغالي الى السواحل الشرقية للقارة الآسيوية انتهت هذه السلطنة سنة 1511، وحلّت محلها سلطنة جوهر، وذلك بعد استقرّ بها ابن سلطان سلطنة مالقا محمود شاه، وهو السلطان علاء الدين ريات شاه.
سلطنة جوهر التي خلفت سلطنة مالقا في جنوب شرق آسيا
بعد سقوط حكم سلطان سلطنة مالقا محمود شاه بحكم الغزو البرتغالي، تفرّق أبناؤه بين الجزر والمدن التي كانت تابعة لسلطنة والدهم مالقا، اختار علاء الدين رياة شاه الاستقرار في مدينة جوهر منذ سنة 1511، ليشرع في النهوض بها إلى أنّ أعلنها سلطنة خليفة لسلطنة مالقا سنة 1528.
خلال القرنين الـ16 والـ17، شهدت سلطنة جوهر (Johor) ازدهاراً كبيراً من خلال التجارة، كما شهدت توسعاً على حساب سلطنة مالقا التي قامت على تركتها، إذ سيطرت السلطنة على جوهر دار التعظيم المعاصرة، ورياو، والأجزاء في جنوب شرق سومطرة.
تراجعت السلطنة في القرن الـ18، وذلك عندما انتقل مقر السلطة إلى جزر رياو بجنوب سنغافورة حالياً.
وخلال فترة الاحتلال البريطاني لجنوب شرق آسيا خلال القرن الـ19، اعترف البريطانيون سنة 1819 بحكام السلطنة كحكام مستقلين، وذلك بعد احتلالهم لسنغافورة.
وبعد عام 1830، شهدت سلطنة انفتاحاً على الصين، وذلك بعد أن استقر المزارعون الصينيون للفلفل والقمار في سهولها، وتم إنشاء عدد قليل من المراكز التجارية الصغيرة على طول أنهار جوهر.
ازدهار سلطنة جوهر
في القرن العشرين شهدت سلطنة جوهر أقصى ازدهارها الاقتصادي، وذلك عندما تم مد خط السكة الحديد جنوباً لنقل القصدير والمطاط لشبه جزيرة الملايو إلى سنغافورة، مما أدى إلى إنهاء عزلة جوهر التاريخية عن بقية شبه الجزيرة.
بعد الحرب العالمية الأولى، تم إدخال زراعة المطاط على نطاق واسع في سلطنة جوهر، وتم اكتشاف رواسب القصدير والحديد، الأمر الذي جعل جوهر ورشة صناعية في ذلك الوقت.
كما تحوّلت جوهر إلى منتج رئيسي لزيت النخيل، وازدهرت بها مزارع جوز الهند والأناناس التي كانت تزرع في سهولها، ولا سيما في مناطق الخث إلى الغرب.
وبسبب موانئها الضحلة، اعتمدت جوهر في تجارتها على مرافق ميناء سنغافورة، حيث صارت جوهر محطة مركزية للبضائع، كما قامت بربط نفسها مع سنغافورة بجسر وهو ما زاد من أهميتها التجارية.
وخلال الحرب العالمية الثانية وفي عهد السلطان إبراهيم، أصبحت سلطنة جوهر مستعمرة يابانية، إذ سيطر اليابانيون على معظم جزرها، وحوّلوها إلى معسكر اعتقال كبير، خلال تلك الفترة شهدت السلطنة تراجعاً كبيراً جعلها إحدى أفقر المناطق في جنوب شرق آسيا.
سلطنة جوهر تتحوّل إلى ولاية ماليزية ووجهة سياحية
ومع التغيرات التي رافقت نتائج الحرب العالمية الثانية، أصبحت جوهر جزءاً من الاتحاد الملاوي في 1946، وبعد سنتين انضمّت إلى اتحاد مالايا، وبعد ذلك إلى اتحاد ماليزيا في 1963.
بانضمامها إلى اتحاد ماليزيا تحوّلت سلطنة جوهر إلى ولاية ماليزية، مع ذلك ذلك استمرت في الوجود كسلطنة، كما أنها الولاية الماليزية الوحيدة التي تمتلك جيشاً خاصاً بها.
تعاقب السلاطين على رئاسة جوهر الحديثة، كرموز رسمية، بمن فيهم السلطان إسماعيل (1959-1981)، سلطان إسكندر (1981-2010)، وسلطان إبراهيم (2010 إلى الآن).
حالياً أصبحت مدينة جوهر باهرو عاصمة سلطنة جوهر إحدى أهم المدن السياحية في ماليزيا كونها ثاني أكبر مدنها، ويزورها سنوياً أكثر من 6 ملايين سائح.
وتتمتع جوهر بالعديد من المناطق السياحية، أبرزها مدينة ليجو لاند الترفيهية، وقرية ميرسينغ الساحرة، ومتحف كوتا تينجي الذي يحكي قصص وتاريخ سلطنة جوهر، إضافة إلى حديقة تانجونج بياي، ومسجد السلطان إبراهيم الذي بني سنة 1892.