يُعتبر تعاطي المخدرات، والإدمان من المشاكل الخطيرة والمنتشرة في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من سوء سمعتها المعروفة، فإن الولايات المتحدة وأوروبا شهدتا موجة قبل سنوات غيرت هذه المعادلة تماماً، وهي على وشك أن يُعاد إحيائها من جديد في عصرنا الحديث.
ففي خضم وباء المواد الأفيونية الذي يدمر الأرواح ويقتل الناس من جميع أصقاع الحياة، لطالما كان هناك العديد من العوامل التي تصنع حالة من السحر الخاص بتعاطي المخدرات.
على سبيل المثال، غالباً ما تصور الأفلام والبرامج التلفزيونية استخدام المخدرات بطرق أقل ضرراً وبشاعة مما هو عليه الأمر بالفعل، كما قد يستخدمها المؤثرون والفنانون في أعمالهم للتدليل على نوع ما من "الشخصية الخطيرة والمثيرة للمتاعب" بشكل جذّاب.
لكن ما كان مختلفاً وروّج لتعاطي المخدرات بشكل خاص آنذاك هو صيحة "سحر تعاطي المخدرات في عالم الموضة في فترة التسعينيات"، حتى إنه تم ابتكار تسمية خاصة للموجة الرائجة حملت عنوان "أناقة الهيروين" أو (Heroin Chic).
ما هي بالضبط حركة "أناقة الهيروين" تلك، ولماذا لعبت عارضات الأزياء الأنيقات دوراً ضخماً في الترويج لما يسمى "أناقة الهيروين" حتى جسدن هذا المصطلح؟ ولماذا تصاعدت المخاوف اليوم من عودة هذه الصيحة من جديد؟
ما هي أناقة الهيروين؟
أصبح مصطلح "هيروين شيك" أو أناقة الهيروين شائعاً بمنتصف التسعينيات في عالم الموضة والأزياء والاستعراض.
وكانت موضة أناقة الهيروين فكرة تميزت بسمات جسدية وملامح معينة تكررت لدى العديد من أفضل عارضات الأزياء بالعالم في ذلك الوقت، وضمن ذلك البشرة الفاتحة والشاحبة، والهالات السوداء تحت العين، والنحافة المفرطة، وطابع اللامبالاة والجمود في الملامح وعدم الابتسام.
وبحسب موقع The Recovery Village لإعادة التأهيل، فإنه في السنوات التي سبقت حركة الهيروين الأنيقة، كانت عارضات الأزياء يتمتعن بصحة جسدية طبيعية وممتلئة بشكل متناسق، مثل سيندي كروفورد.
في المقابل، كان من المفترض أن يكون مظهر الهيروين الأنيق في منتصف التسعينيات بمثابة رد فعل ضد مظهر عارضة الأزياء في أوائل التسعينيات، والذي كان نحيفاً للغاية بشكل أشبه بالحالات المرضية.
وامتاز مظهر أناقة الهيروين بالنحافة الشديدة وغير الصحية، والهيئة الهزيلة والوجه الممقوت والشعر غير المهندم والسواد أسفل العينين، وذلك عكس مظهر عارضة الأزياء في الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
صيحة آخذة في النمو بين المشاهير والأثرياء
وقد أصبح المظهر الرائج لمدمني الهيروين انعكاساً لأشياء أخرى كانت ثقافياً بالولايات المتحدة في ذلك الوقت. أولها مثلاً، أن الهيروين أصبح نقاءً وأكثر شيوعاً مما كان عليه في السنوات السابقة، كما لم يعد يُحقن في الوريد ويسبب تشوهات فاضحة، بدلاً من ذلك، تم شمه في الحفلات والمناسبات الخاصة بين الطبقات الراقية، مما قلل من وصمة العار السابقة المرتبطة بالمُخدر.
كما أصبح يُنظر إلى الهيروين على أنه مخدر خاص بالطبقة العليا إلى المتوسطة بشكل متزايد، وليس مخدراً للفقراء، وذلك بعد أن كان في السنوات السابقة لتلك الفترة أكثر ارتباطاً بمجتمعات الطبقة الدنيا.
وفي منتصف التسعينيات، لم يتم حصر استخدام الهيروين في الموضة فقط وبين الأثرياء في هوليوود، بل تم عرضه أيضاً في أفلام مثل Pulp Fiction وTrainspotting. كما صار مرتبطاً بعالم الموسيقى والفن، وأودى بحياة بعض الشخصيات المعروفة مثل المغني كورت كوبين.
حيث يُعتقد أن كوبين كان يستخدم الهيروين عندما قتل نفسه برصاصة في الرأس، فراج المُخدر باعتباره وسيلة لكراهية الذات والاكتئاب، وكانت فكرة استخدام الهيروين أنه يسمح للناس بالانسحاب والهروب من المجتمع والانعزال.
ارتباط أناقة الهيروين بعالم الموضة والأزياء
تم تبنّي صيحة الهيروين من قبل عالم الموضة وكذلك في الأفلام وثقافة البوب الموسيقية التي سيطرت على أمريكا ومنها على مختلف دول العالم في فترة التسعينيات.
ومع ذلك، فقد تسبب في كثير من الخوف والقلق لمعظم التيار الرئيسي بأمريكا. وكان من أشهر عارضات "أناقة الهيروين" كيت موس، التي اشتهرت بمظهرها مفرط النحافة، وبعينيها الشاحبتين.
من بين النماذج الأخرى المعروفة بمظهر أناقة الهيروين، جايمي كينج وغيرها، فكانت جميع هذه النماذج نحيفة بشكل لا يصدق.
كذلك كانت حملات كالفن كلاين (Calvin Klein) من بين الأمثلة الأكثر شهرة لاستخدام مظهر مدمني الهيروين في الترويج لمنتجاتها.
إلى جانب أعمال مصور الأزياء دافيد سورينتي الذي توفي عن عمر يناهز 20 عاماً، وكان مصوراً معروفاً على وجه التحديد بالتقاط كادرات وصور شخصية تبدو فيها عارضات الأزياء كأنهن يعانين من أعراض الانسحاب، وكنّ غالباً يتعاطون الهيروين خلال جلسات التصوير.
وبعد وفاته المبكرة التي تم ترجيح أنها بسبب الإدمان وتداعيات الإصابة بمرض الإيدز نتيجة التعاطي، بدأت صيحة أناقة الهيروين الرائجة بين طبقات المشاهير في التراجع، وعادت تدريجياً موضة عارضات الأزياء ذوات القوام الممشوق والممتلئ بشكل صحي.
مخاوف من عودة رواج تلك الموضة اليوم
في مقال أثار كثيراً من الجدل والاستياء على مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت صحيفة New York Post مادة بعنوان "وداعاً للأرداف: عودة رواج أناقة الهيروين من جديد".
وفيه أعلنت الصحيفة الأمريكية أن النحافة أصبحت موضة شهيرة مرة أخرى، خاصة مع تصدر عارضات أزياء مفرطات النحافة مثل بيلا حديد وكيندال جينر وغيرهن خلال مشهد استعراض الأزياء، معتبرةً أن التوجه الرائج في السنوات الأخيرة ما هو إلا رد فعل عنيف على العقد الماضي الذي ساهم بشكل كبير في شمولية جميع الأحجام بين عارضات الأزياء لتمثيل السيدات بمختلف الأشكال والأوزان.
وقد أثار تمجيد صحيفة نيويورك بوست لأناقة الهيروين موجة من المعارضة التي رفضت قولبة مفهوم "المرأة الجميلة" في حجم خصر معين أو بروز حاد في عظام الكتفين في حالة من "الهوس بالنحافة".
كما رفض خبراء الموضة والصحة العامة اختيار العنوان، الذي اعتبروه يروّج لصيحة "الهيروين" ويفاقم أزمة المواد الأفيونية ويعيد إحياء ماضيها المدمر على العالم.
واليوم، لا يزال رواج موضة الأجساد الهزيلة سائداً على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، على الرغم من أن التطبيقات تحاول تقييد المحتوى الذي يمجّد اضطرابات الأكل وعلامات التعاطي.
على سبيل المثال، حظر تطبيق TikTok مصطلح البحث "heroin chic"، باعتبار أنه ينتهك إرشادات وسلامات المحتوى.
كذلك من المحظور على التطبيق استخدام تعبير "Thinspo" الذي يعني "إلهام النحافة"، وعند البحث عنه يتم إعادة توجيه مستخدم التطبيق إلى روابط مواقع صحية ونفسية مثل الرابطة الوطنية لاضطراب الأكل في أمريكا.
ولكن حقيقة وجود هذه الاحتياطات تعني أن جزءاً ليس صغيراً من جمهور التطبيق كانوا يبحثون عن تعبيرات تروّج للنحافة والجسم الهزيل، وأنه بعد حظرها في تطبيق قد يبحثون عنها في غيره.
ويأتي ذلك بسبب مقاييس عارضات الأزياء السائدة وما يتبعه المشاهير من هيئة عامة تم اعتبارها المعيار المثالي لـ"الجمال" رغم أنه يروّج في الوقت نفسه لتشوّه الجسم والصحة العقلية، وذلك بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.