خلال الحرب العالمية الثانية، استولى النازيون على عدد لا يحصى من القطع الأثرية واللوحات التشكيلية، وأراد هتلر بناء متحف خاص يُسمى Führermuseum لإيواء أكثر الأعمال الفنية قيمة في العالم في مسقط رأسه في لينز، وأقلق هذا القرار مؤرخي الفن وقادة المتاحف، الذين ضغطوا على قوات الحلفاء لحماية القطع الأثرية والفنية.
وأمام تلك الأوضاع التي هددت جزءاً من التاريخ الأوروبي والبشري، ظهرت عدة مبادرات لحماية الآثار والمنحوتات من الحرب، خصوصاً من دول الحلفاء والفنانين والمهندسين أنفسهم.
مع نهاية الحرب، تم استرداد العديد من تلك الأعمال المسروقة، والتي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، من خلال الجهود الشجاعة لوحدة عسكرية مدنية عُرفت باسم وحدة رجال الآثار.
وحدة رجال الآثار.. الوحدة العسكرية الخاصة بحماية المواقع الأثرية والتاريخية من الحرب
في مايو/أيّار 1944، وقبل وقت قصير من يوم النصر، أصدر الجنرال الأمريكي أيزنهاور أمراً يقضي بأن يحمي كل قائد ميداني المعالم التاريخية والمراكز الثقافية ويحترمها، كما تم إصدار قوائم بالمواقع الأثرية والتاريخية التي تجب حمايتها.
من أجل القيام بهذه المهمة بسلالة، كان ينبغي أن يشارك في العملية أشخاصٌ لهم علاقة بالآثار والفنون، لذا قام أيزنهاور بتكليف قسم الآثار والفنون الجميلة والمحفوظات الذي أنشأ قبل أشهر بهذه العملية، من خلال مرافقة أعضاء هذا القسم جنود الحلفاء أثناء تقدمهم عبر أوروبا، وتوجيههم نحو المواقع التي ينبغي حمايتها.
كانت معظم المواقع المحمية كنائس، بالإضافة إلى ذلك، كان عليهم فحص وتوثيق الأضرار التي لحقت بالقنابل في مواقع النصب في الميدان.
وبناءً على هذه المهمة، تم تشكيل هذه مجموعة عسكرية مدنية تتشكّل من أمناء المتاحف ومؤرخي الفن وأمناء المكتبات والمهندسين المعماريين والفنانين من دول الحلفاء، و أسندت لهم مهمة حماية واستعادة وترميم الكنوز الثقافية المنهوبة.
تألفت المجموعة من حوالي 345 رجلاً وامرأة يمثلون 14 دولة، أطلق عليهم جنود الحلفاء اسم "رجال الآثار"، وتم تعيينهم في قسم الشؤون المدنية بالجيش الأمريكي وقسم الحكومة العسكرية، وتحت المسؤولية المباشرة للقيادة العليا لقوات استطلاع الحلفاء، كانت مهمة رجال الآثار خلال الحرب حماية الأعمال الفنية والكاتدرائيات والمحفوظات والآثار والمواقع الثقافية الأخرى في أوروبا من التلف والنهب.
كانت الوحدة الملقبة برجال الآثار، مسؤولة عن حماية الآثار الثقافية مثل الكنائس والمتاحف، وترميم الفن التالف داخل المدن المهدمة، كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها ترتيب لواء بهدف محدد لحماية الفن العالمي.
لم يكن رجال الآثار جنوداً مدربين. فقد كانوا في الأساس فنانين وجامعيين وأكاديميين ومؤرخين كرّسوا حياتهم لاستعادة الأعمال الفنية في أوروبا، لذا فقد قُتل اثنان منهم في القتال أثناء حماية الأعمال الفنية.
ومع تقدم الحرب، توسعت مهمتهم لتوثيق واستعادة تلك الأعمال التي سرقها النازيون أو منع الاستيلاء عليها في المقام الأول. كان أحد أكبر نجاحاتهم هو منع وقوع الموناليزا في أيدي النازيين من خلال إخفائها بمهارة عبر منازل مختلفة في الريف الفرنسي.
ولم تقتصر مهمتهم على قارة أوروبا فقط، فسرعان ما امتدت جهود رجال الآثار إلى القارة الآسيوية التي كانت تعيش جحيم الحرب أيضاً، فبعد وقت قصير من تحرير الحلفاء للفلبين من الاحتلال الياباني في أغسطس/آب 1945، بدأ عملاء مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) وقوات الحلفاء في اكتشاف الأعمال الفنية المخفية ومستودعات الذهب، وغيرها من عناصر التراث الثقافي التي نهبها الجيش الياباني.
وبعد الاستسلام الرسمي لليابان في 2 سبتمبر/أيلول 1945، تم إنشاء قسم الفنون والآثار بقسم المعلومات المدنية والتعليم بالقيادة العليا لقوى الحلفاء في طوكيو؛ لحماية وتنظيم استعادة الكنوز الثقافية الآسيوية المنهوبة، وكان هذا القسم أحد فروع وحدة رجال الآثار في القارة الآسيوية، التي عملت على حماية واسترجاع الآثار المنهوبة خلال الحرب.
رجال الآثار استرجعوا 5 ملايين قطعة أثرية منهوبة
كان القائد ووكر كيركلاند هانكوك أحد أبرز أعضاء وحدة رجال الآثار، فقد كان نحاتاً مشهوراً قبل الحرب العالمية الثانية، إذ فاز بجائزة بريكس دي روما المرموقة، وصمّم وسام القوات الجوية الأمريكية عام 1942، وبعد سماعه بتشكيل وحدة رجال الآثار سارع هانكوك بالانضمام إلى الوحدة من أجل حماية واستعادة الأعمال الفنية المنهوبة.
كانت جهود هانكوك ضمن وحدة رجال الآثار كبيرة، فقد استطاع لوحده استرجاع العديد من الأعمال الفنية والأشياء الثقافية،
كما أعد "الدليل الفرنسي"، الذي أدرج المعالم الأثرية في فرنسا لتكون معفاة من الاستخدام العسكري والتي يجب حمايتها، وهو الدليل الذي ساهم بشدة في حماية آثار فرنسا من الخراب.
في أكتوبر/تشرين الأوّل 1944، دخل هانكوك منطقة آخن المدمرة بألمانيا، وتفقد كاتدرائية آخن التي تضررت بشدة، والتي كانت تضم في السابق رفات شارلمان، كما يُنسب إليه أيضاً المساعدة في نقل لوحة مادونا دي لا جليز، في مدينة لا جليز في بلجيكا.
من جهتها، كانت روز فالاند من بين أبرز أعضاء وحدة رجال الآثار، فقد كانت فالاند تشتغل أمينة متحف والعضو الوحيد من طاقم العمل في متحف Jeu de Paume الباريسي الذي احتفظ به النازيون بعد أن استولوا عليه، بحسب all that's interesting.
لم يكن النازيون على علم بأن فالاند كانت تتحدث الألمانية بطلاقة، وأنها تتنصّت عليهم. ثم تمرر خططهم للمقاومة الفرنسية. كما عملت عن كثب مع وحدة رجال الآثار لتحديد الأعمال الفنية المسروقة من فرنسا.
وفقاً لـ metmuseum، ورغم محدودية الموارد والسلطات، تمكن رجال الآثار في نهاية المطاف من تتبع وتحديد موقع، وإعادة أكثر من 5 ملايين قطعة ثقافية منهوبة، وعلى الرغم من حلّ وحدة رجال الآثار في ألمانيا عام 1950، فإن التخصص لا يزال في الشؤون المدنية بجيش الولايات المتحدة إلى اليوم.