ربما تكون القنابل الذرية والهيدروجينية التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما وناغازاكي قد أنهت الحرب العالمية الثانية بالفعل، لكنها لم تكن الأسلحة المدمرة الوحيدة التي تم تطويرها خلال هذه الحرب، فقد عمل العلماء النازيون على تطوير ترسانة أسلحة ألمانيا من الأسلحة البيولوجية والكيميائية، إلى صواريخ V-1 وV-2 المرعبة.
ومع اقتراب الحرب من نهايتها عام 1945، بدأ كل من المسؤولين الأمريكيين والسوفييت بالتخطيط للحصول على هذه التكنولوجيا لأنفسهم، خصوصاً بعد أسر الجنود الأمريكيين لـ88 عالماً نازياً قبل سقوط برلين.
في الأيام والأسابيع التي أعقبت استسلام ألمانيا، قامت القوات الأمريكية بتمشيط الريف الأوروبي؛ بحثاً عن مخابئ أسلحة لجمعها، حينها صدموا بأنواع الأسلحة الألمانية التي كان العلماء الألمان يعملون عليها.
وفقاً لـ smithsonianmag، لم يكن جمع تلك الأسلحة ودراستها كافياً للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إنّ جيشها لم يكن الوحيد الذي يريد الحصول على التقنية الألمانية في صناعة الأسلحة، فقد كان حلفاؤهم في السابق في الاتحاد السوفييتي يفعلون الشيء نفسه.
إذا كان السوفييت قد انتهجوا نهج العنف في إجبار العلماء النازيين على التعاون معهم، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية قررت انتهاج نهجٍ مغاير تماماً يتسّم بالتسامح مع هؤلاء العلماء، لذلك وضعت الحكومة الأمريكية خطة لإعادة 88 عالماً نازياً تم أسرهم خلال سقوط ألمانيا النازية إلى أمريكا، وإعادتهم إلى وظائفهم، لكن هذه المرة سيعملون لفائدتها، كما أطلقت مشروعاً باسم عملية "مشبك الورق" تستهدف من خلاله العلماء النازيين للعمل لصالحها.
متى وكيف بدأت عملية مشبك الورق؟
مع دخول الحرب العالمية الثانية مراحلها النهائية، تعاونت القوات الأمريكية والبريطانية للبحث عن أكبر قدر ممكن من أبحاث التطوير العسكري والعلمي والتكنولوجي في ألمانيا النازية.
بحسب history، ومع انهيار ألمانيا النازية، بدأت اللجنة الفرعية لأهداف الاستخبارات المشتركة (CIOS)، التابعة للقوات الأمريكية، في مصادرة الوثائق والمواد المتعلقة بالحرب واستجواب العلماء الألمان.
كما حصلت اللجنة على قائمة بأسماء العلماء والمهندسين الذين تمّ تشغيلهم لفائدة الرايخ الثالث.
لتعلن الولايات المتحدة الأمريكية الشروع في عملية تستهدف هؤلاء العلماء، الذين كانت المختبرات العسكرية الأمريكية بحاجة لهم.
في قضية سرّية، أُطلق عليها في الأصل عملية Overcast، ولكن تم تغيير اسمها لاحقاً إلى عملية "مشبك الورق"، تم إحضار ما يقرب من 1600 من هؤلاء العلماء الألمان (مع عائلاتهم) إلى الولايات المتحدة للعمل لصالح أمريكا خلال الحرب الباردة.
كان المشروع في الأصل من إدارة وكالة أهداف الاستخبارات المشتركة، والتي كان هدفها هو تسخير الموارد الفكرية الألمانية؛ للمساعدة في تطوير ترسانة الصواريخ الأمريكية وغيرها من الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وضمان عدم وقوع مثل هذه المعلومات الخطيرة في يد الاتحاد السوفييتي.
وفقاًً لـ opindia، وبالرغم من أنه أجاز العملية رسمياً في سبتمبر/أيلول 1946، وأمر بتوسيعها لتشمل ألف عالمٍ نازيٍّ، إلا أن الرئيس هاري ترومان منع الوكالة من تجنيد أي أعضاء نازيين. ومع ذلك، فإن المسؤولين في JIOA ومكتب الخدمات الاستراتيجية OSS تجاوزوا هذا التوجيه من خلال إزالة أو تبييض الأدلة التي تدين بعض العلماء الألمان بارتكاب جرائم الحرب، معتقدين أن ذكاءهم أمر حاسم بالنسبة للبلاد في فترة ما بعد الحرب.
العلماء الألمان في "مشبك الورق" الذين طوّروا ترسانة أمريكا من الأسلحة في الحرب الباردة
كان العالم النازي فون براون، أحد أكثر العلماء النازيين المجندين شهرةً، فقد كان يشغل منصب المدير الفني في مركز Peenemunde لأبحاث الجيش في ألمانيا، والذي كان له دور فعال في تطوير صاروخ V-2 الفتاك، الذي دمر إنجلترا خلال الحرب، والذي كان يعتبر الصاروخ الأكثر تطوّراً في ذلك الوقت.
تم إحضار فون براون وغيره من علماء الصواريخ إلى مختبرات فورت بليس، تكساس، ووايت ساندز بروفينج جراوندز، نيو مكسيكو، بصفتهم "موظفين خاصين في وزارة الحرب" لمساعدة الجيش الأمريكي في تجارب الصواريخ.
أصبح فون براون فيما بعد مديراً لمركز مارشال لرحلات الفضاء التابع لناسا والمهندس الرئيسي لمركبة الإطلاق Saturn V، التي دفعت في النهاية نحو 20 رائد فضاء أمريكياً إلى القمر.
كما ساعد العالم النازي دورن بيرجر الولايات المتحدة من خلال تطوير أول صاروخ نووي أرض-جو في العالم، إضافة إلى مساهمته في صنع أوّل مكوك للفضاء.
في حين قام راينهارد جيهلين، أحد كبار ضباط استخبارات هتلر بتقديم معلومات للأمريكيين عن السوفييت.
بينما ساهم أوتو أمبروس، الكيميائي الذي حوكم في نورمبرغ، في سلاح الكيماويات بالجيش الأمريكي، ومن الأسماء البارزة الأخرى ثيودور بنزنجر وسيغفريد كنماير وكورت ديبوس وهوبيرتوس ستروغولد، الذين ساعدوا أمريكا على تطوير ترسانتها الصاروخية والكيميائية، والدفع بتطورها في سباق الفضاء إلى الأمام.
النسخة السوفييتية من "مشبك الورق"
في اللحظة التي كانت فيها الولايات المتحدة الأمريكية تفكّر في الاستفادة من العلماء النازيين، كان الاتحاد السوفييتي قد شرع فعلياً في هذه الخطوة.
كان لدى السوفييت نسختهم الخاصة من عملية مشبك الورق مستمرة. وفقاً للتقارير، فإنّ عملية Osoaviakhim المشابهة لعملية مشبك الورق الأمريكية قد اختطفت أكثر من 6 آلاف عالم ألماني وأفراد أسرهم من المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد السوفييتي في ألمانيا للعمل وإعادة التأهيل في الاتحاد السوفييتي.