تعتبر أغنية "شويخ من أرض مكناس"، التي غناها لأول مرة الفنان البحريني أحمد الجميري مطلع سنوات الثمانينيات، من بين أبرز الأغاني التي قدمها باقة من الفنانين العرب، أبرزهم كل من: أحلام، وحسين الجسمي، وذلك خلال حفلاتهم، أو جلساتهم الفنية، خلال السنوات الأخيرة.
وفي الوقت الذي أصبح فيه ترديد هذه الأغنية متداولاً بين الفنانين، وأصبحت كلماتها مألوفة عند الجمهور العربي، إلا أن هناك عدداً من الأشخاص الذين لا يعرفون قصتها، وسر كلماتها، التي تعود بنا إلى أكثر من 700 سنة من الزمن، وبالضبط في مدينة مكناس المغربية.
أبو الحسن الششتري.. من الأندلس إلى المغرب للتصوف
تم تأليف قصيدة "شويخ من أرض مكناس" من طرف الشاعر والزجال الأندلسي أبي الحسن الششتري، الذي وُلد سنة 1212، وينحدر من إحدى العائلات الغنية، والميسورة مادياً، في قرية ششتر المتواجدة بالقرب من مدينة غرناطة.
درس الششتري علوم الدين والفقه والشريعة الإسلامية، وزاد إليها الفلسفة، وقبل ما يعادل 735 سنة، قرر الانتقال من بلاد الأندلس إلى أرض المغرب، من أجل الدخول في الصوفية، وتعلم جميع أصولها.
حطَّ أبو الحسن الششتري الرحال في بداية رحلته في مدينة فاس المتواجدة وسط المغرب، وهي أقدم مدن البلاد، ووجهة شهيرة لكل من يريد طلب العلم، وبعد ذلك انتقل إلى مدينة مكناس، التي تبعد عن فاس بما يقارب 60 كيلومتراً.
هناك تعرف الششتري على الشيخ عبد الحق بن سبعين، أحد شيوخ التصوف، الذي اختار بدوره الاستقرار في المغرب، منتقلاً من الأندلس، من أجل تأليف معظم رسائله المتعلقة بالفلسفة، وكذا تجميع أتباعه من الذين يريدون الدخول في الصوفية.
ومن أجل تمكين الششتري من التصوف، طلب منه بن سبعين التجرد من ملابسه الفاخرة، والابتعاد عن مظاهر الغنى التي كان يتسم بها، وارتداء ملابس بالية ومرقعة، كتلك التي يرتديها أغلب المتصوفين، ثم حمل البندير (وهو الدف بالدارجة المغربية) والتجول في شوارع وأسواق مكناس، وذكر الحبيب بين السكان.
"شويخ من أرض مكناس" لدعوة الناس إلى التقوى
طبق أبو الحسن الششتري تعليمات بن سبعين، وارتدى ما طلب منه من ملابس بالية، ثم حمل الدف، وتوجه إلى أسواق مدينة مكناس، حيث حاول التعبير عن مشاعره، وربطها بكل ما يعيشه انطلاقاً من الزمان والمكان، ثم ألفَّ كلمات قصيدة "شويخ من أرض مكناس"، وشرع في ترديدها على مسامع المارة من أهل المدينة.
ويقول مطلع القصيدة:
شويخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغني
اش عليّ أنا من الناس واش على الناس منِّي
اش عليا يا صاحب من جميع الخلايق افعل الخير تنجو واتبع أهل الحقايق
لا تقول يا ابني كلمة إلا إن كنت صادق خُذ كلامي في قرطاس واكتبه حرز عني
وتنتهي القصيدة بالكلمات التالية:
يا إلهي رجوتك جد علينا بتوبة
بالنبي قد سألتك والكرام الأحبة
الرجيم قد شغلني وأنا معه في نشبة
قد ملا قلبي وسواس من ما هو يبغي منّي
وكانت هذه القصيدة من بين أشهر ما ردده أبو الحسن الششتري من أجل دعوة الناس إلى الخير والتقوى، والابتعاد عن مفاتن الحياة بمختلف أنواعها.
إذ إن الششتري اشتهر بأنه أول من استخدم الزجل من أجل عرض المقاصد الصوفية، وقدم أكثر من قصيدة لنفس الغرض، ورددها على مسامع الناس في مكناس.
من قصيدة زجلية إلى أغنية شهيرة إلى يومنا هذا
وبعد مرور ما يقارب سبعة قرون على هذه القصيدة، تحولت "شويخ من أرض مكناس" إلى أغنية بألحان وموسيقى خليجية، بعد أن لحنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ، الذي وجد كلماتها خلال بحثه في الزجل الأندلسي.
وهو الذي قام بتلحين أكثر من قصيدة أندلسية للششتري، من أبرزها كل من "كلما كنت بقربي"، و"مديح الراح".
وفي سنة 1982 تم إصدار الأغنية بصوت المغني البحريني أحمد الجميري، إذ مكنته بعد تأديتها من الانتشار بشكل كبير في الوطن العربي، ووصل صيت الأغنية إلى بلاد المغرب كذلك، بعدما كانت شهرته منحصرة في البحرين، وبعض دول الخليج فقط.
وبعد ذلك انتشرت الأغنية بصوت ملحنها خالد الشيخ، الذي قدمها في إحدى الجلسات الغنائية، ليتم تداولها من جديد خلال سنوات التسعينات.
وبالرغم من أن الأغنية قديمة، وكلماتها أقدم بكثير، فإن "شويخ من أرض مكناس" عادت من جديد لتصبح "تريند" بين الجيل الجديد، بعد تأديتها بعدة أصوات لمجموعة من الفنانين المشهورين، أبرزهم كان كل من: أحلام، وحسين الجسمي، ودنيا بطمة.
ومع بداية سنة 2023، تمكن الفنان عبد المجيد عبد الله من تحويل الأغنية إلى عمل غنائي شهير من جديد، بعد أن شارك فيديو من حفل البحرين 2022 عبر قناته الرسمية على اليوتيوب، وتمكنت من الحصول على أكثر من مليون مشاهدة في أقل من شهر، الشيء الذي جعل الجمهور العربي يهتم بهذا العمل الغنائي الذي انطلق من المغرب قبل 700 سنة.