قبل وفاتها المفاجئة والمأساوية في أغسطس/آب 1997، ساعدت الأميرة ديانا في لفت الانتباه إلى إرث الألغام الأرضية ومدى خطورتها، فقبل 9 أشهر من وفاتها كانت قد شاركت في نزهة عبر حقل ألغام في هوامبو في وسط أنغولا في يناير/كانون الثاني 1997، وقد أدى ذلك إلى زيادة الجهود الدولية من أجل تطهير العالم من حقول الألغام.
تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 100 مليون لغم مزروع في جميع أنحاء العالم، بينما تصنّف 71 دولة على أنها دولٌ موبوءة بالألغام الأرضية، في وقت تخلّف هذه الألغام ألفي ضحية كل شهر (ضحية واحدة كل 20 دقيقة).
وبينما لم تعش ديانا لرؤية نتائج نضالها ضد الألغام الأرضية، حظرت الأمم المتحدة خلال نفس السنة الألغام الأرضية من خلال اتفاقية حظر الألغام، والمعروفة أيضاً باسم معاهدة أوتاوا، والتي تحظر أيضاً استخدام وتخزين وإنتاج ونقل الألغام الأرضية.
أصبحت 164 دولة، أطرافاً في الاتفاقية، بينما رفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى تلك الدول.
تاريخ الألغام الأرضية
في حين أن استخدام الأجهزة المتفجرة يعود إلى الصين خلال القرن الـ13، عندما استخدم جيش أسرة سونغ القنابل لصد الغزو المنغوليين، فإنّ استخدام الألغام الأرضية يعود إلى القرن الـ16،عندما تم استخدام سلاح "الغازات الأربعة" في إيطاليا، كان هذا السلاح في الأساس قنبلة دُفنت تحت الأرض وعندما تم تفجيرها يمكن أن تمطر الحجارة وغيرها من الحطام فوق ساحة المعركة، ومع ذلك، لم يكن لهذا السلاح تأثير كبير في حسم المعارك، ليتم التفكير في تطويره، حسب smithsonianmag.
بعد حوالي قرنين، ظهر أول لغمٍ أرضي حقيقي يعمل بالضغط، وقد وصفه المؤرخ الألماني في القرن الـ18 هـ.فرير فون فليمينغ بأنه سلاح "يتكون من وعاء خزفي به شظايا زجاجية ومعدنية مغروسة في الطين". ومع ذلك، لم يتم استخدام هذه الأسلحة بشكل روتيني في ساحة المعركة حتى الحرب الأهلية الأمريكية.
ولكن قبل ذلك، برز الجندي غابرييل رينز، وهو مواطن من نورث كارولينا، كان يتقن صناعة الألغام الأرضية الحديثة، فبصفته خريجاً من الأكاديمية العسكرية الأمريكية (ويست بوينت)، كان من الواضح أن رينز يتمتع بقدرات عالية في الكيمياء والمدفعية، ليقوم بصناعة توربيداتٍ من صفائح الحديد، مع فتيل محمي بغطاء نحاسي مغطى بمحلول من شمع العسل، يتم تفجيره إمّا عن طريق التلامس المباشر مع مادة الاحتكاك الأولية للقذيفة المدفونة، أو حركة جسم متصل بالطبقة الأولية بواسطة خيوط أو أسلاك، ليكون ذلك براءة إختراع الألغام الأرضية.
تمّت تجربة لغم رينز لأول مرة في أبريل/نيسان 1840، خلال حروب سيمينول في فلوريدا، ولكن لم يتم استخدام اختراعه على نطاق واسع حتى الحرب الأهلية.
الحرب الأهلية الأمريكية ساهمت في ظهور الألغام في الحروب
خلال الحرب الأهلية الأمريكية، وبعد حصار يوركتاون في ربيع عام 1862، زرع رينز ورجاله ألغاماً أرضية على طول طريقهم في الوقت الذي انسحب فيه الجيش الكونفدرالي من ريتشموند، لتكون المفاجأة مروعة لجنود الاتحاد الأمريكي، الذين تزلزلت الأرض من تحت أقدامهم من شدة الألغام، وأصبح فرسان الاتحاد الأمريكي وخيولهم أول الإصابات الجماعية لسلاح الألغام الأرضية.
ومع اشتداد الحرب الأهلية تمّ وضع الألغام في داخل الأشغال المهجورة بالقرب من الآبار والينابيع، وبالقرب من المجلات ومكاتب التلغراف، وفي أكياس السجاد، وبراميل الدقيق، وما إلى ذلك، حسب ما نقله الجنرال جورج ماكليلان.
كانت المذبحة التي تسببت فيها الألغام كبيرة لدرجة أن الجنرالات الكونفدراليين شككوا في استخدامها، ولكن مع تحول مد الحرب، أصبح هؤلاء الجنرالات أقل تردداً في استخدامها.
بعد الحرب الأهلية الأمريكية، أظهر الجيش البريطاني القليل من القلق بشأن استخدام الألغام الأرضية، وخلال حصار الخرطوم 1884-1885، استخدم القائد البريطاني تشارلز جوردون الألغام لصد مقاومة المهدية السودانية.
وفي حرب البوير، استخدم البريطانيون ألغاماً ضد قوات البوير، وشمل ذلك مزيجاً من حقول الألغام الحقيقية وحقول الألغام المزيفة لإرباك العدو.
الحروب العالمية ضاعفت من انتشار الألغام الأرضية
انتشرت أسلحة الألغام الأرضية بسرعة في جميع أنحاء العالم، ومع اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان سلاح الألغام الأرضية قد إحتل مكانة كبيرة ضمن الأسلحة الفتاكة المستعملة في الحرب.
وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت بداية ما أصبح التكتيك الراسخ من قبل فنلندا في عام 1939 لإبطاء القوات السوفييتية الأكبر حجماً، هو استعمال حقول الألغام، وطيلة الحرب تم استخدام الألغام على أوسع نطاق لإنكار من أجل فرض بعض السيطرة على ساحات المعارك.
كما زاد إبتكار الألغام المضادة للدبابات من انتشار الألغام، خصوصاً أنّ الألغام المضادة للدبابات كان من السهل نسبياً اكتشافها ورفعها أو نزع فتيله، لذا كانت تمت حمايتها بألغام أرضية مضادة للأفراد أصغر حجماً يصعب اكتشافها.
كان تطور الألغام الأرضية المضادة للأفراد خلال الحرب العالمية الثانية يسير بالسرعة القصوى، فحسب إستراتيجيات قادة الحرب كانت الألغام الأرضية مصممة لإصابة الضحية فقط، كون إصابة الجندي تستهلك المزيد من الموارد للإخلاء والعلاج مما يساهم في إبطاء تقدم العدو.
منذ الحرب العالمية الثانية و صراعات الحرب الباردة التي تلتها، تم استخدام الألغام الأرضية في جميع أنحاء العالم، في بعض الأحيان في حقول ألغام مخططة ومحددة جيداً تساعد في إزالة الألغام بعد نهاية الصراع، ولكنها استخدمت أيضاً بشكل عشوائي تاركة مساحات شاسعة من العالم ملوثة وخطيرة جداً لاحتلالها أو زراعتها من قبل السكان المحليين.
حسب بعض التقديرات، كان أكثر من 26 ألف شخص يسقطون ضحايا للألغام الأرضية كل عام في التسعينيات من القرن الماضي بسبب بقايا الألغام من تلك الحروب الإقليمية بحسب nationalinterest.
وحتى اليوم، هناك عدد لا يُحصى من الألغام الأرضية غير المنفجرة في جميع أنحاء العالم، والتي لا تزال تحصد الضحايا لفترة طويلة بعد انتهاء القتال الفعلي.
لا تزال الألغام مكتشفة في حقول في أوروبا وإفريقيا مستمرة، ويُعدّ العراق اليوم أكثر دول العالم تشبعاً بالألغام الأرضية، بعد أن ورث ملايين الألغام من الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج وفترة احتلاله من أمريكا.
جهود مكافحة الألغام الأرضية مستمرة
تم وضع معاهدات لحظر تصنيع الألغام الأرضية واستخدامها سنة 1997، وحتى الآن، وقع عليها 162 دولة، بما في ذلك جميع دول نصف الكرة الغربي باستثناء كوبا والولايات المتحدة.
ويركز عدد من المنظمات اليوم جهودها على ابتكارات تكنولوجية تساعد الجهود المستمرة للقضاء على الألغام الأرضية. ومن الأمثلة على ذلك برنامج TIRAMISU، وهو برنامج بحث حصل على تمويل من المفوضية الأوروبية وتعاون مع 26 مجموعة في جميع أنحاء أوروبا لبحث وتطوير أدوات جديدة لإزالة الألغام. الهدف من صناديق الأدوات هذه هو المساعدة في تحديد مواقع الألغام وإزالتها، وإبطال مفعولها أو تفجيرها دون أي خسائر في الأرواح.
ومن بين الابتكارات التي ساهمت في الحد من خطورة الألغام الأرضية المنتشرة، الرادار الذي يمكن أن يعطي فكرة عن حجم الجسم المدفون.
يعمل رادار على اختراق الأرض عن طريق إرسال نبضات من الطاقة إلى الأرض، ثم تسجيل قوة الموجات التي تنعكس مرة أخرى والوقت الذي يستغرقه انعكاسها.
أظهر الباحثون أن استخدام GPR لإنشاء مجموعة بيانات يمكن أن يقلل "الضوضاء" الزائدة من كائنات الألغام غير الأرضية ويساعد خبراء إزالة الألغام في تحديد مواقع الألغام الحقيقية بسرعة أكبر.
اختراع مماثل هو الليزر الذي ابتكره الجيش الأمريكي، والذي يستمد طاقته من 1100 أمبير لتفجير متفجرات تحت الأرض من مسافة تصل إلى 1000 قدم، ومع ذلك، فإن هذه الأداة تقتصر بشكل أساسي على الجيوش التي لديها أموال للاستثمار في مثل هذه التكنولوجيا، على عكس مجموعة كاشف المعادن GPR.
كما تم ابتكار طائرات من دون طيار وروبوتات وظيفتها تفجير الألغام الأرضية.
وكون عملية كشف وتفجير الألغام تحتاج إلى موارد، فهناك من استعان بالحيوانات والجرذان من أجل كشف وتفجير هذه الألغام، وتقوم هذه الحيوانات بشمّ الألغام دون تفجيرها.