بعد هزيمة نابليون في معركة واترلو عام 1815، أعاد مؤتمر فيينا رسم الخطوط الحدودية للعديد من الدول الأوروبية، وخاصةً الحدود بين مملكتي بروسيا وهولندا.
لم تكن تلك العملية سهلة، فعلى الحدود بين هولندا وبروسيا كانت هناك قرية صغيرة تسمى موريسنت، تقع في مقاطعة لييج، وتُعرف اليوم باسم قرية كيلميس، كانت هذه القرية تحتوي على منجم للزنك والرصاص، وادعت كل من المملكتين البروسية والهولندية امتلاك قرية مورسنت.
في تلك الأثناء، تحوّلت موريسنت إلى شطيرة بين قوتين عظميين، فقد كانت كلٌّ من هولندا وبروسيا تعتقد سهولة دمج هذه الرقعة من الأرض الصغيرة جداً في حدود إحدى الدولتين، ولكن ذلك لم يحدث، لم يكن أي منهما مستعداً أن يرى موريسنت في حدود خصمه.
أثبتت منطقة موريسنت المحايدة أنها إشكالية كبيرة بالنسبة لمفاوضات ترسيم الحدود بين بروسيا ومملكة هولندا، كون كلا البلدين كان لهما عين على "الجبل القديم"، وهو منجم زنك كبير يقع في موريسنت، فكان الحل الوحيد هو جعل المنجم والقرية منطقة مستقلة، وهكذا في عام 1816 ولدت شركة موريسنت المحايدة، التي تحوّلت إلى دولة استمرت أكثر من 100 عامٍ، قبل أن تندلع الحرب العالمية الأولى وتخفيها عن الوجود.
موريسنت القرية التي صارت قبلة للمهربيين والفارّين من العدالة
كانت موريسنت المحايدة مثلثة الشكل، وحجمها حوالي ضعف إمارة موناكو، وتتألف في البداية من قرية تضم حوالي خمسين منزلاً، وكنيسة، ومنجماً و256 شخصاً.
كان اقتصاد موريسنت المحايدة يعتمد بشدة على منجم الزنك والرصاص، الذي يقع في ترابها، فكانت الثروة الأساسية التي خلقت مناصب العمل، وأنشأت المدارس والمساكن والمتاجر، وصار بالمنطقة المستقلة مستشفى وبنك.
استفادت منطقة موريسنت المحايدة من الضرائب المنخفضة، وعدم وجود تعريفة استيراد أو نقاط تفتيش جمركية، سرعان ما أصبحت موريسنت المحايدة ملاذاً للمهربين والمدانين الهاربين من العدالة في أوروبا.
نظراً لأن شعب موريسنت، أو ما يسمى بـ"الحياديون"، لم يكن لديهم الحق في التصويت، فقد تم اعتبارهم عديمي الجنسية، وبالتالي تم إعفاؤهم من التجنيد في الخدمة العسكرية، كما لم يكن لموريسنت جيشٌ.
في الواقع لم يكن لدى موريسنت سوى ضابط واحد لتطبيق القانون، ولم يكن لديه سجن أو حتى زنزانة، حيث يمكنه حبس شخص ما إن انتشرت هذه الأخبار في جميع أنحاء أوروبا، حتى تحوّلت منطقة موريسنت إلى أكثر المناطق جذباً للوافدين، فتضاعف عدد سكانها كثيراً.
بحلول الوقت الذي اختفى فيه موريسنت، بلغ عدد سكانها حوالي 4500 نسمة، أي تضاعف سكان موريسنت 18 ضعفاً.
ونظراً لعدم وجود نظام قانوني خاص بها، أو دستورٍ خاص بها، اعتمدت دولة موريسنت المحايدة قانون نابليون دستوراً، والفرنك الفرنسي عملةً، كما تم تداول عملات بروسيا (ثم ألمانيا بعد عام 1871) وبلجيكا وهولندا، مع ذلك صنعت موريسنت المحايدة عملتها الخاصة قبل أن تختفي.
موريسنت عاصمة الإسبرانتو
في البداية كانت موريسنت المحايدة تُحكم بشكل مشترك من قبل المفوضين الملكيين من بروسيا وهولندا، لكن في عام 1830، وعندما حصلت بلجيكا على استقلالها من مملكة هولندا، استولت بلجيكا على المطالبة بموريسنت من الجانب الهولندي، وهكذا أصبح الطرف الشمالي لمثلث موريسنت حدوداً مع أربع دول.
عندما استنفد منجم الزنك موارده وأغلق في عام 1885، نشأت شكوك حول ما إذا كانت المنطقة ستستمر في البقاء أم لا، كانت هناك عدة محاولات لتأسيس المنطقة كهوية أكثر استقلالية.
كان الدكتور ويلهيلم مولي كبير الأطباء في منطقة موريسنت المحايدة، في عام 1885 وَضع مولي خططاً لتطوير وتحديث موريسنت.
في البداية أسَّس مولي حركة استقلال موريسنت المحايدة، ثمّ قام بتصميم عَلَم خاصٍ لموريسنت، وحاول إدخال هويتين مفضلتين إلى الدولة، كما صنع طوابع بريد خاصة بموريسنت المحايدة.
علاوة على ذلك، كان الدكتور مولي من المؤيدين المتحمسين للغة التي اخترعها العالم البولندي لوديك زامنهوف، عام 1870، وهي لغة الإسبرانتو.
قرّر مولي أن موريسنت المحايدة ستصبح أول ولاية إسبرانتو كاملة في العالم، وذلك بعد أنّ شجّع شعب موريسنت على تعلم الإسبرانتو، كما قام بإدخال الإسبرانتو في مناهج المدرسة المحلية، وتمّ تأليف نشيد لدولة موريسنت الإسبرانتية.
وفي عام 1908 أعلن المؤتمر العالمي للإسبرانتو أنّ موريسنت المحايدة هي عاصمة الإسبرانتو.
موريسنت تتحوّل إلى صالة قمار كبيرة بعد نفاد مواردها
أمام تلك التحوّلات كان نضوب منجم الزنك الضربة القاصمة للإقليم المحايد، فقد كان على شعب موريسنت أن يجد بديلاً عن منجم الزنك، الذي نضبت ثرواته ولم يعد رافداً لخزينة المنطقة، أجبرت موريسنت على التوجه إلى القمار من أجل الاستمرار.
تم افتتاح كازينو في الإقليم في عام 1903، في تلك الأثناء كانت بلجيكا تشنّ حملة ضدّ القمار بإغلاق جميع الكازينوهات الخاصة بها.
كانت تلك فرصة مواتية لتتحوّل موريسنت المحايدة إلى صالة قمار كبيرة، فقد سافر مئات المقامرين إلى موريسنت للعب القمار، وهو الأمر الذي أغضب بروسيا كثيراً، لكن مشروع القمار انتهى من قبل القيصر فيلهلم الثاني، الذي هدّد بتقسيم موريسنت أو التنازل عنها لبلجيكا لإنهاء القمار.
الحرب العالمية الأولى تمنح موريسنت إلى بلجيكا
حسب فيلهلم الثاني، كان مبرر وجود المنطقة المحايدة قد اختفى بالفعل في عام 1895، مع انتهاء عمليات التنقيب في منجم الزنك. وبالتالي حاولت بروسيا في عدة مناسبات إلغاء الوضع "المؤقت" للإقليم.
عندما وصلت المفاوضات مع البلجيكيين إلى طريقٍ مسدود، قرّر البروسيون استخدام القوة، لا سيما أعمال التخريب! وهكذا في عام 1900، انقطعت الكهرباء وخطوط الهاتف عن دولة موريسنت.
في أغسطس/آب 1914، كانت بداية الحرب العالمية الأولى ووصول القوات الألمانية إلى المنطقة بمثابة نهاية لحياد منطقة موريسنت.
ففي 9 أغسطس/آب 1914، غزت ألمانيا بلجيكا، ودخلت إلى موريسنت المحايدة دون إطلاق رصاصة.
في دقائق معدودة، حققت ألمانيا ما فشلت هولندا وبروسيا في تحقيقه بعد سنوات من المفاوضات، زعمت ألمانيا أنّ تلك الرقعة من الأرض ملك لها، وأن حياد موريسون لم يعد موجوداً.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى بخسارة الألمان، منحت معاهدة فرساي منطقة موريسنت المحايدة إلى بلجيكا، اعتباراً من 10 يناير/كانون الثاني 1920، كتعويض عن الأضرار التي لحقت ببلجيكا خلال الحرب العالمية الأولى.
حوّلت السلطات البلجيكية منطقة موريسنت المحايدة إلى بلدية كلميس، ووضعت حداً لواحدة من أصغر الدول التي شهدتها أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى، حسب discoveringbelgium.