في أوائل القرن العشرين لم تكن كلمة "التبييض" كمصطلح متداولة بكثرة، لكنها كسياسة كانت موجودة في هوليوود وخارجها. في ذلك الوقت كان الممثلون البيض يصبغون وجوههم باللون الأسود، أو باللون الأصفر، لأداء شخصيات من أصول إفريقية أو آسيوية أو حتى عربية.
وبسبب القوانين العنصرية بأمريكا في ذلك الوقت، احتكر الممثلون البيض الأدوار الرئيسية في أفلام هوليوود. وكان عذر القائمين على تلك الأفلام حينها، هو "نقص الممثلين الملونين القادرين على أداء هذه الأدوار".
في الوقت الحالي ومع تحول العالم إلى قرية صغيرة، وإمكانية وصول ممثلين من أي دولة وعرق إلى هوليوود والتعاقد معهم لأداء الأدوار، وسن القوانين لمكافحة العنصرية في أمريكا، ومع أنه في عام 2021 بلغت التركيبة السكانية في أمريكا، نحو 59% من البيض، و18.5% من أصل إسباني، و13.4% من السود، و5.9% من آسيا، و1.5% من السكان الأصليين، ونحو 2.8% من العرق المختلط.
ورغم هذا ما زال اختيار الأدوار في كثير من أفلام هوليوود، مثالاً صارخاً على سياسة "التبييض"، والعنصرية تجاه الشخصيات والأبطال من الأعراق الأخرى غير البيضاء.
ماذا يعني "التبييض" في أفلام هوليوود؟
في أفلام هوليوود التي صدرت في أوائل القرن العشرين، غالباً ما غيّر الممثلون البيض الذين لعبوا دور الأشخاص الملونين مظهرهم، كانوا يصبغون وجوههم باللون الأسود أو الأصفر. وكان هذا التصرف عادةً مصحوباً بطريقة كلام وحركات مبالغ فيها، مما ساهم في انتشار القوالب النمطية، التي غذت العنصرية في أمريكا تجاه الأقليات وسخرت منهم.
في هذه الأيام، لم يعد هناك ممثل يصبغ وجهه باللون الأسود أو الأصفر، لكن مازالت بعض الأدوار حول شخصيات آسيوية أو حتى سوداء أو من أعراق أخرى، تسند إلى ممثلين البيض، وهذا هو ما يعرف بـ"التبييض" في أفلام هوليوود.
على سبيل المثال، فيلم "The Lone Ranger" عام 2013 من بطولة جوني ديب، واحد من الأمثلة الكثيرة على عملية التبييض في أفلام هوليوود، حيث أدى جوني ديب دور شخص من السكان الأصليين لأمريكا.
مثال آخر كان فيلم "Ghost in the Shell" عام 2017، من بطولة سكارليت جوهانسن، مع أن القصة مقتبسة من رواية "هيروشي ساكورازاكا"، وبطلة القصة شخصية آسيوية، قامت بدورها جوهانسن وهي ممثلة بيضاء، وهو أمر عرّض الفيلم لكثير من الانتقادات.
وليست الشخصيات في أفلام هوليوود الخيالية فقط والتي يمكن أن تصبح ضحية عملية "التبييض"، وإنما حتى الأفلام التي تتناول الأحداث التاريخية الحقيقية.
ومثال على ذلك ما حدث عام 1994، وكشف عنه كاتب السيناريو والمنتج "جريجوري ألين هوارد"، وهو عندما بدأ العمل على فيلم حول حياة الأمريكية من أصول إفريقية "هاريت توبمان"، التي كانت ناشطة في مجال إلغاء الرق خلال الحرب الأهلية الأمريكية، ونشطت ضد العنصرية في أمريكا حينها.
اقترح أحد المديرين التنفيذيين في الأستوديو أن تقوم جوليا روبرتس بالدور. وفقاً لرواية هوارد، عندما تم إخبار المدير التنفيذي بأن جوليا روبرتس غير ملائمة لأداء دور امرأة سوداء، أجاب: "كان ذلك منذ وقت طويل جداً ولن يعرف أحدٌ الفرق".
وفي فيلم الإثارة السياسي "Argo" عام 2012، المبني على قصة حقيقية، لعب الممثل بن أفليك دور "توني مينديز"، مسؤول العمليات الفنية في وكالة المخابرات المركزية، مع أن الشخصية الحقيقية كانت من أصل مكسيكي.
كما أن الأمثلة بالعشرات على التبييض في أفلام هوليوود، واختيار الممثلين البيض في الأدوار التي تمثل الأعراق الأخرى، منتشر للغاية بحيث لا يمكن أن يكون عرضياً.
التبييض في أفلام هوليوود يهدف لإثبات تفوّق العرق الأبيض
تقول تينا هاريس، الحاصلة على الدكتوراه وأستاذة الإعلام والثقافة في جامعة ولاية لويزيانا، عن التبييض في أفلام هوليوود: "إنه يعزز الاعتقاد بأن البيض يتفوقون على جميع المجموعات العرقية والثقافية الأخرى، ويجعل منهم غير مرئيين ولا صوت لهم".
ومثال على ذلك فيلم "The Great Wall" من بطولة مات ديمون، الذي قدم نوعاً آخر من أنواع التبييض في أفلام هوليوود، وهو سردية "المنقذ الأبيض" الذي يقود الأعراق الأخرى للنصر، تماماً كما حدث في كثير من الأفلام المماثلة.
والتبييض الموجود في أفلام هوليوود مستمر منذ عقود. في الواقع واحدة من أقدم وأبرز تلك الحالات في فيلم صدر عام 1915 بعنوان "ولادة أمة"، والذي يصور تشكيل منظمة "كو كلوكس كلان" العنصرية، في أعقاب الحرب الأهلية. يُظهر الفيلم العنصري الصريح ممثلين بيضاً بوجه أسود، قدموا في الفيلم الرجال والنساء السود على أنهم متوحشون بربريون مهووسون بالجنس.
ومن الناحية العملية، فإن التبييض في أفلام هوليوود يحرم الممثلين الملونين من فرص العمل، إضافة إلى ذلك، على المستوى الشخصي، يمكن أن يكون للتبييض تأثير نفسي كبير.
بحسب الطبيبة النفسية ليلا آر ماجافي: "بسبب الصور النمطية ووسائل الإعلام والتأثير الأسري، يمكن أن يؤدي التبييض إلى القلق المنهك، حيث قد يشعر أفراد الأقليات بالضغط، للظهور أو التحدث أو طريقة معينة".
وتذكر الدكتورة ماجافي تقييمها للمراهقين والبالغين الذين أفادوا بأنهم شعروا بضغوط لتغيير نبرة صوتهم أو طريقة كلامهم بسبب تأثير أفلام هوليوود. وأشارت إلى أن "التبييض يمكن أن يسبب الإحباط، ويزيد من سوء الحالة المزاجية وأعراض القلق".
التبييض ومحاولة التستر على العنصرية في أمريكا
لا يقتصر التبييض على أفلام هوليوود فقط، إنه موجود في الأدب الأمريكي وإعادة سرد التاريخ، ومحو المساهمات وحتى محو وجود الأشخاص غير البيض والثقافات في تاريخ المجتمع.
وجدت دراسة أجريت عام 2015 من قبل المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الإفريقية، أنه في المتوسط، 8-9% فقط من الوقت في فصول التاريخ الأمريكية في المدارس، مخصص على وجه التحديد لتاريخ السود.
بل إن بعض الولايات تهمل الموضوع بالكلية. على الرغم من أن تاريخ السود جزء كبير من التاريخ الأمريكي، والأكثر من ذلك، كتب التاريخ المدرسية ومحتواها تختلف من ولاية لأخرى، مما يترك مساحة كبيرة للمعلومات المضللة ومزيد من التبييض.
على سبيل المثال، بحسب موقع NPR في عام 2015، وصف كتاب تاريخ تم تدريسه على نطاق واسع، تجارة الرقيق بأنها "جلب ملايين العمال من إفريقيا إلى جنوب الولايات المتحدة للعمل في المزارع الزراعية".
ويمكن لأي شخص يتساءل: ما الخطأ في هذه الجملة؟! الحقيقة أن هؤلاء الملايين من البشر لم يكونوا عمالاً فحسب، لقد تم استعبادهم وسلب حريتهم للقيام بالعمل وسط ظروف قاسية وكانوا شهوداً على بشاعة العنصرية في أمريكا.