هل تعتقد أن وظيفتك مملة، أو غير مناسبة لك؟ بغض النظر عن ماهيتها، لا بد أن عملك الذي تكسب منه قوت يومك أفضل بكثير من بعض الأعمال التي كانت منتشرة بكثرة خلال العصر الفيكتوري، ففي ذاك الزمن كانت النساء يضطررن لغمر أجسادهن بالطين كي تنجذب ديدان العلق إليها، ثم تقوم النساء المسكينات بعد ذلك بنزع الديدان المقززة المتراكمة فوق أجسادهن وجمعها في أكياس لبيعها.
هذا مثال واحد من أمثلة كثيرة عن الوظائف القاسية التي كانت منتشرة آنذاك، تعالوا نعرفكم على بعضها:
وظائف العصر الفيكتوري
جمع ديدان العلق
فيما مضى كانت ديدان العلق من السلع المفيدة للغاية، حيث كان الأطباء والدجالون يستخدمون تلك الكائنات الماصة للدم لعلاج عدد من الأمراض، مثل الصداع والهستيريا، وبالتالي فقد كثر الطلب عليها، مما مهد لولادة مهنة "جامع ديدان العلق".
لكن لم تكن مهمة جامع الديدان مقززة فقط، بل كانت صعبة وخطيرة كذلك، إذ يتعين عليه استخدام نفسه كمصيدة بشرية.
عادة كانت النساء الريفيات يشغلن هذه الوظيفة، فيقمن بغمر أجسادهن في البرك القذرة على أمل جذب مجموعة من هذه الديدان.
وبمجرد أن يشعر جامع أو جامعة الديدان بالتصاق هذه المخلوقات الطفيلية بأي جزء من أجسادهم تبدأ حينها عملية جمع الديدان في صندوق أو وعاء.
تستطيع ديدان العلق العيش لمدة تصل إلى عام بدون طعام، لذا يمكن تخزينها في الصيدلية لبيعها حسب الحاجة ولا غرابة في أنَّ جامعي ديدان العلق كانوا معرضين لخطر المعاناة من فقدان زائد للدم، بالإضافة إلى العديد من الأمراض المعدية.
جمع المُنقّي
تطلبت هذه الوظيفة جمع براز الكلاب من شوارع لندن لبيعه إلى أصحاب المدابغ لاستخدامه في عملية صناعة الجلود.
عُرف براز الكلب باسم "المُنقّي" لأنَّه كان يستخدم لتنقية الجلد وجعله أكثر مرونة. كان الطلب على الجلود كبيراً في العصر الفيكتوري، حيث اُستخدمت في صناعة الأحذية والحقائب وتجليد الكتب. وكان هواة جمع براز الكلاب (المُنقّي) يجوبون الشوارع بحثاً عن تجمعات الكلاب الضالة ويجمعون البراز ويحتفظون به في دلو مغطى قبل بيعه إلى الدباغين.
الصيد في الصرف الصحي
امتلكت لندن الفيكتورية شبكة ضخمة من أنفاق الصرف الصحي أسفل المدينة. كان صائدو الصرف الصحي يكسبون رزقهم من هذه الأنفاق المظلمة، إذ يغربلون مياه الصرف الصحي على أمل العثور على أي أشياء ثمينة سقطت سهواً من أصحابها في البالوعة. يحمل هذا العمل خطورة شديدة. فبالإضافة إلى حشود الفئران، كثيراً ما كانت تحدث انهيارات للأنفاق. تضمنت المخاطر الأخرى احتمالية أن تُفتح بوابات تصريف المياه في أي لحظة وتندفع المياه القذرة عبر أنفاق الصرف الصحي، ما يؤدي إلى انجراف صائدي الصرف الصحي معها.
بسبب هذه المخاطر، اعتاد صائدو الصرف الصحي العمل بوجهٍ عام في مجموعات ويمكن التعرّف عليهم بسهولة من سراويلهم المصنوعة من قماش الخيش والفوانيس المتدلية على صدورهم ومآزرهم المليئة بالعديد من الجيوب الكبيرة لكي يضعوا فيها الغنائم.
بات دخول أنفاق الصرف الصحي بدون تصريح عملاً غير قانوني بعد عام 1840. ومع ذلك، لم يتخل صائدو الصرف الصحي عن مهنتهم وبدأوا العمل في وقت متأخر من الليل أو في الصباح الباكر لتجنّب كشف أمرهم.
صنع أعواد الثقاب
تُصنع أعواد الثقاب بقطع الخشب إلى أعواد رفيعة ثم غمس الأطراف في مادة الفسفور الأبيض –وهي مادة كيميائية شديدة السمية. كان هذا العمل في العصر الفيكتوري يقع بشكل أساسي على عاتق فتيات مراهقات يعملن في بيئة عمل مروّعة. كانت ساعات العمل تمتد من 12 إلى 16 ساعة يومياً مع فترات راحة قليلة وبدون توافر الاحتياطات والأدوات اللازمة لضمان سلامتهن.
أُجبرت الفتيات على تناول الطعام في أماكن عملهن، وهو ما يعني دخول الفسفور السام إلى طعامهن، الأمر الذي أدَّى إلى إصابة بعضهن بحالة مرضية مروّعة تُعرف باسم "الفك الفسفوري" ينجم عنها حدوث تهتك في عظام الفك وتشوه شديد في الوجه.
تنظيف المداخن
عمل بهذه المهنة أطفال صغار فقراء لا تتجاوز أعمارهم 4 سنوات، إذ يعتبر حجمهم الصغير مثالياً للانزلاق داخل مداخن الطوب وإزاحة الرماد العالق.
وفقاً لما ورد في مجلة "Mental Floss" الأمريكية، فقد تسبَّب استنشاق الغبار والدخان في تعرّض العديد من هؤلاء الأطفال لأضرار شديدة في الرئة. وكان الطلب يزداد على منظفي المداخن ضعاف البنية الجسدية، لذا عانى الكثير منهم من سوء تغذية متعمّد لإعاقة نموهم الطبيعي.
في بعض الأحيان، لم يكن بعض هؤلاء الأطفال قادرين بما يكفي على تسلق المداخن، وهو ما أدَّى أحياناً إلى أن يعلقوا داخلها. تشير أدلة إلى أنَّ رؤساءهم في العمل كانوا يلجأون إلى إشعال النار في الأسفل لإرشاد هذا الطفل المسكين إلى طريق الخروج من أعلى المدخنة. على الرغم من صدور قانون عام 1840 يحظر على أي شخص دون سن 21 تسلق مدخنة وتنظيفها، واصل بعض معدومي الضمير استغلال الأطفال في هذه الممارسة.
صيد الفئران
وفقاً لما ورد في موقع londonist فقد كانت الفئران منتشرة في كل أنحاء لندن في العصر الفيكتوري، مما خلق فرصة أمام وظيفة جديدة: صائد الفئران.
استخدم صائدو الفئران عادةً كلباً صغيراً أو ابن عرس للبحث عن الفئران، التي تجوب شوارع ومنازل بريطانيا الفيكتورية. أما الصائدون الأقل حظاً والذين لم يكن باستطاعتهم استخدام الكلاب، فقد كانوا يدهنون أيديهم بنوع من الزيوت وبالبراز أحياناً لجذب الفئران.
غالباً ما أراد المشتغلون بهذه المهنة الإمساك بالفئران على قيد الحياة حتى يتسنى لهم بيعها إلى أصحاب كلاب صيد الفئران، إذ يضعون الفئران في حفرة مغلقة بينما يراهن المتفرجون على المدة التي سوف يستغرقها الكلب لقتلهم جميعاً.
كان اصطياد الفئران عملاً خطيراً، لأنَّ لدغاتها قد تتسبب في الإصابة بعدوى خطيرة. كان جاك بلاك أحد أشهر صائدي الفئران في العصر الفيكتوري، حيث عمل لصالح الملكة فيكتوريا نفسها. كشف بلاك في مقابلة مع الصحفي، هنري مايهيو، أنَّه استخدم قفصاً يمكنه تخزين ما يصل إلى ألف فأر حي في آنٍ واحد. تستطيع الفئران البقاء معاً في القفص على هذا النحو لأيام عديدة ما دام يقدم بلاك الطعام لها –لكن إذا نسي، ستبدأ الفئران في العراك وأكل بعضها البعض، ومن ثمَّ يفقد غنائمه.
نبش القبور
في أوائل القرن الـ19، اقتصرت الجثث المتاحة لكليات الطب وعلماء التشريح على جثث المجرمين، الذين نُفّذ فيهم حكم الإعدام، ما أدى إلى نقص حاد في الجثث المطلوبة لدراسة علم التشريح. دفعت كليات الطب رسوماً جيدة لمَن يستطيع تسليمها جثة في حالة جيدة. رأى العديد من الفيكتوريين في ذلك النقص الشديد فرصة لكسب بعض المال، من خلال سرقة القبور المحفورة في وقتٍ قريب. تفاقمت المشكلة لدرجة أنَّ أفراد الأسر باتوا يحرسون قبور ذويهم المتوفين حديثاً لمنع نابشي القبور من التسلل وسرقة جثث أحبائهم الراحلين.