على جبال الأنديز الواقعة في أمريكا الجنوبية، قامت إحدى أكبر الإمبراطوريات العالمية في العصور الوسطى، ويتعلق الأمر بـ"إمبراطورية الإنكا"، التي تشمل كلاً من البيرو والإكوادور وبوليفيا، والتي كانت من أكثر المناطق الغنية بالمعادن الثمينة، والتي استمرت من مطلع القرن الخامس عشر حتى عام 1533 م، حين أسقطها مستكشفٌ إسباني يُدعى فرانسيسكو بيزارو.
فرانسيسكو بيزارو راعي الخنازير الذي أراد البحث عن المجد في العالم الجديد
وُلد فرانسيسكو بيزارو في مدينة تروخيو، بإقليم إكستريمادورا الإسباني، سنة 1478، قضى الكثير من حياته المبكرة في منزل أجداده، ونشأ في ظروف لم تسمح له بالذهاب إلى المدرسة، فلم يتعلم فرانسيسكو أبداً القراءة أو الكتابة، كما أنّه وجد صعوبة في تقبّله وسط المجتمع، كونه كان ابناً غير شرعي لكلٍ من العقيد في الجيش الإسباني، غونزالو بيزارو، وفرانسيسكا غونزاليس، كما قضى طفولته في رعي الخنازير.
ومثل العديد من أقرانه في ذلك الوقت، انجذب بيزارو بأحلام تحقيق الشهرة والثروة، الذي قدمه العالم الجديد المكتشف للإسبان.
في عام 1502، أبحر فرانسيسكو بيزارو إلى هيسبانيولا (جمهورية الدومينيكان الحديثة/هايتي)، وهي مستعمرة إسبانية منذ عام 1494 برفقة نيكولاس دي أوفاندو، الحاكم الجديد للمستعمرة الإسبانية.
وبحلول عام 1509، انتقل فرانسيسكو إلى العالم الجديد، حيث انضم إلى البعثة التي يقودها ألونسو دي أوخيدا إلى خليج أورابا قبالة ساحل ما يُعرف اليوم بكولومبيا، وجاء اختياره للانضمام إلى تلك البعثة لكونه رجلاً صلباً وصامتاً وغير طموح على ما يبدو، ويمكن الوثوق به في المواقف الصعبة.
بعدها، انضم فرانسيسكو بصفته قبطاناً إلى بعثة فاسكو نونيز دي بالباو؛ لعبور برزخ بنما عام 1513، لذلك، أصبح فرانسيسكو أحد أوائل الأوروبيين الذين رأوا المحيط الهادئ، ليستقر بعدها فرانسيسكو بيزارو في بنما، وهناك تمتع بمهنة سياسية ناجحة، حيث عمل قاضياً ومفتشاً، أين قام بجمع ثروة صغيرة؟ بحسب موقع voyage-perou.
في العام 1523 م، وبسنّ 48 سنة، شرع بيزارو في المغامرة التي كانت ستؤدي إلى شهرته الدائمة.
في فترة استقراره ببنما، انتشرت شائعاتٌ عن وجود إمبراطورية عظيمة وذهبية في الأراضي المجهولة في الجنوب، جمع بيزارو الأموال اللازمة لقيادة رحلة استكشافية هناك.
بتحالفٍ مع صديقه دييغو دي ألماغرو، وبدعم مالي من القس هيرناندو دي لوك، والقاضي غاسبار دي إسبينوزا، قام بيزارو باستكشاف الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية، كما حاول الإبحار فوق نهر بيرو، لكنه لم يستطع إحراز تقدم كبير داخله، بسبب الرياح والتيارات الصعبة.
في رحلته الإستكشافية تلك، واجه بيزارو مجموعة من إحدى القبائل المحلية المعادية في بونتا كيمادو، حيث أصيب بيزارو بـ7 جروح، وقُتل عدد من رجاله.
في الرحلة الاستكشافية الثانية، اختار ألماغرو العودة إلى بنما، بينما واصل بيزارو طريقه جنوباً، حيث اكتشف أدلة على حضارة ثرية، بما في ذلك مدينة كان معبدها مغطى بالذهب.
تذكر بعض الروايات أنّ بيزارو قام برسم خطٍ على الأرض بسيفه، داعياً أولئك الذين يرغبون في الثروة والمجد لعبوره، فقام 13 رجلاً من رجاله بعبور الخط ومواصلة الرحلة، وذلك حسب الموسوعة البريطانية.
خلال هذه الرحلة أيضاً، جمع الإسبان معلومات حول إمبراطورية الإنكا وجميع الأشياء التي صنعها شعب الإنكا، كما قاموا بتسمية المنطقة باسم بيرو.
عاد بعدها بيزارو إلى إسبانيا ليطلب الإذن من الملك تشارلز الخامس، بالقيام بغزو الأراضي التي اكتشفوها، بعد أن فشلت محاولاته إقناع حاكم مستعمرة بنما بالقيام بذلك.
الإنكا.. الإمبراطورية التي تنام على الذهب والتي كانت هدفاً لأطماع بيزارو
في يوليو/تموز 1529، نجح بيزارو في إقناع الملك الإسباني بثروات أمريكا الجنوبية، وخصوصاً بيرو، بسبب ذلك تحصل بيزارو على لقب فارس سانتياغو، ثم حصل على صفة "متقدم"، وهو الحق القانوني الذي منحه ملك إسبانيا، تشارلز الخامس، ليصبح من خلاله بيزارو حاكماً على أي أراضٍ جديدة استعمرها هناك، كما يمكن أن يحتفظ بيزارو أيضاً بـ4 أخماس الثروة المكتسبة في هذه العملية، بينما تضمنت التزامات بيزارو بناء القلاع للحفاظ على حيازة المستعمرة الجديدة التي يؤسسها وأخذ رجال الدين لنشر المسيحية.
نظم بيزارو رحلته الاستكشافية الثالثة طوال عام 1530، وانطلق في ديسمبر/كانون الأوّل من ذلك العام نحو مستعمراته الموعودة في البيرو، وذلك حسب ما ورد في تقريرٍ لـworld history.
قاد بيزارو أقل من 200 مقاتل إسباني إلى جبال الأنديز من بينهم أربعة من إخوته، وكان الرجل الثاني في القيادة هو دييغو دي ألماغرو الذي رافقه في رحلتيه السابقتين.
في البداية أبحر إلى بنما ومنها توجّه إلى ساحل كولومبيا والإكوادور في سفينتين، على طول الطريق نهب الأوروبيون كلّ ما وقع بين أيديهم.
في فبراير/شباط 1531، انتظر بيزارو وصول التعزيزات في الإكوادور، بحيث بلغ عدد قوته في النهاية 260 رجلاً.
تقدم الجيش الصغير ببطء نحو الجنوب، وغزا تومبيس إحدى مناطق البيرو في فبراير/شباط 1532.
بوصولهم إلى بيرو، لاحظ الغزاة الإسبان الطرق والمخازن المبنية جيداً على طول طريقهم، وهي مؤشرات مؤكدة على أنهم كانوا يتعدون على أراضي إمبراطورية غنية.
أخيراً، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1532، تم إجراء أول اتصال مع شعب الإنكا، وأرسل بيزارو رسالة إلى إمبراطور الإنكا يطلب منه التحدث في كاخاماركا في مرتفعات بيرو.
كانت إمبراطورية الإنكا، إحدى أقوى وأهم الإمبراطوريات القائمة في أمريكا الجنوبية، لكن عدة أسباب جعلت موعد وصول فرانسيسكو بيزارو إلى أراضيها ليس بالأمر الجيد، فقد كانت الإمبراطورية التي امتدت لأكثر من قرن ونصف تعيش مرحلة الضعف والهوان، الأمر الذي ساعد كثيراً بيزارو في غزوه.
بحيث كانت الإنكا تعاني من وباء الأمراض الأوروبية الذي وصل بالفعل إلى أمريكا الجنوبية من المكسيك وأمريكا الوسطى، فقد قتلت هذه الموجة من 65 إلى 90٪ من عدد السكان في إمبراطورية الإنكا.
كما كان حاكم الإنكا واينا خاباك قد استسلم عام 1528، وتقاتل ابناه اسكار و أتاهوالبا، من أجل السيطرة على الإمبراطورية، مما أدى إلى نشوب حرب أهلية مدمرة استمرت 6 سنوات، بقتل أتاهوليا لأخيه أوسكار وانفراده بحكم إمبراطورية الإنكا.
بأقل من 200 مقاتل وبكثيرٍ من الخدعة.. بيزارو يضمّ البيرو إلى مستعمرات إسبانيا
وبالفعل التقى بيزارو مع أتاهوالبا خارج كاخاماركا، وهي بلدة صغيرة من إنكا تقع في وادي جبال الأنديز.
أرسل بيزارو شقيقه هرنان كمبعوث، ودعا أتاهوالبا للعودة إلى كاخاماركا لحضور وليمة على شرف صعود أتاهوالبا إلى العرش في 16 نوفمبر/تشرين الثاني.
على الرغم من أنه كان معه ما يقرب من 80 ألف جندي في الجبال، فإن أتاهوالبا وافق على حضور الوليمة مع 5 آلاف جندي فقط، وكانوا أيضاً غير مسلحين، وكان الراهب فيسنتي دي فالفيردي في إستقبال إمبراطور الإنكا برفقة بيزارو.
بحسب history، في البداية، حثّ فالفيردي أتاهوالبا على قبول الدخول تحت سيادة الملك الإسباني تشارلز الخامس وقام بإعطائه الإنجيل وطلب منه الدخول إلى المسيحية، لكن رفض أتاهوالبا، وقام برمي الكتاب، مما دفع فالفيردي لإعطاء إشارة لبيزارو لفتح النار.
بما أنهم كانوا محاصَرين في مكان ضيق، كان جنود الإنكا المذعورين فريسة سهلة للإسبان، فقد ذبح رجال بيزارو 5 آلاف جندي من الإنكان في ساعة واحدة فقط، دون أن يتعرض أحد منهم إلى الأذى باستثناء بيزارو الذي كان الإصابة الإسبانية الوحيدة في تلك المعركة.
تم القبض على أتاهوالبا في المعركة، وكان عليه توفير مخزن كنز ضخم لتأمين إطلاق سراحه. قدمت الإنكا الذهب والفضة، لدرجة أن ملأوا الغرفة التي كان أتاهوالبا أسيراً بها بـ24 طناً من الذهب، لكن بيزارو أمر بإعدام أتاهوالبا في 26 يوليو/ تموز 1533.
تمت إذابة فدية أتاهوالبا وتوزيعها على الإسبان. تلقى كل جندي من المشاة غنيمةً هائلة قدرها 20 كيلوغراماً من الذهب، بينما حصل الفرسان على 41 كيلوغراماً.
بينما احتفظ بيزارو على ثروة تقدّر بـ7 أضعاف ما تحصّل عليه الفرسان، وخصص خمس الغنيمة للملك تشارلز الخامس كما وعده.
بعدها أعلن الإسبان أن مانكو كاباك، شقيق هواسكار، هو الإنكا الجديد لبيرو.
بينما أسس بيزارو في عام 1535 مدينة ليما، العاصمة الجديدة لبيرو، وقد مُنح رفيقه السابق في غزو البيرو ألماغرو، سلطات مطلقة على تشيلي، لكنه أصيب بخيبة أمل بسبب فقر ذلك البلد.
لذلك قرر العودة إلى البيرو لاستعادة السلطة هناك، انتهى الصراع على السلطة في هذا البلد بقطع رأس ألماغرو بأمر من بيزارو. أثار هذا الإعدام ثورة أنصار ألماغرو، فاقتحم ابنه دييجو ألماغرو الثاني لاحقاً قصر بيزارو و قام باغتياله في 26 يونيو/حزيران 1541، بحسب ehistory.