بعد أن نجح إنزال النورماندي في تحرير فرنسا من قبضة النازيين، كانت لدى ألمانيا خطة كبيرة للانتقام من الفرنسيين، فقد أراد الجنرالات الألمان تسوية مدينة بوردو الفرنسية بالأرض، من خلال مخطط تفجير المدينة بآلاف القنابل على امتداد 10 كيلومترات، لكن جندياً ألمانياً كان قد نجا من الموت 3 مرات، كان وراء إفشال هذا المخطط، فما قصته؟
هاينز ستالشميت.. الجندي الألماني الذي نجا من الموت 3 مرات
في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1919، وُلد هاينز ستالشميت بمدينة دورتموند الألمانية، كان والده يعمل سباكاً إلى غاية وفاته سنة 1937. وكان شقيقه الأكبر قد التحق بالدراسة، ولأسبابٍ اقتصادية لم تستطع أسرته تحمُّل تمويل طالب ثانٍ، لذلك مع اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939، تطوَّع هاينز في البحرية الألمانية.
بحسب مدونة invisible bordeaux، لم تكن بداية مسيرته مع البحرية الألمانية جيدة، إذ نجا هاينز من الموت 3 مراتٍ في ظرف 6 أشهر فقط، ففي أبريل/نيسان 1940، كان على متن البارجة Blücher عندما غرقت قبالة أوسلو في النرويج، ونجا هاينز من الغرق بعد إنقاذه بقارب نجدة.
وفي يونيو/حزيران 1940، نجا هاينز من الموت للمرة الثانية، عندما غرق قارب صيد كان على متنه، كانت البحرية الألمانية قد حوَّلته إلى سفينة مراقبة.
وفي سبتمبر/أيلول 1940، كان هاينز على موعد مع النجاة من الموت لثلاث مرّة، حين كان على متن فرقاطة تحمل جنوداً ألماناً، تمّ نسفها بين الدنمارك والنرويج، نجح ستالشميت في السباحة عائداً إلى الساحل، حيث كان الناجيَ الوحيد من تلك الحادثة، بعد غرق 560 جندياً كانوا معه على متن الفرقاطة.
قصة حب وراء عشق هاينز ستالشميت لمدينة بوردو الفرنسية
بعد سلسلة من المغامرات التي كادت تودي بحياته، طلب ستالشميت نقله إلى موقع على اليابسة. وهكذا، في أبريل/نيسان 1941، انتهى به المطاف في مدينة بوردو الفرنسية التي كانت تقع في ذلك الحين تحت سيطرة الألمان، حيث عمِل ميكانيكياً بحرياً.
استقر ستالشميت في بوردو جيداً، وسرعان ما كوَّن صداقات مع العديد من الفرنسيين، كما أصبحت الفتاة الفرنسية هنرييت بويسون حبيبة له، فزاد عشق هاينز ستالشميت للمدينة الفرنسية، بحسب actu bordeaux.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1941، عاد هاينز ستالشميت إلى ألمانيا؛ لمتابعة دورة تدريبية مدتها أربعة أشهر، من شأنها أن تجعله خبيراً محترفاً في المتفجرات والتخلص من الألغام.
كان من شروط التدريب أن يختار أحسن المتدربين مكان العمل، ولأن هاينز كان أحد أكثر المتدربين كفاءة، أصبح مؤهلاً لاختيار المكان الذي سيتمركز فيه.
بشكل غير مفاجئ، اختار هاينز ستالشميت مدينة بوردو، وفي وقت مبكر من عام 1942، تم تكليفه بتفتيش الأسلحة في جميع أنحاء المدينة الفرنسية، وتنسيق أنشطة عدد من حظائر التخزين في وسط بوردو.
هاينز ستالشميت أنقذ مدينة بوردو الفرنسية من التدمير
في أغسطس/آب 1944م، تغيرت الكثير من الأمور بأوروبا وفي فرنسا بوجه التحديد، خصوصاً بعد نجاح إنزال النورماندي، فقد كانت قوات الحلفاء تحرز تقدماً في جميع أنحاء فرنسا، ولم يكن أمام الألمان أي خيار سوى التراجع.
لكن في بوردو، تم اتخاذ القرار بعدم المغادرة بهدوء. تم وضع خطة لتدمير المدينة الفرنسية، وذلك بزرع قنابل كل 50 متراً على امتداد 10 كيلومترات من الواجهة البحرية وجسور المدينة.
تم تخزين المتفجرات والمكابس والمؤقتات والأجهزة اللازمة للعملية في مخبأ على الواجهة البحرية بالقرب من شارع رايز وسط مدينة بوردو.
العملية التي تم التخطيط لها من قِبل القادة العسكريين الألمان في ليلة 26-27 أغسطس/آب، كانت ستؤدي إلى مقتل ما يقدر بنحو 3 آلاف شخص، كما كانت ستدمر البنية التحتية لميناء المدينة بالكامل، أمّا الشخص الذي أوكلت إليه مهمة تنفيذ العملية فقد كان هاينز ستالشميت.
كان هاينز ستالشميت مدركاً أن العملية كانت متأخرة جداً بالنسبة للألمان، وأنّها لا تعدو أن تكون دوافعها انتقامية، بالنسبة لهاينز كان الألمان قد خسروا الحرب.
لذلك عمِل هاينز ستالشميت على عرقلة المخطط الألماني لتدمير مدينة بوردو الفرنسية، في البداية قام هاينز بإبلاغ أحد أصدقائه في المقاومة الفرنسية بالعملية، وهو معلّمٌ بمدرسة يُدعى دوبوي، لكن دوبوي لم يكن لديه "الرجال ولا الأسلحة" لعرقلة الخطط.
كان هاينز ستالشميت يعلم جيداً أنه الوحيد القادر على إيقاف العملية، لذلك اختار عصيان أوامر قادته.
فقبل أربعة أيام من العملية المقررة، وفي تمام الساعة الـ8:00 مساء من يوم 22 أغسطس/آب، دخل هاينز إلى مخزن المتفجرات الألمانية وقام بتفجيره، وذلك حسب موقع sudouest.
تسبب الانفجار في مقتل 13 حارساً واثنين من أعضاء الجستابو النازية، وتضررت المباني في نهاية شارع رايز بشدة، لكن تم إنقاذ المدينة.
أنهى الحرب العالمية الثانية فرنسيّاً
أصبح هاينز ستالشميت على الفور رجلاً مطلوباً وهارباً، وفي 28 أغسطس/آب، اعتقله الفرنسيون واحتجزوه كأسير حرب في سان ميدارد إن جال، بعدها انضم هاينز ستالشميت إلى الجيش الفرنسي، حيث تطوع للعمل في إزالة الألغام، وأصبح مدرباً في مركز جيروند لإزالة الألغام.
كان السخط على هاينز ستالشميت في ألمانيا كبيراً، فقد تم إعدام والدته بالرصاص وسُجن شقيقه؛ انتقاماً لانفجار شارع رايز.
في مارس/آذار 1946، تمت تبرئة هاينز ستالشميت، والسماح له بالعودة إلى ألمانيا، وفي العام الموالي، عاد إلى بوردو، وتزوج حبيبته هنرييت وأصبح مواطناً فرنسياً. ومنذ ذلك الحين أصبح معروفاً باسم هنري سالميد.
عمِل هنري سالميد بعدها في فرقة إطفاء الميناء لمدة 30 عاماً حتى تقاعده في نوفمبر/تشرين الثاني 1969، وتوفي في 23 فبراير/شباط 2010.