في بداية الثمانينيات كانت هناك حوالي 50 شركة مسؤولة عن معظم وسائل الإعلام في أمريكا، أما الآن فتسيطر ست شركات فقط على 90٪ من وسائل الإعلام في أمريكا، ويطلق عليها لقب "الستة الكبار". وحتى عام 2021 كان الستة الكبار تتحكم في إجمالي صافي قيمة يُقدّر بأكثر من 430 مليار دولار.
وبحسب السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز، فإن الأمر لايخلو من خطورة حيث يقول: "هذه الشركات القوية لديها أيضاً أجندة، وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن آراءهم واحتياجاتهم لا تؤثر على تغطية القضايا المهمة بالنسبة لهم". فما هذه الشركات؟ وكيف تسيطر على الإعلام الأمريكي؟
كيف سيطر "الستة الكبار" على الإعلام في أمريكا؟
منذ وقت إنشاء لجنة الاتصالات الفيدرالية في عام 1934، وحتى السبعينيات، عملت الحكومة الأمريكية إلى حد كبير على الحفاظ على تنوع وسائل الإعلام ومنع دمجها.
ووضع لوائح تمنع شركة واحدة من امتلاك عدد كبير جداً من الصحف أو محطات التلفزيون، أو من الوصول إلى جمهور كبير جداً.
وكانت هناك قيود مفروضة على الشركات وطريقة تملُّكها أو استحواذها على محطَّات البث ومحطات الكابل والصحف والمواقع الإلكترونية، لكن أزيلت كل تلك القيود بموجب قانون الاتصالات الذي وقعه الرئيس الأمريكي حينها "بيل كلينتون" عام 1996.
وبمجرد اختفاء القيود، عزَّزت 6 شركات كبيرة أو 6 "تكتلات إعلامية" هيمنتها على أسواق الإعلام من خلال عمليات الدمج والاستحواذ على الشركات الأخرى بشكل تدريجي، وهي شركات: "WarnerMedia" و"News Corp"، و"The Walt Disney Company"و ،"CBS "Comcast و"Viacom".
وحتى عام 2011 كان الستة الكبار تحقق مردوداً مالياً سنوياً يقدر بـ275 مليار دولار. فلم يكن لدى المنافسين الأصغر أي فرصة، وكانت المحطات الصغيرة والصحف اليومية يتم شراؤها، أو إنها تفشل وتغلق أبوابها؛ لأنها لم تستطع منافسة تلك الشركات العملاقة.
كيف تؤثر سيطرة "الستة الكبار" على العالم؟
في عام 2017، كتب السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز افتتاحية بعنوان "كيف يهدد الإعلام المؤسسي ديمقراطيتنا". وأشار إلى أن القضايا المهمة مثل الفقر لم تتم تغطيتها بالشكل الكافي، بينما كانت تغطية الحملات السياسية "كما لو كانت عرضاً للألعاب أو لعبة بيسبول أو مسلسلاً تلفزيونياً أو سلسلة من النزاعات".
وتابع قائلاً: "وسائل الإعلام تشكل حياتنا، تخبرنا ما هي المنتجات التي نحتاج إلى شرائها، وبحسب كمية وطبيعة التغطية، ما هو "المهم" وما هو "غير المهم".
وإذا أخذنا ما قاله "بيرني ساندرز" بنظر الاعتبار يمكن أن تفهم مدى تأثير تلك الشركات على نتائج الانتخابات في أمريكا، حيث تشير الأبحاث إلى أن التحيز الإعلامي قد يؤثر على خيارات الناخبين، وبالتالي هوية الرئيس الأمريكي الجديد وقراراته التي ربما ستؤثر على العالم، عدا التأثير الثقافي لصناعة السينما والتلفاز والبرامج في أمريكا على العالم أجمع.
فأمريكا تمتلك أكبر ترسانة إعلامية في العالم، أكثر من 700 محطة تلفزيونية، وما يقارب 6700 محطة إذاعية، و150 صحيفة يومية، وصناعة سينما تنتج حوالي 200 فيلم سنوياً، يعرض أغلبها حول العالم، ويسيطر الستة الكبار على الغالبية العظمى منها.
بل إن بعض تلك الشركات تمتلك وسائل إعلام في دول مختلفة، فمثلاً "News Corp" تمتلك 3 صحف في 3 دول: "The Wall Street Journal" في أمريكا و"The Sun" في بريطانيا و"The Australian" في أستراليا.
ولمعرفة مدى التأثير العالمي لتلك الشركات، يكفي أن تعرف أنّه عام 2019 فقط حقّقت هوليوود 42.5 مليار دولار من عائدات شباك التذاكر في صالات السينما فقط. وبحسب التقديرات ما لا يقل عن 35% من تلك الأموال يأتي من العروض في الدول الأخرى.
ترتفع هذه النسبة بشكل كبير في منصات العرض الرقمية، مثل نتفليكس وديزني بلس وغيرهما، التي تعرض أعمالها في كل مكان من العالم، ومعظم منصات العرض الرقمية هي إما مملوكة لإحدى الشركات الستة الكبار، أو تعرض مواد أنتجتها تلك الشركات.
وعلى سبيل المثال، منصة Hulu تمتلكها مجموعة Comcast، ومنصة +Disney تمتلكها "The Walt Disney Company"، أما "HBO Max" و"Discovery" فهذه المنصات تمتلكها "WarnerMedia" ومنصات +Paramount و Showtime تمتلكها Viacom.
وما عدا هذه المنصات، هناك الكثير التي تعود ملكيتها لواحدة من الشركات "الستة الكبار"، التي تقدم خدمة البث لمئات الملايين من الأشخاص وعشرات البلدان حول العالم.
وحتى المنصات الرقمية غير المملوكة لواحدة من هذه الشركات، فهي عندما تعرض أفلام أو مسلسلات هوليوود، فعلى الأغلب ستعرض مواد أنتجتها شركات مملوكة لواحدة من "الستة الكبار"، كون تلك الشركات تسيطر على 90% من إنتاج الأفلام والمسلسلات في هوليوود.
وبحسب بحث قام به علماء من مختبر "علم نفس النطق وعلم اللغة النفسي": "تصبح السينما أداة لبث الإيديولوجية للجماهير، ويمكن لتلك الأفلام والبرامج أن تشكل معتقدات وتؤثر على الآراء وتغير المواقف".
وربما هذا ما دفع وزير الثقافة الروسي "فلاديمير ميدينسكي" في يونيو 2016 لاتهام الحكومة الأمريكية بتمويل نتفليكس لممارسة القوة الناعمة الأمريكية في جميع أنحاء العالم وقال: "يمكنهم الدخول إلى كل منزل وكل تلفزيون، وبعد ذلك إلى كل رأس".
مثال آخر على تداخل مصالح لتلك الشركات والوسائل الإعلامية التي تحت سيطرتها بشكل مباشر، كان إبان حرب الخليج في أوائل التسعينات، حيث كانت شبكة CBS ملك لشركة "وستنغهاوس" وشبكة NBC ملك لشركة "جنرال اليكتريك".
وفي نفس الوقت كانت شركة "وستنغهاوس" و"جنرال إليكتريك" تصنعان معظم قطع الأسلحة التي استخدمت في حرب الخليج الأولى، وبسيطرة شركات مماثلة على الإعلام والرأي العام، يمكنها إقناع العامة بكل بساطة بشن حروب، تكون هي أحد المستفيدين منها.على الرغم من أن العديد من الأشخاص يحصلون الآن على أخبارهم عبر الإنترنت ، وجدت دراسة لمركز بيو للأبحاث عام 2016 أن 57% من الأمريكيين لايزالون يحصلون على أخبارهم من التلفزيون، و25% من الراديو و20% من الصحف. بالطبع، وعلاوة على ذلك، فإن العديد من المنافذ الإخبارية عبر الإنترنت مملوكة أو ممولة من نفس شركات الستة الكبار.