على مدار معظم تاريخها، كانت الشوكولا مشروباً مراً، وليست مشروباً حلواً وغنياً، ولكن بعد أن أصبحت شائعة في أوروبا وأمريكا، سرعان ما تطورت الشوكولاتة لتصبح السلعة المحبوبة عالمياً كما هي اليوم.
قصة اختراع الشوكولا
يمكن إرجاع قصة اختراع الشوكولا، وإنشائها من حبوب شجرة الكاكاو، إلى حضارة المايا القديمة، وحتى قبل ذلك إلى أولمكس القديمة في جنوب المكسيك.
ووفقاً لدراسة نُشرت عام 2018 في دورية "Nature Ecology & Evolution"، يرجع أقدم دليل على استخدام حبوب الكاكاو- وهي البذور المجففة والمخمرة لفاكهة الكاكاو التي تنمو في أمريكا الجنوبية على شجرة دائمة الخضرة معروفة باسم "شجرة الكاكاو"- إلى حوالي 5300 عام مضت من الموقع الأثري "Santa Ana-La Florida" المكتشف في جنوب شرق الإكوادور، والذي يُنسب لثقافة "مايو تشينشيب".
ومع ذلك، يُحتمل أن هذا النبات كان مستخدماً في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية منذ فترة طويلة، حيث كانت الشجرة بالفعل خارج نطاق بيئتها الطبيعية قبل 5300 عام.
الشوكولاتة، التي صنعها وتناولها السكان الأصليون لأمريكا الجنوبية، كانت مختلفة تماماً عن الشوكولاتة التي نستمتع بها حالياً.
لصنع الشوكولاتة، كانت بذور الكاكاو الكبيرة- التي تشبه حبة اللوز- تخضع لعملية تخمير، ثم يجري تجفيفها وتنظيفها وتحميصها.
بعد ذلك، تُزال قشرتها لإنتاج حبيبات الكاكاو- التي كانت أخشن كثيراً من المنتج النهائي.
غالباً ما كانت هذه الحبيبات تُطحن حتى تتحول إلى عجينة يُطلق عليها اسم "كتلة الكاكاو"، ثم تُصهر لتصبح في صورة سائلة تُسمى "شراب الشوكولاتة"- الذي إما يُضغط لصنع مسحوق الكاكاو وزبدة الكاكاو أو يُمزج مع مكونات أخرى لصنع أنواع شوكولاتة تجارية.
المكسيكيون اعتبروا الشوكولا هدية الآلهة!
وفقاً لمقال نشرته جامعة "بوسطن" الأمريكية، كان شعب حضارة "الأولمك"- الذين عاشوا في جنوب المنطقة المعروفة الآن بـ"المكسيك" خلال الفترة من حوالي عام 1500 قبل الميلاد وعام 400 قبل الميلاد- يعتبر الكاكاو هدية من الآلهة وأن تقديمه قرباناً يعزز الصلة بالإله.
نمت شجرة الكاكاو تقريباً في جميع أنحاء منطقة أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية بحلول وقت وصول الغزاة الإسبان في أوائل القرن الـ16 الميلادي.
مشروب الكاكاو في العصور الأولى لم يكن ساخناً مغلياً، مثل مشروب الشوكولاتة الساخنة حالياً، بل كان فاتراً وفقاً لما ذكره موقع Live Science الأمريكي.
شوكولا بالفلفل الحار
كان الفلفل الحار مستخدماً في العديد من وصفات تحضير مشروبات الكاكاو في منطقة وسط أمريكا- لجعلها حارة مثل المشروب التقليدي القديم لشعب حضارتي "المايا" و"الأزتيك" المعروف باسم "xocolat"، الذي اُشتقت منه كلمة "chocolate" باللغة الإنجليزية- لكن من غير المعروف مَن أدخل الفلفل الحار في وصفات هذه المشروبات القديمة.
ربما كان أكثر محبي شوكولاتة الأزتك شهرةً هو حاكم الأزتك مونتيزوما الثاني الذي يُزعم أنه كان يشرب غالونات من إكسوكولاتل كل يوم من أجل الطاقة وكمنشط جنسي.
في حين تعود أحد أسباب شعبية الكاكاو إلى احتوائه على مادة الكافيين، وهي المادة المنبهة الموجودة أيضاً في القهوة (تجدر الإشارة إلى عدم وجود صلة بين القهوة والكاكاو، إذ يُعتقد أنَّ الموطن الأصلي لنبات البن كان العالم القديم، على الأرجح إفريقيا، وليس الأمريكتين).
وبينما كانت المنبهات الأخرى متوفرة في أمريكا الجنوبية، كان الكاكاو المنبه الوحيد الموجود في منطقة وسط أمريكا، وربما يكون ذلك سبب الإقبال عليه وتحوله إلى مصدر للثروة في تلك المنطقة.
دخل مشروب الكاكاو من الأمريكيتين إلى أوروبا بدايةً من القرن الـ16 وسرعان ما أصبح رمزاً للرفاهية. لكن الشوكولاتة المعروفة لدينا الآن في صورة ألواح اخترعتها شركة "J.S. Fry and Sons" البريطانية في عام 1847.
حصل الإنجليزي جوزيف ستورز فراي على براءة اختراع طريقة لطحن حبوب الكاكاو بمحرك بخاري في عام 1795، ثم ابتكر أبناؤه فيما بعد فكرة دمج مسحوق الكاكاو وزبدة الكاكاو مع السكر لصنع ألواح الشوكولاتة الصلبة، التي سرعان ما اكتسبت شعبية كبيرة في أوروبا.
نجحت الشركة في تصنيع العديد من منتجات الشوكولاتة وبيعها وساعدت شركات منافسة مثل "Cadbury و "Rowntree's" في ترويج هذه الحلوى اللذيذة في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية وخارجها. في سبعينيات القرن الـ19، استخدمت شركة "نستله" السويسرية الحليب المجفف لإنتاج أول لوح شوكولاتة بالحليب.
وصول الشوكولا إلى أوروبا
هناك تقارير متضاربة حول موعد وصول الشوكولاتة إلى أوروبا، على الرغم من الاتفاق على وصولها لأول مرة إلى إسبانيا.
تقول إحدى القصص التي نقلها موقع History الأمريكي التاريخي إنّ كريستوفر كولومبوس اكتشف حبوب الكاكاو بعد اعتراضه سفينة تجارية في رحلة إلى أمريكا وأعاد الحبوب معه إلى إسبانيا عام 1502.
حكاية أخرى تنص على أن الفاتح الإسباني هرنان كورتيس قدمت له الشوكولاتة من قبل الأزتيك في محكمة مونتيزوما. بعد عودته إلى إسبانيا، مع حبوب الكاكاو، من المفترض أنه احتفظ بمعرفته بالشوكولاتة سراً خاضعاً لحراسة مشددة. تدعي قصة ثالثة أن الرهبان الذين قدموا المايا الغواتيماليين إلى فيليب الثاني ملك إسبانيا عام 1544 أحضروا أيضاً حبوب الكاكاو كهدية.
الشوكولاته في المستعمرات الأمريكية
في حين وصلت الشوكولاتة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة إلى فلوريدا على متن سفينة إسبانية في عام 1641، ويُعتقد أن أول متجر شوكولاتة أمريكي افتتح في بوسطن عام 1682.
وبحلول عام 1773، كانت حبوب الكاكاو مستعمرة أمريكية رئيسية للاستيراد، وكان الناس من جميع الفئات يتمتعون بالشوكولاتة.
خلال الحرب الثورية، تم تقديم الشوكولاتة للجيش كحصص إعاشة وأحياناً كان يتم تقديمها للجنود كدفعة بدلاً من المال، كما تم تقديم الشوكولاتة أيضاً كحصص إعاشة للجنود خلال الحرب العالمية الثانية.