في اللحظة التي كانت فيها الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني تتمدد بكل اتجاه، كانت دول المغرب العربي تتعرّض إلى حملاتٍ أوروبية متتالية تستهدف مدنها وسواحلها. وكانت الجزائر في مركز هذه الحملات.
فقد تعرضت الجزائر إلى عشرات الحملات الأوروبية، كما سقطت عدة مدن ساحلية جزائرية في يد الاحتلال الإسباني، قبل أن ينجح العثمانيون في طرد الإسبان وتحرير معظم هذه المدن والسواحل.
وتعدُ معركة مزغران التي حدثت سنة 1558م، إحدى أبرز المواجهات العسكرية الحاسمة بين الدولة العثمانية والإسبان، والتي كان لها تأثير مباشر على استقرار وإرساء الحكم العثماني بالجزائر.
قبل معركة مزغران.. جيش حسن باشا في مواجهة الإسبان والسعديين
في سنة 1545 م، عيّن الباب العالي في إسطنبول الباشا حسن بن خير الدين بربروس والياً على الجزائر، ومنذ ذلك الحين قام الباشا حسن بحملات عسكرية وبحرية من أجل تحرير الشطر الشرقي من سواحل الجزائر التي كانت تحت السيطرة الإسبانية، وبالفعل تمكّن من تحرير مدينتي بجاية والقالة سنة 1555م.
لكن الشطر الغربي للسواحل الجزائري كان لا يزال معرضاً للتحرشات الإسبانية، ومهدداً أيضاً بخطر توسع الدولة السعدية التي كانت تحكم المغرب الأقصى.
أمام هذا الوضع، رأى الباشا حسن بن خير الدين أن يوجه قوته لتحرير مدينتي المرسى الكبير ووهران من الاحتلال الإسباني، وأن يحمي مدينة تلمسان وباقي المدن الغربية الجزائريين من تحرشات السعديين، حسب ما ورد في كتاب "الجزائر والحملات الصليبية " للمؤرخ بسام العسلي.
وبالفعل وجّه حسن باشا جيشه إلى وهران سنة 1556م، بقيادة صالح ريّس، كان جيش ريّس متكوناً من أسطولٍ بحري قوامه 30 سفينة حربية، إضافة إلى جيش بري قوامه 10 آلاف جندي، استطاع في بداية الأمر الجيش العثماني أن يحقق انتصارات على الإسبان الذين احتموا داخل أسوار المدينة، وتمكنوا من السيطرة على حصن سانتوس.
لكن وفاة قائد الحملة العثمانية صالح ريس بسبب الطاعون، ومن ثمّ استشهاد خليفته حسان قورصو، والتحرشات السعدية على مدينة تلمسان أفشلت حملة استرجاع مدينة وهران.
في تلك الأثناء، كانت الدولة السعدية التي يقودها في ذلك الوقت السلطان الشريف محمد الشيخ تتربص بمدينة تلمسان، فاستغلت مشاركة الحامية العثمانية بتلمسان في حصار وهران، لتغير على المدينة وتستولي عليها وتحاول التقدم نحو مدن أخرى.
جعل ذلك الأمر الباشا حسن يوقف الحملة على وهران قبل تحقيق أهدافها، ويوجّه أمراً إلى قائد جيشه باسترجاع مدينة تلمسان من السعديين، وبعد معركة حامية الوطيس بين العثمانيين والسعديين نجح الحاج علي أو ما يُسمى "القلش على" في استرداد مدينة تلمسان ومطاردة السعديين إلى ما وراء نهر ملوية.
يذكر المؤرخ أحمد توفيق المدني في كتابه "حرب الثلاثمئة عام بين الجزائر وإسبانيا"، أن حسن باشا لم يتوقف عند ذلك، بل حاول القضاء على السعديين لخيانتهم له، وضمّ المغرب الأقصى إلى الدولة العثمانية، خصوصاً بعد مقتل السلطان السعدي الشريف محمد الشيخ، إلّا أن تحركات الإسبان في ظهر الجيش العثماني جعلهم يتراجعون.
معركة مزغران .. حين أباد جيش حسن باشا الإسبان
استغل الإسبان محاولة العثمانيين استرجاع مدينة تلمسان وإسقاط السعديين بفاس، فقام الكونت الكوديت، الحاكم الإسباني لوهران، في 22 أغسطس/آب 1558 م، بتوجيه جيش كبير إلى مدينة تلمسان، كان قوام هذا الجيش 12 ألف جندي إسباني وعددٌ مماثل من الجنود العرب، بحسب ما ورد في كتاب "تاريخ الدولة العثمانية" للمؤرخ التركي يلماز أوزتونا.
لكن الكوت الكوديت قام بتغيير خطته، وذلك بالتوجه إلى مدينة مزغران أو مستغانم واحتلالها، بسبب سقوط 4 سفن تحمل وثائق وخطط الحملة في يد الجيش العثماني، وعلم والي الجزائر حسن باشا بمخططاته واستعداده الجيد لمواجهته في تلمسان.
استطاع الكونت الكوديت الدخول إلى مدينة مزغران بدون مقاومة، ثم بعد ساعات تفاجأ بجيش حسن باشا يحاصر مزغران.
كان تعداد جيش حسن باشا يضمُّ 5 آلاف جندي من المشاة وألف فارس، مدعومين بجيش من المجاهدين الجزائريين تعداده 15 ألف مقاتل يقودهم الشاعر الصوفي سيدي الأخضر بن خلوف.
يذكر المؤرخ التركي يلماز أوزتونا في كتابه السابق أنّ الجنود العرب المشكلين للجيش الإسباني والمقدر عددهم بـ 12 ألف جندي انسحبوا من المعركة بعد تفاجئهم بالجيش العثماني.
وفي 26 أغسطس/آب 1558م، اندلعت معركة مزغران أو ما تسمى معركة مستغانم، وفيها أباد جيش العثماني الجنود الإسبان، فقتل في المعركة 12 ألف جندي إسباني من بينهم قائدهم الكونت الكوديت.
وبحسب يلماز أوزتونا، بعد انتصار مزغران سنة 1558م، انتهى عهد الحماية العثمانية للجزائر الذي استمر 38 سنة، وألحقت هذه الأخيرة رسمياً إلى الدولة العثمانية.
وخلّد الشاعر الصوفي الجزائري سيدي لخضر بن خلوف تلك المعركة التي خاضها رفقة حسن باشا بن خير الدين بربروس في قصيدة شعرية بعنوان "قصة مزغران" يحكي فيها وقائع المعركة.