معركة نافارين التي نشبت عام 1827، بين الدولة العثمانية والتحالف الأوروبي المُشكَّل من أساطيل كلٍّ من: بريطانيا وفرنسا وروسيا إحدى المعارك التي غيّرت مجرى التاريخ، فقد ساهمت تلك المعركة في استقلال اليونان عن الدولة العثمانية، وسقوط الجزائر في يد الإحتلال الفرنسي بعد عدة سنوات، بعد تحطم أسطوله في المعركة، بينما فقدت مصر أسطولها الذي كان يبثّ الرعب في المتوسِّط.
حين تحالفت أوروبا لمنع الدولة العثمانية من حكم اليونان
في القرن الـ19 ومع بلوغ الدولة العثمانية مرحلة الضعف، شرعت الدول الأوروبية في مرحلة تصفية حسابها مع الدولة العثمانية التي أذاقت أوروبا الويلات خلال القرون الثلاثة التي خلت، وكانت روسيا العدو التقليدي للدولة العثمانية يتربص في الفرص من أجل النيل من العثمانيين.
وفي العام 1821م، اندلعت ثورة في شبه جزيرة المورة في جنوب اليونان، تطالب باستقلال اليونان عن الدولة العثمانية ومنذ ذلك الحين بدأت ما تعرف تاريخياً بـ حرب الاستقلال اليونانية.
قامت روسيا بدعم اليونانيين خلال تلك الحرب بالأموال والسلاح، من باب أنّها ترى من واجبها حماية المسيحيين الأرثوذكس اليونان ضد المسلمين العثمانيين، وبالأساس رأت في الثورة اليونانية فرصتها الذهبية لإضعاف عدوها التقليدي: الدولة العثمانية.
كما انضمّت فرنسا وبريطانيا إلى صفها، في جهودهما لدعم اليونانيين إلى الانفصال عن الدولة العثمانية حسب ما ورد في كتاب " تاريخ أوروبا الحديث" للمؤرخ نصري ذياب.
وفي الوقت الذي كان فيه العثمانيون في طريقهم إلى القضاء على انتفاضة اليونانيين، أجرت روسيا وبريطانيا وفرنسا مؤتمراً بالعاصمة البريطانية لندن في 6 يوليو/تموز 1827، تم الاتفاق فيه على دعم مقترح الحكم الذاتي لليونان في إطار الإمبراطورية العثمانية، وفرض الثلاثي نفسه ضامناً لذلك.
فرح اليونانيون الثائرون بقرار مؤتمر لندن الذي اعترف باستقلالهم، بينما رفضت الدولة العثمانية هذا الحل.
كانت نوايا التحالف الأوروبي الثلاثي منذ الوهلة الأولى المواجهة مع الأسطول العثماني، لذلك قامت الدول الثلاثة بإرسال أسطول بحري لمضايقة قوات إبراهيم باشا (قائد الأسطول المصري وابن محمد علي والي مصر) وإجباره على إخلاء خليج نافارين باليونان.
الدولة العثمانية تستنجد بمصر لإخماد ثورة اليونانيين
كانت مصر، أقوى الولايات المنضوية تحت لواء الحكم العثماني، وأمام المحنة التي أصابت الدولة العثمانية في اليونان، والتحرش الأوروبي بها، وانتفاضة اليونانيين في جزيرة المورة، استنجد السلطان العثماني محمود الثاني بواليه القوي على مصر محمد علي باشا، والذي كان قد بَنَي سلطةً قويةً في مصر تنافس العثمانيين أنفسهم.
استجاب محمد علي باشا لطلب السلطان العثماني، واوفد سنة 1825 أسطوله البحري بقيادة ابنه إبراهيم باشا، من أجل قمع ثورة اليونانيين.
وبالفعل نجح إبراهيم باشا وأسطوله في هزيمة اليونانيين عدة هزائم وإسقاط عدة مدن يونانية في يد جيشه، قبل أن يتلقى خسارةً فادحة في معركة أمام سكان ماني اليونانية، حسبما ورد في كتاب "عصر محمد علي" للمؤرخ عبد الرحمن الرفاعي.
في تلك الأثناء أرسلت دول التحالف الأوروبي اساطيلها إلى اليونان، ورجع إبراهيم باشا إلى الإسكندرية، واستغل أسطول التحالف الأوروبي غياب إبراهيم باشا وأسطوله، وعبروا إلى نافارين.
أرسل محمد علي باشا أسطوله سريعاً إلى نافارين، وكان تحت قيادة الأميرال محرم بك، الذي قدم بأسطولٍ مُكوّن من 18 سفينة حربية مصرية و16 سفينة حربية عثمانية، و4 سفن تونسية.
ليجد الأسطول العثماني قادماً من إسطنبول بقيادة الأميرال طاهر باشا مكوناً من 32 سفينة حربية أخرى، وقام إبراهيم باشا بقيادة الأسطولين في تلك المعركة، حسب ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه السابق.
كما انضم أسطول إيالة الجزائر العثمانية إلى المعركة، حسب ما ذكر المؤرخ ناصر الدين سعيدوني في كتابه "ورقات جزائرية: دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر في العهد العثماني"، دون أن يحدد بالضبط حجم هذه المشاركة. غير أنّه يذكر أن سفينتين منه فقط نجوا من تلك المعركة.
موقعة نافارين.. حين حطّم الحلفاء أساطيل الدولة العثمانية
في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1827، اندلعت معركة بحرية عنيفة بين أساطيل التحالف الأوروبي المكوّن من روسيا وبريطانيا وفرنسا، وأساطيل الدولة العثمانية وحلفائها المصريين والتونسيين والجزائريين.
ورغم قوة الأسطول المصري الذي كان في أوّج قوته حينها، والمساعدة الجزائرية والتونسية، فإنّ الدولة العثمانية تلقت ضربة قاصمة في معركة نافارين.
حسب المؤرخ عبد الرحمن الرفاعي، لم يغب المكر والخديعة عن أداء قوات التحالف الأوروبي، فبينما وقَّع الأسطول العثماني والأوروبي على اتفاقية هدنة، نقض الأسطول الأوروبي تلك الهدنة، وباغت الأسطول المصري والعثماني، وحطمّ غالبية سفنه.
ويرجع المؤرخ محمد فريد بيك في كتابه " تاريخ الدولة العلية"، سبب قيام تلك المعركة إلى أنّ إحدى السفن الحربية العثمانية اقتربت من بارجة بريطانية في خليج نافارين، فأرسل قبطانها ضابطاً في زورق ليستفسر عن سبب هذا التقدم، فأطلق أحد الجنود العثمانيين النار عليه فقتله، لتبدأ شرارة المعركة من تلك السفينتان قبل أن يمتد لهيبها إلى كامل الأساطيل.
كان لتلك المعركة تأثيرات كبيرة على المدى المتوسط والبعيد، فقد نجحت اليونان في تحقيق الاستقلال بعد 5 سنوات من تلك الواقعة، وذلك بعد أن سحبت مصر جنودها من جزيرة مورة.
كما سقطت الجزائر بعد 3 سنوات فقط في يد الاحتلال الفرنسي، بعد أن فقدت أسطولها الذي كان قوتها الضاربة لحماية نفسها، وانتهى الوجود العثماني في شمال إفريقيا، كما أنّ الحليف القوي للعثمانيين في الشرق الأوسط والمتمثل في مصر، خسرت هي الأخرى أسطولها التي كانت ترهب به البحر المتوسط.